أدت الحكومة الأردنية الجديدة، برئاسة عمر الرزاز، اليمن الدستورية اليوم الخميس، أمام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلفا لحكومة هاني الملقي، التي استقالت الأسبوع الماضي على وقع الاحتجاجات رفضا لسياساتها الاقتصادية وإصرارها على تمرير قانون ضريبة الدخل، واتخاذها قرارات برفع أسعار المشتقات النفطية.
وقد جاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد 9 أيام من المشاورات التي أجراها الرزاز في منزله الواقع في منطقة اللويبدة، وسط العاصمة عمان، حيث التقى بالعديد من الشخصيات الاقتصادية والسياسية، وأجرى مفاضلة بين عدد من الأشخاص لكل وزارة.
وأحاط الرزاز، الذي كان وزيرا للتربية والتعليم في الحكومة السابقة، مشاوراته بسرية تامة، ولم يؤكد أسماء الوزراء في التشكيلة الوزارية الجديدة إلا مساء أمس.
وقد ضمت الحكومة الجديدة 29 شخصية، من بينهم 7 سيدات، في سابقة هي الأولى في الأردن بأن تضم الحكومة هذا العدد من الوجوه النسائية.
وقد اشتملت الحكومة على عدد من العناصر الشابة من كلا الجنسين، استجابة لتوجيهات الملك عبدالله الثاني لرئيس الحكومة الرزاز عند تكليفة، بالاهتمام بالشباب، كما تم إشراك شخصيات سياسية معارضة لسياسات الحكومة واتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، أو ما يعرف بـ"اتفاقية وادي عربة"، أبرزهم مثنى غرايبة وزيرا للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي كان من قادة الحراك في الأردن إبان هبة الربيع العربي، ومن الذين تعرضوا للإصابة والضرب في مظاهرة ائتلاف 24 آذار/مارس، الذي تشكل عام 2011 من قبل كافة القوى المعارضة، واتخذ من دوار الداخلية في قلب العاصمة عمان مقرا لتظاهراته.
وطالب الائتلاف حينها بـ"تغيير النهج السياسي والاقتصادي في البلاد ومحاربة الفاسدين".
ويعد مثنى من مؤسسي التيار القومي التقدمي عام 2008، وقبل أن يصبح وزيراً كان ناشطا في "الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير" الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية.
وفي التشكيلة عينت لأول مرة كل من ميري قعوار وزيرة للتخطيط والتعاون الدولي، وهالة زواتي وزيرة للطاقة والثروة المعدنية، وجمانة غنيمات وزيرة دولة لشؤون الإعلام، وبسمة النسور وزيرة للثقافة.
وعادت إلى التشكيلة الحكومية من الحكومة السابقة مجد شويكة وزيرة لتطوير القطاع العام، ولينا عناب وزيرة للسياحة والآثار، وهالة لطوف بسيسو وزيرة للتنمية الاجتماعية.
كما تولى الاقتصادي نائب رئيس الوزراء الأسبق والوزير في عدة حكومات، رجائي المعشر، منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ليتولى بذلك رئاسة الفريق الاقتصادي في الحكومة، والذي تم تغييره بالكامل، باستثناء وزير الدولة لشؤون الاستثمار مهند شحادة.
وضم الفريق الاقتصادي عز الدين كناكرية وزيرا للمالية، والذي كان يشغل سابقا موقع الأمين العام للوزارة قبل أن يعين منذ أقل من شهرين مديرا عاما للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهو الموقع ذاته الذي شغله رئيس الحكومة الحالي الرزاز سابقا.
كذلك تم تعيين المحامي طارق الحموري، ابن المعارض الأردني والوزير الأسبق محمد الحموري، في منصب وزير الصناعة والتجارة.
وحافظ وزير الخارجية أيمن الصفدي على موقعه الذي تولاه في الحكومة السابقة، وكذلك وزير الداخلية سمير مبيضين، الذي يرى البعض أنه نجح أمنيا في إدارة ملف الاحتجاجات التي شهدها الأردن قبل ثلاثة أسابيع، حيث كان يتواجد في الميدان إلى جانب مدراء الأجهزة الأمنية.
ومن أبرز الوزراء الذين كانوا في الحكومة السابقة وحافظوا على مواقعهم في الحكومة الحالية وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية موسى المعايطة، ووزير البلديات والنقل وليد المصري، ووزير العمل سمير مراد، ووزير الصحة محمود الشياب.
وكتلقيد متعارف عليه في تشكيلة الحكومات الأردنية، فقد تم تمثيل كبرى العشائر الأردنية في التشكيلة الوزارية الجديدة، إذ حافظ عوض جراد، الذي يتحدر من عشيرة بني حسن، على موقعه وزيرا للعدل، ومبارك أبو يامين من عشيرة العبادي وزيرا للشؤون القانونية، ونايف الفايز من بني صخر وزيرا للبيئة.
وكان رئيس الوزراء الجديد قد تعهد بسحب قانون الضريبة الذي أحالته الحكومة السابقة إلى مجلس النواب، وبأن يعمل على "فتح حوار معمق" مع كافة القطاعات قبل إقرار القانون الجديد.
وقادت النقابات المهنية في الأردن حراك الشارع بصورة غير مسبوقة إلى أن تم إسقاط الحكومة وأخذ التزام من رئيس الحكومة الجديد بسحب القانون.
تعهد حكومي
إلى ذلك، تعهّدت الحكومة الجديدة بـ"تكريس قيم العدالة والحماية الاجتماعيّة، ومواصلة تحسين مستوى الخدمات، وفقاً للأولويّات الوطنيّة، وبما يجعل المواطن يلمس الأثر الإيجابيّ لها".
وقال الرزاز، في رسالة رفعها إلى العاهل الأردني بعد صدور المرسوم الملكي بالموافقة على تشكيلة الحكومة الجديدة اليوم "إننا ندرك أنّ التحدّي الاقتصادي الذي تواجهه المملكة يعتبر الأهمّ والأبرز على الصعيد المحلّي. وعليه، تتعهّد الحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة وجادّة لمعالجة مشكلة تباطؤ النمو الاقتصادي، وتحسين واقع الاقتصاد الوطني، والسير بخطوات علميّة وعمليّة مدروسة لتحفيزه، ليكون قادراً على المنافسة والنموّ، وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى البحث عن حلول إبداعيّة، وغير تقليديّة، تعالج جميع المعيقات التي تحدُّ من تنافسية اقتصادنا الوطني، بما يمكّنه من استعادة كفاءته ليسهم في تحسين الواقع المعيشي للمواطنين".
وأضاف "ستواصل الحكومة مراجعة الإجراءات التشريعيّة والإداريّة التي تمّ اتخاذها سابقاً لغايات تحفيز الاستثمار المحلّي، وتشجيع المستثمرين الأجانب، كمنح الجنسيّة الأردنيّة للمستثمرين ضمن شروط محدّدة، وإزالة القيود المفروضة عن بعض الجنسيّات المقيّدة لغايات دعم السياحة العلاجيّة، وغيرها من الإجراءات الأخرى".
وفيما يتعلّق بمشروع قانون ضريبة الدخل، قال "إنّ الحكومة ستطلق حواراً وطنياً جاداً وفعّالا، بالتشارك مع مجلس الأمّة بشقّيه: الأعيان والنوّاب، وبمشاركة مختلف مؤسّسات المجتمع المدني، وفي مقدّمتها الأحزاب والنقابات، بهدف الوصول إلى صيغة تراعي مبدأ التصاعديّة الضريبيّة وفق أحكام الدستور، وتحقّق العدالة في العبء الضريبي، وتلبّي متطلّبات النهوض بالاقتصاد الوطني".
وقال إن "الحكومة ستعمل وفق إمكاناتها الماليّة المتاحة، على دراسة منظومة الخدمات المقدّمة للمواطنين، في مجالات التعليم والصحّة والنقل والمياه وغيرها، ووضع آليّات عمل لتحسينها وتطويرها، وفق معايير زمنيّة محدّدة، وبما يمكّن المواطنين من تلمّس الآثار الإيجابيّة لها، وبما يثبت أنّ الأموال الضريبيّة تذهب لخدمة المواطنين ومنفعتهم".
كما تلتزم الحكومة بـ"مواصلة إجراءات الإصلاح الإداري، وتطوير عمل القطاع العام، والارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدّمها جميع المؤسّسات الحكوميّة، بما يسهم في تعزيز كفاءتها وقدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين".
وأكدت الرسالة أن الحكومة ستواصل "السير بإجراءات أتمتة الخدمات الحكوميّة، الذي وجّهتم إليه جلالتكم خلال الفترة الماضية، والعمل على تعزيز منظومة الحكومة الإلكترونيّة، ورفدها بالأدوات والخبرات والكفاءات اللازمة لتفعيلها على أكمل وجه".
وقال الرزاز "إننا ندرك تمام الإدراك حجم التحدّيات التي تواجهها المملكة في ظلّ الظروف الإقليميّة المزمنة التي تمرّ بها المنطقة، كما ندرك مقدار الصعوبات الاقتصاديّة التي واجهها الأردنّ بسبب الأحداث والظروف والفوضى العارمة التي سادت المنطقة خلال السّنوات الماضية، والتي تحمّلنا آثارها الإنسانيّة نيابة عن العالم أجمع بعد أن استقبلنا مئات الآلاف من اللاجئين".
وأشار إلى أن "الأردن تحمّل آثار تلك الأزمة نتيجة إغلاق المنافذ الحدوديّة، الأمر الذي أعاق حركة التبادل التجاري والنقل مع العديد من دول الجوار، ومنها إلى العديد من دول العالم".
وأضاف "وفي مواجهة هذا التحدّي، فإنّ الحكومة ملتزمةٌ بدراسة جميع الخيارات المتاحة للتخفيف من الأثر المباشر لهذه الظروف، بشتّى السُبُل والإمكانات، وبما يراعي متطلّبات أمننا الوطني؛ مع الاستمرار بالبحث عن أسواق بديلة للصادرات الأردنيّة، لتلافي آثار إغلاق الحدود والمنافذ التجاريّة، وبما يسهم في تعزيز عوائد التبادل التجاري التي من شأنها أن ترفد الاقتصاد الوطني".
كما أكد التزام الحكومة بـ"توفير كاملِ الدعمِ والرعاية للقوات المسلحة والأجهزة الامنية، لتبقى على الدوام بأعلى درجات الجاهزيّة والاستعداد في وجه المتربّصين بأمن الوطن واستقراره"، مشددا: "إنّنا ندرك حقّ الإدراك مقدار ما تمثّله القضيّة الفلسطينيّة من أهميّة استراتيجيّة للأردن؛ فهي جوهر القضايا كلّها، ولا يمكن الوصول إلى حلول لقضايا المنطقة دون حلّها؛ وهي رؤيتكم الحكيمة التي ما زلتم تحملونها وتدافعون عنها، وتبذلون من أجلها الغالي والنفيس، وتجوبون العالم أجمع من أجلها، لينعم الأشقّاء الفلسطينيّون بالعدالة والأمن والاستقرار، وليرتفع عن كاهلهم ظلم الاحتلال وقهره".
وتابع "كما أنّ التطوّرات التي شهدتها مدينة القدس أخيراً باتت تشكّل تحدّياً استراتيجيّاً مهمّاً للأردنّ، الذي بذل جهوداً سياسيّة ودبلوماسيّة مضنية، واستطاع أن يحشد دعماً دوليّاً كبيراً ضدّ إعلانها من جانب بعض الدول عاصمة لإسرائيل".
وأكد المتحدث ذاته "التزام الحكومة بمواصلة الجهود السياسيّة والدبلوماسيّة، ودعم خطواتكم البنّاءة، من أجل دعم القضيّة الفلسطينيّة، والحفاظ على الوضع القائم في مدينة القدس، والدفاع عن المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة فيها، بموجب الوصاية الهاشميّة التاريخيّة، وصولاً إلى إحقاق قرارات الشرعيّة الدوليّة بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، وعاصمتها القدس الشرقيّة".
وقال إنّ "الحكومة تتعهّد بتنفيذ أوامركم بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي، والبناء على ما تمّ إنجازه من إجراءات فعليّة في هذا المسار خلال الأعوام الماضية؛ كما تلتزم الحكومة صدعاً بتوجيهاتكم السامية بالعمل على تعميق العلاقة بين المواطن ودولته، من خلال نهج تشاركي مبني على العقد الاجتماعي الذي يرسخ الحقوق والواجبات".
وأبرز أن الحكومة "ستعمل خلال المرحلة المقبلة على إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسيّة، وذلك بالشراكة مع مجلس الأمّة، ومختلف مؤسّسات المجتمع المدني، وستطلق الحكومة حواراً جادّاً وفاعلاً حول ذلك قبل الشروع بالإجراءات الدستوريّة لإقرار التعديلات على تلك التشريعات، مع مراعاة توجيهكم الملكيّ السامي بتعزيز دور الأحزاب في العمليّة السياسيّة".
وستعمل الحكومة، وفق رسالة الرزاز، على "إجراء تقييم شامل لتجربة اللامركزيّة، من أجل الوقوف على الإيجابيّات وتعزيزها، وتجاوز التحدّيات التي تواجه عمل مجالس المحافظات، بهدف تجويد التجربة، وضمان انعكاسها بشكل إيجابي على مستوى الخدمات المقدّمة للمواطنين؛ وبموازاة ذلك ستعمل على تعزيز أطر التواصل مع المجالس البلديّة في مختلف محافظات ومناطق المملكة، ودعمها بما ينعكس إيجاباً على دورها في خدمة المواطن والمجتمع".
إلى ذلك، أكد الرزاز أن الحكومة "تتعهّد بالعمل وفق منهجيّة غير تقليديّة، أساسها العمل الميداني، والتواصل مع المواطنين في جميع محافظات ومناطق المملكة، وفتح آفاق الحوار الوطني البنّاء مع مختلف المؤسّسات الوطنيّة، ومع المواطنين في جميع مواقعهم، حول مختلف القضايا والتحدّيات التي تواجهنا، وفي مقدّمتها التحدّيات الاقتصاديّة؛ فنحن نؤمن أنّ نهج الحوار والتواصل هو الطريق الأمثل لتشخيص المشاكل، ووضع حلول جذريّة لها".