وعلى الرغم من المظلة الجوية لسلاحي الجو الأميركي والفرنسي وباقي دول التحالف الدولي التي تغطي القوات العراقية المشتركة البالغة 71 ألف جندي وعنصر نظامي وشبه نظامي ومليشيات مسلحة وفصائل متطوعين، إلا أن مصادر رفيعة المستوى في بغداد أبلغت "العربي الجديد" أن الحكومة العراقية تتجه لطلب المزيد من الدعم العسكري الدولي للمعركة بسبب تعثرها. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد وعد في كلمه له عشية انطلاق معركة الموصل بتحرير المدينة قبل عيد الميلاد، إلا أن هذا الوعد سرعان ما بدا غير قابل للتحقيق مع صعوبة الأوضاع في المدينة.
عوامل تؤخر الحسم
عزت قيادات عراقية، تحدثت معها "العربي الجديد"، سبب التأخر في حسم المعركة إلى عوامل عدة، أبرزها خطأ التقديرات التي تحدثت عن عدد وقوة عناصر "داعش" في المدينة، وصعوبة القتال في مناطق المدنيين، مع وجود نحو مليون مدني في المدينة وفق تقديرات جديدة، يمنعهم التنظيم من المغادرة، فضلاً عن الطقس الجوي السيئ مع تواصل هطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر وعدم قدرة الجنود على التكيف مع تلك الأجواء الصعبة في الشمال العراقي.
وأوضح مسؤول عراقي في حكومة العبادي أن المعارك مرتبكة بسبب انتحاريي "داعش" والطقس والسكان المكدسين داخل المنازل، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الوضع يحتاج لمزيد من استنزاف قوات داعش قبل التوغل أكثر"، معلناً أن "الحكومة بصدد طلب مزيد من الدعم الأميركي في المعركة بغية تحقيق النصر فيها".
ولفت إلى أن "داعش نجح بتحويل المدينة إلى ثقب أسود لقواتنا من خلال الانسحاب من أحياء ثم معاودة مهاجمتها ليلاً"، مقدّراً خسائر التنظيم "بأكثر من 3 آلاف قتيل منذ بدء المعارك، وخسائر القوات المشتركة بنحو 10 آلاف قتيل وجريح". وحول الضحايا من المدنيين قال: "من المؤكد أن هناك ما لا يقل عن أربعة آلاف مدني قُتلوا وأصيبوا منذ بدء المعارك بسبب القصف أو الاشتباكات أو هجمات داعش الانتحارية والصاروخية".
وحتى الآن تفرض القوات العراقية سيطرتها على الأحياء الشرقية لمدينة الموصل، وأبرزها كوكجلي، وحي السماح، وحي الشيشان، وحي 30 تموز، وحي التحرير، وحي الأمن، ومنطقة بعويزة، والسلام، والقدس، والشقق، وعدن، والبكر، والقادسية الثانية، والمحاربين، والزهور، وحي البريد. إلا أن تلك الأحياء ما تزال تتعرض لقصف شبه يومي من قِبل تنظيم "داعش" بواسطة قذائف الهاون عادة ما يسفر عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين الذين يختبئون داخل منازلهم ولا قدرة لهم على مغادرتها منذ نحو ثلاثة أسابيع.
واقع عسكري مرتبك
منذ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس الأحد، كثّفت الطائرات الأميركية قصفها لمدينة الموصل ولمختلف الأحياء السكنية الخاضعة لـ"داعش" فضلاً عن محيطها، في الوقت الذي قصفت فيه مدفعية الجيش مناطق عدة في المحور الشمالي من المدينة، وشوهدت أعمدة الدخان ترتفع من عشرات المنازل والمباني الحكومية في الأحياء الشمالية والشرقية. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان قيادة القوات العراقية المشتركة عن تفعيلها لجبهة شمال الموصل في محاولة منها لاستعادة السيطرة على الأحياء الشمالية للمدينة، مع مواصلة قوات الجيش العراقي هجومها من محور جنوب شرق الموصل مصحوبة بعمليات قصف مدفعي مكثف طاولت أحياء الوحدة والمزارع.
كما شهدت جبهات القتال حول مدينة الموصل وصول المزيد من التعزيزات العسكرية الآتية من مختلف محافظات العراق الجنوبية والوسطى، من أجل تعزيز مواقع قوات جهاز مكافحة الإرهاب الذي يخوض معارك طاحنة في مناطق شرق الموصل منذ أكثر من خمسين يوماً، تكبّد خلالها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وذلك بحسب ضابط رفيع في قوات التحالف الدولي.
وقال العقيد عبد الرحمن الشاوي من قيادة قوات الشرطة الاتحادية، لـ"العربي الجديد"، إن "الفرقة الخامسة من قوات الشرطة الاتحادية أُرسلت إلى محور شرق الموصل لتعزيز مواقع القوات الأمنية العراقية في المنطقة وإحكام السيطرة على المناطق التي تمت السيطرة عليها بعد الهجمات العديدة التي تعرضت لها القوات الأمنية من عناصر داعش في هذه المناطق". وأضاف الشاوي أن الفرقة الخامسة ستشارك إلى جانب قوات جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الفرقة التاسعة التابعة للجيش العراقي في معارك السيطرة على الأحياء الشرقية والجنوبية الشرقية من مدينة الموصل وذلك ضمن الخطة العسكرية الجديدة التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي.
إلا أن مصادر عسكرية خاصة ذكرت لـ"العربي الجديد" أن تناقص أعداد عناصر قوات جهاز مكافحة الإرهاب والخشية من استنزاف قوتها نتيجة خوضها معارك مستمرة منذ أكثر من خمسين يوماً وتعرضها لخسائر كبيرة في العدة والعدد، دفع القيادات العسكرية العراقية إلى إرسال التعزيزات العسكرية لدعم قوات جهاز مكافحة الإرهاب في مناطق شرق الموصل.
في غضون ذلك، تحاول قوات جهاز مكافحة الإرهاب التقليل من خسائرها من خلال الاعتماد على الغارات الجوية للتحالف الدولي قبل التقدّم إلى أي منطقة جديدة داخل الموصل. وقال العقيد في قوات مكافحة الإرهاب منتظر الساعدي، إن "القوات العراقية بدأت بأسلوب قتالي جديد لحرمان داعش من عامل المناورة والهجوم من خلال الاستعانة بطيران التحالف"، مضيفاً أن "قوات مكافحة الإرهاب تتعرض وبشكل مستمر لهجمات مباغتة في أحياء تمت السيطرة عليها منذ أسبوعين، ونعتقد أن هناك عشرات المقاتلين من تنظيم داعش يختبئون في المنازل والمباني المهجورة في مناطق شرق الموصل ويخرجون ليلاً لمهاجمة القوات الأمنية".
في غضون ذلك، أعلن ضابط في قوات مكافحة الإرهاب، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "ضابطاً برتبة نقيب ومعه أربعة جنود قُتلوا وأصيب آخرون بانفجار منزل مفخخ كانوا يحاولون الدخول إليه في حي النور شرقي الموصل".