وقدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لمجلس الأمن الدولي في نيويورك تقريره حول النتائج التي توصل إليها فريق التحقيق الدولي المستقل والذي تم تكليفه بالتحقيق في الهجمات التي استهدفت المراكز الطبية والإنسانية في شمال غرب سورية، وألحق استهدافها أضرارا بالمنشآت والمرافق التابعة للأمم المتحدة أو المدعومة منها، منذ توقيع تركيا وروسيا لمذكرة تفاهم لتثبيت وقف إطلاق النار في الـ 17 من سبتمبر/ أيلول 2018.
وأعد الأمين العام غوتيريس الملخّص مستنداً إلى تقرير داخلي سري من 185 صفحة ومئتي ملحق. وتم تقديم الملخص المؤلف من نحو 20 صفحة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ 15.
وقال غوتيريس في رسالة مصاحبة للتقرير: "أود أن أؤكد في هذا الصدد أن لجنة التحقيق ليست هيئة قضائية ولا محكمة قانونية، فهي لا تقدم نتائج قانونية ولا تنظر في مسائل المسؤولية أو المتطلبات القانونية"،
وأبلغ الأمين العام مجلس الأمن أن النظام السوري أعاق مجهودات لجنة التحقيق التي تم تشكيلها في أغسطس/ آب الماضي، بموجب المادة 97 من ميثاق الأمم المتحدة، للتحقيق بالهجمات، بحيث لم يمنح أعضاء فريق التحقيق تأشيرات دخول لسورية مما أدى إلى زيادة في تعقيد عمل الفريق.
وبهذا الخصوص، أوضح المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، ردا على أسئلة صحفية خلال المؤتمر الصحفي اليومي في نيويورك حول الخطوات القادمة التي ينوي الأمين العام اتخاذها بعد تقديمه التقرير لمجلس الأمن، أن اللجنة أعدت التقرير "من أجل تثبيت الحقائق. ولا يمكن النظر إليه كوثيقة قانونية أو قضائية. إن أحد الأجزاء الرئيسية في التقرير هي فحص الإجراءات الداخلية التي اعتمدتها الأمم المتحدة في هذا السياق".
وأوضح أن غوتيريس سيعين موظفا رفيع المستوى لكي يقوم بمراجعة التقرير والمتابعة من أجل تنفيذ التوصيات. وشدد دوجاريك على أن أهميته تعود لتشكيله آلية داخلية لتقييم أداء المنظمة وعملها في هذا السياق.
وعلى الرغم من ترحيبها المبدئي بالتقرير، عبرت منظمة "هيومان رايتس واتش" عن خيبة أملها من كونه لا يشمل عددا من الأمور الجوهرية. وقالت المنظمة في تصريح أولي "إن رفض الأمين العام في ملخص تقريره تسمية روسيا وبصراحة كطرف مسؤول يعمل إلى جانب الحكومة السورية مخيب للآمال".
وأضافت أن "التوصيات المرفقة تعد ضعيفة في ظل التوصل لنتائج تؤكد أن أغلبية المنشآت، التي يجري التحقيق حولها، تم استهدافها بعد مشاركة إحداثياتها مع الأمم المتحدة".
وشددت على أن "الهجمات واسعة النطاق على المرافق الإنسانية، بما فيها المستشفيات، لا تشكل جرائم حرب محتملة فحسب، بل أدت إلى انخفاض خطير في القدرة على التعامل مع ضحايا فيروس كورونا الجديد، حاليا وفي المستقبل، حيث سجلت بالفعل إصابات في سورية".
وفيما اعتبرت المنظمة التوصيات بأنها سطحية، أكدت بأنها "لا تتعرض إلا إلى تغييرات شكلية لألية خفض التصعيد بدلا من معالجة الاحتمال الحقيقي بأن البيانات التي تم مشاركتها مع الأمم المتحدة لم تستخدم لحماية المستشفيات من الهجمات بل جاءت لمهاجمة المستشفيات".
أما فيما يخص مهام الفريق فيشير التقرير إلى أن من بينها تقييم الأضرار والوفيات والإصابات التي لحقت بسبعة مواقع، من بينها المدرسة الثانوية والمركز الطبي في قلعة المضيق، وهجمات على مركز كفر نبودة للرعاية الصحية ومركز أخر للوحدة الجراحية في نفس البلدة وجميعها بمحافظة حماة. بالإضافة إلى هجمات على مركز ركايا للرعاية الصحية في قرية ركايا سجنة، ومستشفى كفر نبل، وهجوم على مركز حماية الطفل في أريحا، وجميعها في محافظة إدلب.
ويرجح التقرير أن يكون النظام السوري و/ أو حلفاؤه قد استهدفوا هذه المواقع، لكنه استخدم مصطلحات مثل "من المحتمل للغاية" و"من المحتمل" لتحميل تلك الأطراف المسؤولية. ويخلص في عدد من تلك الحالات إلى أن التوصل إلى نتائج قاطعة غير ممكن لأن المعلومات تفتقر لما يكفي من الأدلة. كما لا يسمي التقرير روسيا وغيرها بالاسم ويكتفي بالإشارة إلى "حلفاء الحكومة السورية". وفيما يخص الهجوم على مخيم النيرب الفلسطيني، بالقرب من مطار حلب، والذي أدى إلى مقتل أحد عشر شخصا وإصابة قرابة الثلاثين، فيرجح التقرير أن يكون قد نفذ من قبل "جماعة معارضة مسلحة" أو "هيئة تحرير الشام" والتي يعتبرها مجلس الأمن منظمة إرهابية.
ويشير التقرير إلى أن جميع أطراف النزاع فشلت في الامتثال بالتزاماتها، بحسب القانون الإنساني والقانون الإنساني الدولي، وتجنيب المستشفيات والمنشآت المدنية من هجماتها. وشدد التقرير على أن "التدابير التي تتخذ في عمليات مكافحة الإرهاب يجب أن تكون متسقة ضمن التزامات الأطراف بالقانون الدولي وقانون الدولي الإنساني وحقوق اللاجئين".
ويخلص التقرير إلى عدد من التوصيات من بينها "منح الأمين العام أساسا من أجل النظر بالخطوات المستقبلية التي يجب أن يتخذها لحماية الموارد الإنسانية للمنظمة في الميدان وعلى صعيد أفضل". وأكد غوتيرس في رسالته المرفقة بملخص التقرير على أنه من الضروري أن ينظر للتقرير على أنه "لا يحمل أي تبعات أو نتائج قانونية حيث لم ينظر الفريق في قضية المسؤولية القضائية أو القانونية، كما أن الفريق لم يتمكن من زيارة أي من المواقع المكلف بالنظر حول استهدافها بسبب عدم استجابة الحكومة السورية لطلبات منح التأشيرات بغية القيام بالزيارات الميدانية اللازمة". وتمكن الفريق على الرغم من تلك العراقيل من جمع معلوماته من عدد من المصادر من بينها منظمات الأمم المتحدة المختلفة وشهود عيان ومنظمات غير حكومية، وكذلك صور الأقمار الصناعية وغيرها من المصادر.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 2019 تحقيقاً مطولاً تضمن خصوصاً تسجيلات لطيارين روس، أشار بشكل واضح إلى تورّط روسيا في قصف المستشفيات في سورية. بدورها، نفت موسكو التي تعد الحليف السياسي والعسكري الرئيسي للنظام السوري، أن تكون طائراتها استهدفت مواقع مدنية.