توجه، أمس الخميس، وزير الطيران المصري، شريف فتحي، إلى موسكو، في زيارة مفاجئة لم تكن مجدولة سلفاً، للمشاركة في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين مصر وروسيا بشأن بروتوكول التعاون الحكومي بين البلدين في مجال تأمين وسلامة الملاحة الجوية، والذي كانت الدولتان قد تباحثتا بشأنه، تمهيداً لعودة رحلات الطيران والسياحة للمرة الأولى منذ سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2015. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تحدث عن هذا الأمر، في بيانه الصحافي عقب اجتماعه بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة الإثنين الماضي.
وفيما نقلت وكالة الأنباء الروسية "إيتار تاس" عن وزير النقل، ماكسيم سوكولوف، "توقعه أن يتم التوقيع على البروتوكول في ختام جولة التفاوض الأخيرة في موسكو اليوم"، كشفت مصادر مطلعة في مجلس الوزراء المصري، أن هناك بعض القضايا التي لم يتوافق الطرفان عليها حتى الآن، أبرزها أن روسيا ترغب في أن يكون لها مراقبون أمنيون وملاحون دائمون في المطارات المصرية الأكثر استخداماً بالنسبة للسياحة الروسية، وهي القاهرة وشرم الشيخ والغردقة، لا يختصون بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية وحسب، بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات.
وأوضحت المصادر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حالة من التفاؤل تسيطر على الفريق المصري المسافر إلى موسكو، باحتمال تخفيف الروس من شروطهم، أو تنازلهم عن بعضها، كرد فعل على التجاوب المصري مع متطلباتهم بشأن عقود إنشاء وتنفيذ المحطة النووية في الضبعة، والتي أعلنت القاهرة أنه تم التوقيع عليها رسمياً خلال زيارة بوتين الأخيرة"، مشيرة إلى أن موسكو "وعدت، خلال المباحثات الموسعة بين السيسي وبوتين ووزراء الحكومتين، بإبداء مزيد من المرونة بما يتعلق بشروط عودة السياحة". وأضافت المصادر أنه إلى جانب مشكلة المراقبين الروس، فهناك مشكلة أخرى تتعلق باعتراض مصر على رغبة روسيا بإرسال وفود تفتيش أمني بصورة ربع سنوية للتأكد من سلامة الإجراءات المصرية، الأمر الذي ترى مصر أنه فرض للوصاية الروسية عليها بصورة مبالغ فيها، خصوصاً أنه لم يسبق وأن امتنعت القاهرة عن استقبال وفود التفتيش الروسية للمطارات. وذكرت المصادر أن جولة المفاوضات ستتناول أيضاً فكرة حصول مصر على منح مالية روسية لتطوير البنية الأمنية في بعض المطارات، لا سيما وأن القاهرة سبق وأبلغت موسكو عدم استعدادها لدفع المزيد من المال استجابة لشروط سابقة، اعتبرتها "تعجيزية"، تتمثل في تحديث البنية الأمنية في جميع المطارات المصرية، أسوة بما قامت به في المطارات الرئيسية، كالقاهرة وشرم الشيخ والغردقة وبرج العرب.
وحول الموقف الحالي للتحقيقات القضائية المشتركة في واقعة سقوط الطائرة، قالت المصادر، إن هناك بنوداً في البروتوكول ستتناول طبيعة هذا التعاون والتبادل المعلوماتي بين سلطتي الملاحة الجوية في البلدين. كما ستشهد الفترة المقبلة تبادلاً للزيارات بين المسؤولين القضائيين لحلحلة هذا الملف، إذ ما زالت روسيا تطالب باعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، وما زال لديها شكوك في تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زرع العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.
وكان بوتين في زيارته الأخيرة إلى القاهرة قد وصف ما بذلته حكومة السيسي من جهود في ملف تطوير تأمين المطارات بـ"الضخمة والبارزة"، لكنه اكتفى بإضافة سادس تعهد على لسانه "بأن تعود السياحة في القريب العاجل"، وهي عبارة أصبحت تؤخذ على محمل السخرية، إلى حد تلافي السيسي التطرق إلى هذا الملف في بيانه الرسمي الذي ألقاه خلال المؤتمر الصحافي الإثنين الماضي، والذي ركز فيه على التعاون في مشروع المحطة النووية وزيادة التبادل التجاري والتنسيق السياسي في الملفات الإقليمية، كسورية وليبيا. وتؤمن حكومة السيسي أن تعطيل السياحة الروسية تؤثر بصورة مباشرة على انتعاش السوق السياحية، وتؤثر بصورة غير مباشرة على التفضيلات السياحية للشعوب القريبة من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وهي فئات كانت قد بدأت في التدفق على مصر بين 2009 و2013 نتيجة انخفاض الأسعار في المنتجعات المصرية والانتعاش الاقتصادي لبعض تلك الدول، علماً أن السياحة الروسية كانت تمثل في عام 2015 أكثر من 50 في المائة من إجمالي حركة السياحة الأجنبية.