يأتي ذلك بعد تطورات عدة شهدتها الساحة العراقية السياسية والعسكرية، حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عن تلقيه اتصالاً هاتفياً من نظيره التركي، بن علي يلدريم، أكّد فيه أنّ "أيّ عملية عسكرية لن تتمّ من دون موافقة بغداد"، بينما أعلنت وزارة الدفاع العراقية في بيان لها، عن وصول رئيس أركان الجيش، الفريق الركن عثمان الغانمي، على رأس قوة عسكرية برفقة ضباط كبار إلى مدينة سنجار، لتفقّد قوات الفرقة 15 التي بدأت تتوافد إلى المدينة منذ فجر الثلاثاء.
وعلى ما يبدو، فإنّ بغداد لن تعلن عن كثير من الخطوات التي فرضتها في اليومين الماضيين في سنجار لسبب واحد، هو أنّ ذلك سيكون بمثابة اعتراف ضمني بأن سنجار كانت خارج سيطرتها طيلة الفترة الماضية، وأنّ الضغط التركي هو الذي دفعها لاستعادتها، أو أنّها كانت راضية باستيلاء مليشيا أجنبية على مدينة عراقية.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول عراقي عسكري في نينوى، وعاصمتها الموصل، إن الجيش العراقي "تسلّم معبر خانصور الحدودي مع سورية من مسلحي حزب العمال الكردستاني، وحالياً تتواجد قوات من الجيش والحشد الأيزيدي في المعبر". ويقصد بالحشد الأيزيدي مليشيا "لالش" التي تمّ تدريبها من قبل حزب "العمال الكردستاني"، وانضمت أخيراً إلى قوات "الحشد الشعبي" بموافقة بغداد. وتوجد أيضاً قوات مليشياوية محلية أخرى في سنجار، مثل "إيزيد خان" التي ما زال أمرها غير محسوم، وتعتبرها تركيا جزءاً لا يتجزأ من حزب "العمال الكردستاني".
ووفقاً للمسؤول ذاته، فقد تمّ إنزال صور زعيم "العمال الكردستاني"، عبدالله أوجلان، عن مبانٍ في سنجار، وكذلك إنزال أعلام الحزب من المدينة والقرى المجاورة لها"، لافتاً إلى أنّ "الانسحاب من قبل مسلحي الكردستاني من سنجار يتم بشكل تدريجي، وقد يكون ذلك عائداً إلى الخوف من استهداف الطيران التركي لهم على الحدود العراقية السورية".
وحول التفاهم العراقي التركي حيال الأزمة، أكّد المسؤول أنّ "الحكومة ستتولى إخضاع المدينة لسيطرتها، والتأكّد من مغادرة جميع أفراد حزب العمال من سنجار"، معتبراً أن "المليشيات الأيزيدية الكردية جميعها عراقية، وكان هناك إصرار تركي على طردها، وهو ما رفضته بغداد واعتبرت أنها ملتزمة بطرد غير العراقيين فقط من أراضيها ممن تقول تركيا إنهم يهددون أمنها، وفقاً لمبادئ حسن الجوار".
وختم المسؤول بالقول إن "الأتراك يحاولون الابتزاز أو المقايضة في ملف دجلة والفرات بهذا الملف (حزب العمال الكردستاني)، وحالياً تقوم الحكومة بإنهاء ملف سنجار، وبعدها سيكون هناك حوار حول تواجد مسلحي الحزب في جبل قنديل العراقي وسيدكان وسوران بين دهوك وأربيل العراقية والحدود التركية، وكذلك تواجد الجيش التركي داخل العراق"، مضيفاً أن "هناك ملفات عالقة قد تحتاج في المستقبل إلى تدخل أممي لحلها مع الأتراك".
إلى ذلك، كشف مسؤول عسكري من الفرقة 15 في الجيش العراقي أمس الثلاثاء، أنّ مسلحي الحزب "أخلوا موقعاً لهم في تل البنات جنوبي سنجار، وغادروه مع أسلحتهم". ووفقاً للمسؤول نفسه، فإن نحو 15 مسلحاً من عناصر الحزب نزلوا من على تل البنات (مرتفع جنوبي سنجار) وفككوا موقعاً لهم كان يحوي على أسلحة، موضحاً أنّ سيارات رباعية الدفع كانت بانتظارهم وتوجهوا بعد ذلك إلى طريق الفتحة المؤدي إلى الحدود السورية العراقية، حيث مدينة الحسكة والتي تبعد نحو 80 كيلومتراً عن مدينة سنجار.
من جانبه، قال عضو الحزب الديمقراطي في محور مخمور، فرهاد علي، لـ "العربي الجديد"، إن "جميع الذين انسحبوا من المدينة غادروها باتجاه سورية وهم من الأكراد الأتراك"، موضحاً أنّ "عدداً كبيراً من المسلحين أخذوا عائلاتهم معهم، وهناك من أبقاها في المدينة، والوضع مازال ضبابياً بشأن إجراءات حزب العمال، رغم قيامه بإنزال أعلامه وتفكيك بعض مواقعه في سفح جبل سنجار وتل البنات".
إلى ذلك، أكّدت مصادر محلية داخل سنجار لـ "العربي الجديد"، أن الجيش العراقي الذي وصل إلى المدينة "لا يمكنه التمييز بين السكان المحليين وبين مسلحي العمال، كون اللهجة الكردية المستخدمة متقاربة للغاية بالنسبة لقوات الجيش"، لافتةً إلى أنّ "الاستعانة بمليشيا لالش التابعة للحشد الشعبي، جاءت ضمن جهود بسط السلطة في المدينة، التي تحتاج لأشهر عدة قبل الحديث عن استقرار أو بدء عودة السكان إليها".
وقال قهرمان ششو أحد وجهاء سنجار من الأيزيديين الأكراد، لـ "العربي الجديد"، إن "الجيش العراقي أفضل بكثير لنا من باقي القوات، ولا نريد سوى الاستقرار"، مضيفاً أنّ "الحديث عن عملية تركية دفع بالعشرات من العائلات إلى الفرار من المدينة مجدداً".