يسجل لليسار الفرنسي، والحزب الاشتراكي خصوصاً، الفضل في ابتكار فكرة الانتخابات الداخلية التمهيدية، أي "اقتراع المواطَنة"، داخل الحزب لاختيار الشخصية السياسية الأفضل والأكثر حظاً لتمثيله في الانتخابات الرئاسية. وقد جرت هذه الانتخابات الداخلية، لأول مرة، يومي 9 و16 أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، وهي التي أفرزت فرانسوا هولاند مرشحاً وحيداً للحزب الاشتراكي سنة 2012. وكان يكفي، حينها، للناخب الفرنسي أن يكون مسجلاً في القوائم الانتخابية، ويُوقّع على نصّ الانتماء إلى "قِيَم اليسار" ويدفع يورو واحداً، حتى يشارك في الاقتراع.
وها هو اليمين الفرنسي، ممثلاً في حزب "الجمهوريون" يتلقف الفكرة الاشتراكية ويتبناها في ظل غياب مرشح طبيعي للحزب، أو غياب "تماهٍ رفيع بين القائد السياسيّ والشعب"، وفق تصور شارل ديغول. وقد بدأت الحملة الانتخابية بين ممثلي اليمين الفرنسي لاختيار مرشح اليمين والوسط لرئاسيات 2017، يكون قادراً على التنافس مع مرشحين قادمين من اليسار والتيار البيئي (أحزاب الخضر) وأيضاً من اليمين المتطرف. وقد أصبحت معايير التصويت معروفة لدى كل الناخبين الفرنسيين، حيث إنه باستطاعة كل مواطن فرنسي، سواء كان ينتمي لليسار أو اليمين، ومسجل في اللوائح الانتخابية، بعد دفعه مبلغ 2 يورو، وتوقيعه على "ميثاق التناوب" الذي يذكّر بأن الناخب "يتقاسم قيَم اليمين الجمهوري والوسط" في أفق الوصول إلى "التناوب السياسي من أجل إنجاح نهوض فرنسا"، أن يشارك في هذا الاقتراع ويختار مرشحه في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وفي 27 نوفمبر إذا لم يحسم الأمر في الدورة الأولى.
وفي ما يخص موقف اليسار الفرنسي من رئاسيات 2017، فالأمر ليس بالهيّن. إذ ستشهد فرنسا، لأول مرة في تاريخها، تبارياً محتملاً للرئيس مع مرشحين آخرين من حزبه، لتحديد من سيمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية. إذ لم يعد هولاند، الذي لم يعلن، حتى الآن، عن ترشحه، "مرشحاً طبيعيا"، كما كان يأمل هو وبعض مناصريه، وكما كان الحال عليه من قبل، مع كل الرؤساء السابقين للجمهورية. ولأن الوقت يمر، ولأن الاشتراكيين لا يريدون أن يحتكر اليمين المشهد السياسي وحده، فقد حددوا يومي 22 و29 يناير/كانون الثاني 2017 موعدين للدورتين الانتخابيتين، وهو ما يتطلب التعرف إلى المرشحين في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2016. وسيكون باستطاعة أي مرشح من "التحالف الشعبي الكبير" (أي الحزب الاشتراكي والبيئيين والحزب الراديكالي اليساري) أن يشارك في هذا الاستحقاق. ويشترط على أي مرشح أن يحظى بدعم 5 في المائة من البرلمانيين الاشتراكيين أو 5 في المائة من أعضاء المجلس الوطني للحزب.
ويلعب التمويل دوراً رئيساً في احتقان الأمور لدى مرشحي الحزب الاشتراكي، فمونتبورغ يطالب بمبلغ 100 ألف يورو، في حين أن الحزب لا يقترح أكثر من 50 ألف يورو، لأي مرشح. وتجدر الإشارة إلى أن حزب "الجمهوريون" لم يمنح أي مساعدة مالية لأي من مرشحيه. ويعوّل الحزب الاشتراكي على استعادة هذه الأموال من خلال فرض مبلغ يورو واحد على كل من يشارك في انتخابات الحزب الاشتراكي الداخلية.