وبعد دقائق قليلة من سماع إطلاق نار في محيط دير سانت كاترين، خرج مدير أمن جنوب سيناء، اللواء أحمد طايل، للتأكيد على أن "إطلاق النار في محيط الدير كان عن طريق إطلاق مجند النار بالخطأ". لكن بيان وزارة الداخلية حول إطلاق النار في محيط الدير جاء مخالفاً تماماً لتصريحات مدير أمن جنوب سيناء، مؤكدة أنه "هجوم مسلح من مجهولين"، قبل أن يتبنّى تنظيم "داعش" العملية. وفي سياق تعدد الروايات، أعلن اللواء أحمد طايل أيضاً، عصر أمس، "مقتل المتهم الرئيسي" في الهجوم المسلح على الحاجز، وذلك بعدما لاحقته القوات الأمنية في "المدقّات الجبلية"، واستطاعت تضييق الخناق عليه، قبل محاصرته في منطقة "الأسباعية"، والتي تقع خلف الدير. وبحسب كلام طايل، فإن القوات "حاولت القبض على المتهم حياً، لكنها فوجئت بارتدائه حزامًا ناسفًا وحيازته قنبلة، ما اضطرها إلى التعامل معه وإمطاره بوابل من الأعيرة النارية، حتى سقط قتيلاً". هكذا، يكون طايل قد نقض روايته الأولى بالكامل حول إطلاق النار بالخطأ من قبل مجند.
ويعتبر هذا الهجوم الحادث الأول من نوعه في محافظة جنوب سيناء، منذ تفجير حافلة طابا منتصف فبراير/ شباط 2014، والذي أسفر عن وقوع 4 قتلى، وهم 3 سياح من كوريا الجنوبية وسائق الحافلة المصري، و16 جريحاً. وتبنّاه حينها تنظيم "أنصار بيت المقدس"، والذي تحوّل إلى تنظيم "ولاية سيناء" لاحقاً بعد مبايعته "داعش".
وعلى الرغم من أنه منذ عام 2014، نشطت السياحة الإسرائيلية في مصر، وخصوصاً في جنوب سيناء، فقد كان لافتاً أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت قبل أسبوعين، إغلاق معبر طابا الحدودي مع مصر حتى يوم الثلاثاء 18 إبريل/ نيسان، وهو اليوم الذي حدث فيه الهجوم على دير سانت كاترين، تاريخ انتهاء احتفالات "عيد الفصح" اليهودي.
وذكرت إذاعة الاحتلال الإسرائيلي العامة (رسمية)، أن "الإغلاق جاء بسبب ورود إنذار محدد باحتمال وقوع هجوم يستهدف سياحاً إسرائيليين في سيناء". وتزامن هذا الإغلاق مع تحذيرات بعدم سفر الإسرائيليين إلى سيناء بسبب التوتر الأمني، إثر حادثة تفجير الكنيستين، بل ومطالبة سلطات الاحتلال مواطنيها بمغادرة سيناء فوراً.
وفي دلالات الهجوم من الناحية السياسية أن التنظيم يرغب في إيصال رسالة تفيد بأنه قادر على أن يمدد مساحة عملياته. أما النظام، فتوحي مسارعته إلى إعلان الحسم أنه جاهز لاحتمال اتساع مساحة "الحرب على الإرهاب"، الأمر الذي من شأنه دعم صورته أمام المجتمع الدولي وخصوصاً القيادة الأميركية الجديدة، بأن يواجه إرهاباً يتوسع مع مرور الأيام وبالتالي يحتاج لمساعدة توازي حجم الخطر.
وجاء الهجوم بعد أسبوع من إعلان السيسي حالة الطوارئ في مصر، رداً على الاعتداءات التي استهدفت كنائس في طنطا والإسكندرية، إذ إن الهجوم الجديد جاء قرب دير للمسيحيين، وقبل أيام من زيارة مقررة لبابا الفاتيكان فرانسيس إلى مصر، يومي 28 و29 إبريل/ نيسان الحالي، في زيارة هي الأولى لأعلى سلطة كاثوليكية في العالم منذ عام 2000، أي منذ زيارة يوحنا بولس الثاني.
ومما لا يمكن تهميشه، هو التأثير الاقتصادي للهجوم، بالنظر إلى أن مناطق جنوب سيناء تشهد حركة سياحية تعتبر الكبرى في مصر، لكنها تشهد ركوداً سياحياً منذ تدهور الأوضاع السياسية والأمنية بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، والانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز من العام عينه. مع العلم أن القيادات الأمنية المصرية أكدت على استتباب الأمن في جنوب سيناء طيلة الأشهر الماضية. من هنا، يرجح أن يكون للهجوم هدفان في الرأس المدبّر لتنظيم "داعش"، وهما مواصلة الاعتداء على المسيحيين، تنفيذاً لتهديداته لهم، ثم ضرب السياحة في جنوب سيناء، وهو ما سبق له أن توعد به أيضاً وظهر جليًا في استهداف الطائرة الروسية فوق سيناء، مع استبعاد نقْل محور الصراع المسلح من الشمال إلى الجنوب، لعدم وجود إمكانات حقيقية لذلك، فصلاً عن أن قبائل جنوب سيناء تعتمد بشكل أساسي على السياحة والعملات الأجنبية من السياح، وأي أعمال إرهابية من المرجح أن يقفوا ضدها بقوة.
وتعليقاً على ذلك، رأى خبير عسكري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهجوم لا يعبّر عن حالة دائمة سيعتمدها التنظيم في الفترة المقبلة، بالنظر إلى تركز قوته وعملياته في شمال سيناء، والتي تمثل هدفاً استراتيجياً له بفرض السيطرة الجغرافية والعسكرية هناك". وأوضح الخبير أن "الهجوم لا يتعدى كونه رسالة متعددة الاتجاهات". من جانبه، اعتبر الخبير الأمني، جمال أبو ذكري، أن الهجوم "مجرد محاولة فاشلة لإثارة البلبلة في جنوب سيناء". وقال أبو ذكري، في تصريحات خاصة، إن التنظيم يحاول تخفيف وطأة الهجمات التي يتعرض لها من الجيش والشرطة، ويفتح مجالات أخرى للمواجهة.