واقترح نتنياهو على كيري، كما يذكر الأخير في كتابه، خطوات عملية "لإثبات حُسن النية"، وتحديداً أن تقدم إسرائيل على خطوات على الأرض لمساعدة الفلسطينيين، وتحسين مستوى معيشتهم، مقابل بدء حوار مع السعوديين والدول الخليجية الأخرى، حول عملية السلام بصفة عامة ومبدأ "الأرض مقابل السلام" بشكل خاص.
ويبدو أنّ هذا الطرح من قبل نتنياهو، أكد ما هو مؤكد لدى كيري، حول عدم جدية رئيس الوزراء الإسرائيلي في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين.
وبعدما امتنعت واشنطن عن رفض مشروع قرار بشأن الاستيطان الإسرائيلي تقدّمت به فلسطين لدى مجلس الأمن، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو القرار الذي تبنّته مصر أولاً قبل أن يتراجع عنه رئيسها عبد الفتاح السيسي، بعد مكالمتين من نتنياهو، ودونالد ترامب الفائز لتوه بالانتخابات الرئاسية الأميركية (بدأ مهام منصبه يوم 20 يناير/كانون الثاني 2017)، قرّر كيري طرح مبادرته للسلام، وموقف إدارة الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
وأعلن كيري، خلال خطاب شامل، موقف واشنطن من مستقبل خطة السلام، وطرح مبادئ عامة بشأن ذلك أُطلق عليها "مبادئ كيري"، وذلك على الرغم مما سببته هذه الخطوة من غضب لإسرائيل وفريق إدارة ترامب الجديدة.
ويتذكر كيري لقاء له مع نائبته ويندي شيرمان، داخل مكتبه بوزارة الخارجية، حين حذرته قائلة "ستخسر بعض الأصدقاء"، إلا أنّ كيري لم يبالِ بذلك.
وبالرغم من الطريق المسدود التي بلغتها مساعي السلام في المنطقة، إلا أنّ كيري لم يستسلم. فقد بلور بمساعدة معاونيه وثيقة تضمنت أساسيات استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، على أنّها جزء من مبادرة سلام إقليمية بمشاركة دول عربية. كانت الخطة التي أعدها كيري قريبة جداً من الخطة التي كشف عنها في آخر خطاب له في نهاية 2016، قبيل تنصيب ترامب بثلاثة أسابيع.
وركزت مبادئ كيرى لعملية سلام الشرق الأوسط على بديهيات حل الدولتين، وعلى محورية قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك من خلال:
- إقامة حدود آمنة ومعترف بها من قبل الأسرة الدولية، بين إسرائيل وفلسطين قابلة للاستمرار وذلك عبر التفاوض على أساس حدود 1967 مع عمليات تبادل متساو لأراض يقبل بها الطرفان.
- تحقيق فكرة القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة (الصادر في 1947) بشأن دولتين وشعبين أحدهما يهودي والآخر عربي، مع اعتراف متبادل ومساواة في الحقوق لمواطني كل منهما.
- إيجاد حل عادل ومقبول وعادل وواقعي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بمساعدة دولية، يشمل تعويضاً وخيارات ومساعدة للعثور على مساكن دائمة واعترافاً بالمعاناة وإجراءات أخرى ضرورية ليكون حلاً كاملاً منسجماً مع دولتين للشعبين. وأكد كيري أنّ هذا الحل يجب ألا يؤثر على الطابع الأساسي لإسرائيل.
- إيجاد حل مقبول من الطرفين للقدس كعاصمة معترف بها دولياً للدولتين، وحماية وتأمين حرية الوصول إلى المواقع الدينية.
- تلبية احتياجات إسرائيل في مجال الأمن بشكل مرض وإنهاء كل احتلال بشكل كامل، والعمل في الوقت نفسه على أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها بفاعلية، وأن تتمكّن فلسطين من ضمان أمن شعبها في دولة تتمتع بالسيادة وغير معسكرة.
- إنهاء النزاع وكل المطالب العالقة ليتاح إقامة علاقات طبيعية وتعزيز الأمن الإقليمي للجميع كما هو وارد في مبادرة السلام التي تقدمت بها الدول العربية.
الربيع العربي... خوف على محمد مرسي من القتل
أهمل كيري بصورة واضحة، الحديث عن الربيع العربي على الرغم من وجوده على قمة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، عندما بدأت إرهاصات الحراك في تونس، قبل امتدادها لمصر واليمن وليبيا والبحرين، وغيرها.
وبعد بدء مهامه بمنصبه كوزير للخارجية، واجه كيري أزمة تدخل الجيش في العملية السياسية والانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي. ويشير كيري إلى قضائه أوقاتاً طويلة على الهاتف قبل وأثناء انقلاب عام 2013، والذي انتهى باعتقال الجيش المصري للرئيس الأول المنتخب بحرية في تاريخ مصر.
ويستذكر كيري مكالماته مع زعماء خليجيين ممن سعوا، طبقاً لما يذكره في كتابه، للحصول على نفوذ داخل مصر، ولم يهتموا باستقرارها.
يقول كيري في كتابه "خفت على محمد مرسي من القتل، وهو ما كان ليؤدي لعنف واسع وحمامات دماء في القاهرة وفوضى لا نريدها. كنا نريد الاستقرار والسيطرة على الأحداث لمنعها من الانفجار، إلا أنّ مرسي قُبض عليه في النهاية وأصبح تحت عهدة الجيش المصري".
محاضرة من بوتين
يشير كيري إلى أنّ فشل الربيع العربي، وإخفاق محاولات التحول الديمقراطي، دعما نظام الأسد في سورية، وحليفيه الروسي والإيراني.
يتذكر كيرى تفاصيل لقاء جمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتصف مايو/أيار 2013، عندما طلب منه أوباما التوجّه لإبلاغ موسكو أنّ واشنطن لديها الأدلة المؤكدة على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية.
وشنّ بوتين هجوماً حاداً على سياسات واشنطن المؤيدة للربيع العربي، و"تخلّيها عن دعم نظم مستبدة لكن يمكن الاعتماد عليها؛ كما الحال مع مصر أو ليبيا". وحذر بوتين من تصاعد القوى الراديكالية عقب سقوط نظام معمر القذافي، ورأى أنّه "من الخطأ إسقاط نظام حكم قوي بدون وجود خطة أو بديل واضح".
عدم رضى عن تردد أوباما بشأن سورية
اعتقد كيري أنّ أوباما سيفي بوعده، بعدما تخطّى نظام الأسد في سورية الخطوط الحمراء، والتي تمثّلت في إقدامه على استخدام أسلحة كيميائية. ويقول كيري إنّه انتقد موقف الإدارة التي أكدت، مراراً قبل ذلك، ألا مستقبل لنظام الأسد، وشددت على ضرورة رحيله عن المشهد السياسي في سورية.
وتحدّث كيري عن الانقسام داخل دائرة صنع القرار المحيطة بأوباما، فبينما دعم هو فكرة عقاب نظام الأسد، رأى دينيس ماكدو كبير موظفي البيت الأبيض المقرّب من أوباما، أنّه لا توجد مصلحة أميركية من وزراء توجيه مثل هذه الضربة.
إيران ومغامرة الاتفاق النووي
يخصص كيري فصلاً كاملاً في كتابه، للحديث عن مساعيه الدبلوماسية للتوصل لاتفاق حول الملف النووي مع إيران عام 2015.
وكتب تفصيلاً عن تأثير وصول الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لسدة الحكم في طهران، منتصف عام 2013 معتمداً على خطاب انتخابي يتعهّد فيه بإصلاح علاقات بلاده مع الغرب، وأميركا تحديداً.
ويذكر كيري أنّ روحاني اتخذ "قرارات مشجعة" على رأسها اختياره لمحمد جواد ظريف وزيراً للخارجية، وهو الدبلوماسي المحنك الذي قضى عشرة أعوام في بعثة إيران في الأمم المتحدة، والذي يجيد الإنكليزية ويعرف جيداً الثقافة الأميركية.
ويقول إنّ اختيار علي صالحي ليرأس البرنامج النووي الإيراني، كان "إشارة إيجابية" أخرى صدرت من طهران.
ويفصّل كيري، في كتابه، جهود إدارة أوباما للتوصّل للاتفاق، ومواجهة اللوبي المناوئ "منظمة آيباك" التي دعمها نتنياهو، وعواصم خليجية.
يُذكر أنّ كيري، يعرض في كتابه "كل يوم هو إضافي" عبر 622 صفحة، مذكراته الخاصة التي تتناول حياته الشخصية وطفولته وشبابه، منذ مولده عام 1943، وصولًا إلى نهاية خدمته العامة وزيراً للخارجية الأميركية عام 2017.