وأفاد مصدر في وزارة الخارجية اليمنية طلب عدم ذكر اسمه، "العربي الجديد"، بأن السبب المباشر لصدور الموقف الحكومي الرافض نتائج الاجتماع "رفيع المستوى"، والذي استضافته برلين الأربعاء الماضي، كان تجاهل الحكومة التحضيرات للمؤتمر وحتى الحضور، والأهم من ذلك، هو أن التنسيق للمؤتمر جرى بين الخارجية الألمانية ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في صنعاء، ليز غراندي، ووُجهت الدعوة فيه إلى دول عربية وأجنبية، لتساهم في دعم خطط الأمم المتحدة التي لم يتم التشاور بشأنها مع الحكومة، كما أن المؤتمر يظهر كما لو أن المنظمة الدولية باتت الممثل للشأن اليمني أمام العالم.
وعلى الرغم من أن تغييب الحكومة اليمنية بشكل كلي من المؤتمر، هو الدافع الأبرز وراء الموقف اللافت، والذي لم يسبق أن صدر مثله عن الجانب اليمني، على نحوٍ شكل إحراجاً للجانب الألماني، إلا أن الغضب الحكومي اليمني، جاء كمحصلة لأزمة تعززت مؤشراتها في الآونة الأخيرة، كنتيجة لشعور جانب "الشرعية" اليمنية، بتجاوزه من قبل المنظمة الدولية، الأمر الذي برز خلال اجتماع وزير الخارجية اليمني خالد اليماني الأسبوع الماضي، مع سفراء الدول الـ18 الراعية للتسوية في البلاد، بالعاصمة السعودية الرياض، وخلاله وفقاً لمصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أوصل الوزير اليمني رسائل بتحفظ الحكومة على العديد من المواقف والتحركات الأممية في الآونة الأخيرة، بما في ذلك، ما يعتبره الجانب الحكومي، صمتاً إزاء تهرب جماعة أنصار الله (الحوثيين)، من تنفيذ اتفاق الحديدة.
وعقب الهجوم الذي نفذه الحوثيون قبل أسبوع، واستهدف منصة قاعدة "العند" العسكرية، شمال عدن، وقُتل على أثره، مسؤول على الأقل، هو رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء محمد صالح طماح، شنت الحكومة هجوماً ضد موقف المجتمع الدولي واتهمته بـ"الصمت" تجاه أعمال الحوثيين، وذكرت على نحو خاصٍ الأمم المتحدة، مطالبة إياها باتخاذ موقف من التصعيد الذي يتبناه الحوثيون، كما أعلنت الحكومة مراراً أنها لن تذهب إلى مشاورات جديدة، ما لم ينفذ الحوثيون اتفاق الحديدة.
وفي وقتٍ يثير "التدويل"، في اليمن، حفيظة قطاعات من اليمنيين، ينظر سياسيون ومحللون إلى حالة الضعف التي آلت إليها الحكومة اليمنية، كنتيجة مباشرة، لحربين واجهتهما، الأولى حرب الحوثيين منذ انقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، أما الثانية، فتأتي من الظهر، عبر التحالف السعودي-الإماراتي، والذي ينتهج سياسة واضحة، تُبقي الحكومة اليمنية في حالة من الضعف لا تفرض سيطرتها في المدن الجنوبية والشرقية، كنتيجة لما يعتقد يمنيون أنها أجندة غير معلنة ينفذها التحالف وتتصدر واجهتها الإمارات، لكنها في الوقت ذاته، تتعارض مع وجود حكومة قادرة على فرض سيطرتها على أرض الواقع.
ويزيد من الوضع المأساوي للشرعية اليمنية، أن الرئيس عبدربه منصور هادي وأغلب مستشاريه وكبار المسؤولين لا يزالون يقيمون في العاصمة السعودية الرياض، بعد ما يقرب من أربع سنوات على التدخل العسكري للتحالف وإعلانه عدن "عاصمة مؤقتة"، وسط تسريبات عن أن التحالف مارس ضغطاً مباشراً على الجانب الحكومي للقبول بمسودة الاتفاقات المقدمة خلال المشاورات في السويد، على الرغم من أن ثغرات عدة احتواها الاتفاق، ولم ينص بصراحة على الجهة المفترض أن تتسلم موانئ ومدينة الحديدة، على سبيل المثال، لتظهر الشرعية في نهاية المطاف، مكبلة بواقع الحرب والعجز متعدد الصورة داخلياً من جهة، وبالتحالف الذي يدعي دعمها ويقيدها في الوقت ذاته من جهة أخرى، وبين الفريقين، يراقب مسؤولو الحكومة، تحولات تحدث ومجتمعاً دولياً يوسع من تعامله يوماً بعد يوم، مع سلطة الأمر الواقع الحوثية، ويتعدى ذلك إلى الحضور المباشر، الذي يجعل من وجود حكومة معترف بها دولياً، أمراً ثانوياً، يمكن أن يصبح الوضع بالنسبة إليه أصعب دونما تغييرات تعيد للشرعية ولسلطتها الاعتبار.