قبيل إعلان التحالف بقيادة السعودية مساء أمس الإثنين، عن استجابة الحكومة اليمنية والانفصاليين المدعومين إماراتياً لطلبه بوقف إطلاق النار والتصعيد العسكري، والاتفاق على عقد اجتماع في المملكة للمضي قدماً في تنفيذ اتفاق الرياض، كانت ملامح انقلاب جديد تلوح في الأفق بمحافظة حضرموت النفطية، التي حشد فيها "المجلس الانتقالي الجنوبي" أنصاره أمام مقر المحافظ، أمس الإثنين، في سيناريو مشابه لانقلابات صنعاء وسقطرى التي انطلقت سلمية وانتهت باجتياح مسلح. وبعد 4 أيام من انقلاب سقطرى، بدت الحكومة اليمنية المعترف بها في مأزق حقيقي، فردود الفعل لم تتجاوز بيانات الإدانة ووصف ما حدث بأنه انقلاب مكتمل الأركان واعتداء غاشم، والتلويح باتخاذ الدولة لكل الوسائل القانونية في استعادة القرار، لكنها بدلاً من استعادة سقطرى بدت في طريقها لفقدان حضرموت ومن بعدها المهرة، وفقاً لما يظهر من خطط يرسمها "الانتقالي".
وخلافاً للشعارات المرفوعة في سقطرى، والتي كانت تتهم المحافظ رمزي محروس بـ"الأخونة" وتطالب برحيل سلطة "الإخوان"، في إشارة لحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، رفع "المجلس الانتقالي" سقف مطالبه في حضرموت، وطالب برحيل الشرعية على الفور، بعد عجزه عن اتهام محافظها الجنرال فرج البحسني بالانتماء لـ"الإخوان". وكان الهدف السابق لـ"الانتقالي" من اجتياح حضرموت، هو طرد القوات التابعة للشرعية المرابطة في المنطقة العسكرية الأولى بسيئون، والتي تتحدر غالبيتها من محافظات شمالية، لكن "الإدارة الذاتية" فتحت شهية الانفصاليين على ثروة المحافظة. وكتب عضو رئاسة المجلس الموجود حالياً في الرياض، علي الكثيري، على "تويتر": "حضرموت أولى بالاستفادة من عائدات ثرواتها ومواردها وآن الأوان لامتلاك أبنائها حق إدارتها... كفى نهباً وكفى حرماناً... حضرموت الجنوب والجنوب حضرموت".
وفي حال توجه الأوضاع للتصعيد العسكري، لا يبدو أن الشرعية ستكون فاقدة الحيلة في حضرموت كما كان الحال في سقطرى الواقعة على جزيرة في المحيط الهندي، فالمنطقة العسكرية الأولى تضم قوة ضاربة لم تشارك بالمعارك منذ اندلاع الحرب قبل 5 سنوات، كما أن لدى الشرعية خطوط إمداد إلى المكلا من شبوة وربما مأرب. وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن خط الدفاع الأول عن حضرموت سيكون بعودة الحكومة فقط لممارسة مهامها من سيئون، ولكن بما أن الانقلابات تتم بضوء أخضر سعودي، فلا يمكن أن تسمح الرياض بعودتها وستجعلها رهينة حتى ترضخ للشروط التعسفية في تطبيق الاتفاق المحُسّن والقبول بحكومة مناصفة مع "المجلس الانتقالي". وأضاف المصدر أن خيارات الشرعية محدودة، وخصوصاً مع تنامي الرفض من داخلها لما يحدث، وتلويح وزير الخارجية محمد الحضرمي بالاستقالة، بعد استقالة وزير الصناعة والتجارة محمد الميتمي، احتجاجاً على قيام دول إقليمية، بعضها في التحالف، برعاية الانقلابات وتجزئة اليمن واقتطاع أراضيه وجزره.
واعتبر الباحث اليمني عبد الناصر المودع أن "هادي بسلطته المهترئة لا يمكنه اتخاذ خطوات قوية في مواجهة السعودية، وكل ما يمكنه فعله هو المناورة والمراوغة في تطبيق اتفاق الرياض الذي هو في الأصل اتفاق سيئ من حيث الإخراج والنتائج". وقال المودع، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "هادي والكثير من أطراف سلطته لم يكونوا راضين عن اتفاق الرياض منذ البداية لأنه عملياً سيقلص صلاحيات الرئيس ونائبه علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح، ومعظم الوزراء لن يكونوا جزءاً من الحكومة المقترحة وفق الاتفاق، ولهذا فإنهم جميعاً لم يسعوا لتطبيق الاتفاق لا سيما في الشق المتعلق بتشكيل الحكومة، كما أنهم يتمنون ألا يُطبّق أو يتم تأخير تطبيقه وتغيير بعض بنوده بما يضمن مصالحهم الخاصة".
ورأى المودع أن السعودية تقف وراء الانقلابات الجديدة، وهي دفعت بـ"الانتقالي" لحجز أموال البنك المركزي في عدن، والسيطرة على سقطرى للضغط على هادي للقبول بتشكيل حكومة، لكنها بهذه الخطوات قامت بإضافة تعقيدات جديدة إلى المشهد المعقد أصلاً. وأضاف أن الإمارات ساهمت في الخطوات الأخيرة بالتنسيق مع السعودية ووكلائها في "المجلس الانتقالي"، فالكثير مما حصل يصب في مصلحتها.
ووفقاً لمراقبين، فإن على هادي اتخاذ خطوات غير متوقعة تقلب الطاولة على "الانتقالي" والسعودية، من قبيل تلك التي اتخذها في صنعاء، أواخر يناير/ كانون الثاني 2015، وذلك عندما رفض مطالب الحوثيين بتعيين صالح الصماد نائباً له كامل الصلاحيات، وقام حينها بإعلان استقالة مفاجئة خلطت الأوراق، وجعلت الحوثيين يقعون في مأزق، لافتين إلى أن ردة الفعل الجديدة التي ستتصدى لكل مشاريع الانقلاب الحاصلة هي اللجوء للأمم المتحدة للبحث عن سلام دائم لليمن، بعيداً عن التحالف.