نشرت الصحافة الدنماركية أول من أمس، نتائج استطلاع طرح السؤال التالي على تلاميذ مدارس: "هل يجب أن يكون للمسلمين حق في حرية التعبير والرأي؟"، وكانت إجابة نحو نصف المستطلعين لا؛ السؤال نفسه قبل الإجابة يكشف في الواقع عن حجم المأزق الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسكندنافية، ويرتبط بتعمق حالة الشك والريبة داخل مكونات المجتمع، وتحديداً تلك النظرة السلبية للمسلمين والإسلام؛ فحسب السؤال أعلاه، لم تعد حالة الشك والرفض موجهة ضد "المتشددين والمتطرفين".
اقرأ أيضاً: اليسار الدنماركي يحذّر من "هيستيريا" المقترحات الأمنيّة لأحزاب اليمين
ولم يوجه السؤال لسياسيين أو صناع القرار، بل لتلاميذ المدارس في صفوف الثامن والتاسع ضمن استطلاع سنوي قبل بداية العام الدراسي يشمل أسئلة أخرى عن المثلية الجنسية وغيرها لقياس مستوى التسامح بين تلك الفئة العمرية بين 14 و16 سنة.
الجواب ببساطة جاء: 1 من كل 2 في الصف الثامن والتاسع "لا ينبغي أن يكون للمسلمين حق ممارسة حرية الرأي والتعبير".
وطُرح السؤال في يناير/كانون الثاني الماضي، وبقيت نتائجه غير معلنة، ثم أعيد طرحه بعيد انتخابات البرلمان في يونيو/حزيران الماضي.
ورفض حوالي 45 في المائة بداية أن يكون للمسلمين الدنماركيين حق ممارسة حرية التعبير. وفي استطلاع بعيد الانتخابات، جاءت الإجابة بما نسبته 49 في المائة في الاتجاه نفسه.
ونشرت صحيفة "يولاندس بوستن" نتائج الاستطلاع، وهي صحيفة ذات توجه يميني معاد للمهاجرين بحسب وصف مراقبين. وأجرت الاستطلاع مجموعة من الباحثين في كلية العلوم السياسية في جامعة كوبنهاغن، وشارك فيه 75 ألف تلميذ وتلميذة. وعبرت مديرة "المدارس والأهالي" ميتا هاونسن، في تصريحات صحافية، عن صدمتها من تلك النتائج. وقالت إن "هذا أمر مقلق؛ فهؤلاء الذين هم بين 14 و16 عاماً سيصبحون بعد فترة مواطنين بالغين ومشاركين في المجتمع، وهذا شيء خطير يجب أن نأخذه بعين الاعتبار".
وفي تعقيب على تلك النتائج، قال عضو البرلمان الدنماركي نيكولاي فيلموسين لـ "العربي الجديد" إن تلك النتائج "تعبر عن مأزق سياسي واجتماعي نتيجة الخطاب السلبي على مدى سنوات من جهة اليمين الذي لا يرى قيمة لمواطنينا المسلمين. هذا أمر خطير ويجب أن تجري مناقشته لاستخلاص العبر".
من جهتها، اعتبرت المتخصصة في اللغة العربية وشؤون المهاجرين، ماريا سورنسن، أن "هذه النتائج تظهر ما هو أفظع، فحين سئل التلاميذ عن حق المثليين في التعبير عن رأيهم، أجاب 86 في المائة بأنه لا يحق لهم. وفي ما يتعلق بالتلاميذ المسلمين وعموم المواطنين الدنماركيين من أصل مسلم، فهذه النتائج تدل على مدى انحدار المستوى الأخلاقي وفهم الذات بطريقة تقترب من الانغلاق والفاشية في قراءة الإثنيات الأخرى".
لكن في المقابل، وبعد أسبوع من محاولة حرق مسجد الوقف الإسكندنافي في كوبنهاغن، قام مئات الدنماركيين بعد ظهر السبت الماضي بتشكيل سلسلة بشرية أحاطت بالمسجد بمشاركة مواطنين وسياسيين وأعضاء برلمان. وقال رئيس حزب "الراديكال" (يسار وسط) مورتن اُستيرغوورد، إن هذا العمل يثبت بأنه "لا ينبغي التفريق بين دين وآخر، فمثلما أحطنا بالمعبد اليهودي بعد هجوم فبراير/شباط الماضي نعود لنؤكد بأنه من غير المسموح استهداف المواطنين المسلمين".
بدوره، رأى مسؤول المسجد عمران شاه في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "شيء جيد أن يأخذ الدنماركيون مثل هذه المبادرة، ونحن نرحب بكل مبادرة تشير إلى أن المجتمع يرفض انتشار الكراهية وجرائمها". لكن شاه شكك في قدرة مثل تلك المبادرات على تغيير شيء من الواقع "الصعب الذي يعيشه المسلمون في الدنمارك نتيجة سياسات اليمين وتحريضهم الإعلامي الواضح. هؤلاء لديهم مواقف كراهية يجري بثها بشكل جريء أكثر من السنوات الماضية، وهذا أمر مقلق بالفعل ويشكل نموذجا لكثير من الشباب وأفراد المجتمع الحاملين لجهل يحتاج مراجعة حقيقية سياسياً وإعلامياً". ويقرّ شاه أن "الشرطة تعاونت معنا فور وقوع الاعتداء الأسبوع الماضي، وأمنت معظم المساجد في كوبنهاغن، وهذه المبادرة اليوم بإحاطة المسجد ربما تشكل نقطة انطلاق للتفكير الجدي بما تعكسه حالة انفلات التصريحات ذات الطابع الكريه بحق المسلمين وباقي المواطنين من أصول مهاجرة".
اقرأ أيضاً: أوّل مسجد في كوبنهاغن يلقى ترحيباً.. ورفضاً