في السياق الممهد، تُستعاد قصة عربية سمجة أشاعتها الأنظمة عن "بيع الفلسطينيين أرضهم" و"تضييع الفرص". فوقوف مندوبي الأنظمة، أمام عدسات الكاميرات أو في الكواليس، إضافة إلى البيانات الصادرة لاحقاً، ووضاعة مكانة بعض الدول العربية الكبرى، يشير بوضوح إلى الأهداف الحقيقية لعملية التصهين التي أُسس لها. بل، الأنكى أن يكون العرب الصارخون عن الفرص الضائعة هم أنفسهم الذين تراجعوا عما قدّموه في قمة بيروت عام 2002، هذا عدا عن قصة "كلٌّ يقلع شوكه بيديه".
بالنسبة للاحتلال، يبدو أن "المخلص" يتمثل في رئيس أرعن كدونالد ترامب، يظن أن العالم شركة يدير فيها صفقات، وهو المعترف بحبه للصفقات. وبالنسبة لعرب، يعيش بعضم وهمَ أن فلسطينياً ما، على الرغم من كل قسوة الحصار والظروف، سيزحف قابلاً بفتات أرضه وحقوقه، هو ذات الوهم الذي مورس مع الراحل ياسر عرفات، ففشل. صحيح أن الواقع العربي اليوم صعب للغاية، ففيما الجامعة الرسمية تبدو كأنها أُذيبت في أسيد منذ زمن، فإن نغمة النشاز ذاتها تستعاد، عبر تحويل الأنظمة القصة إلى "خلاص من صداع القضية"، في تحالفاتهم مع تل أبيب وواشنطن حماية للعروش. لكن، ما لا يحسب حسابه هؤلاء هو ما قالته حرفياً شابة مغربية ولدت بعد أوسلو: كيف يصدق هؤلاء أن ثمة عربياً حقيقياً يمكن أن يتخلى عن القدس؟ ومن أعطى ترامب وغيره حق التقرير عن شعب وأمة؟
هذه أسئلة بسيطة تضاف إلى ميوعة مواقف بعض من اعتبرهم العرب حلفاء، كالموقف الروسي. لكن، إذا ما رُبطت كل الحلقات ببعضها، فسيكون واضحاً مقصد سنوات الثورات المضادة، للاستفراد بفلسطين بعيداً عن عمقها في الشارع العربي. والواقع يقول إن هذا الجمع لم ولن ينجح لا في هذه ولا في تلك، وبالأخص إنهاء مركزية القضية الفلسطينية كعنوان حرية وكرامة لدى شارع بات يؤمن أكثر بفكرة "التآمر" لتهويد فلسطين في 1948. وإذا كان يحسب لمحمود عباس رفضه "صفقة القرن"، عند السقف الذي وضعه ياسر عرفات، فكل الوضع الفلسطيني بات بأمسّ الحاجة ربما لحرث عميق لإنبات وحدة فلسطينية فعلاً وقولاً، تقوم على العودة بالقضية نحو أساسها: تحرر وطني. وذلك لا يتأتى سوى بالكفاح والمقاومة، وليس بالتمنيات أو انتظار ما سيحمله الزمن الآتي.
ومن دون لف ودوران، وتهديد أجوف بحل السلطة وغيرها من الشعارات، يحتاج الفلسطينيون اليوم إلى السؤال الجدي عن منظمة التحرير الفلسطينية، عن حركة تحررهم الوطني بعد كل متاهات "اختبار" كتلاميذ في عرف الحركة الصهيونية والإدارات الأميركية المتعاقبة. ما يعنيه ذلك ببساطة وقفة جدية مع الذات للإجابة عن أسئلة 12 مليون فلسطيني، وما إذا كان الاستعداد قائماً لمواجهة تجسيد دولة الأبرتهايد، ورفض كل طرح عن أوطان بديلة أو مشاريع التخلص من فلسطينيي الداخل لأجل "يهودية" الدولة العنصرية. لا يحتاج الأمر إلى كثير من تعقيدات تُرمى تعجيزاً أو تشتيتاً عن الهدف الأساسي: الحقوق التاريخية والوطنية كاملة وغير منقوصة.