ميركل في وضع صعب: عوالم منفصلة تعتري "تحالف جامايكا"

27 سبتمبر 2017
أمام ميركل مهمة التغلب على الخلافات (أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن توزّعت أصوات الناخبين على ستة أحزاب في الانتخابات التشريعية الألمانية العامة، وسُجّل تراجع لنسبة مؤيدي الحزبين التقليديين، "الاتحاد المسيحي" و"الاشتراكي الديمقراطي"، الذي قرر العزوف عن السلطة والانتقال إلى المعارضة، اضطرت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، اللجوء إلى خيار وحيد، وهو التحالف مع حزبين صغيرين هما "الليبرالي الحر" و"الخضر"، لكونه من الطبيعي ألا تلجأ إلى التحالف مع حزب "اليسار" و"البديل" اليميني الشعبوي لعدة اعتبارات. إلا أن التحالف في الحكومة المقبلة بين "الاتحاد المسيحي" و"الليبرالي الحر" و"الخضر"، تواجهه كثير من العقبات والصعوبات، في ظل التباعد في العديد من الملفات، بينها اللاجئون والمناخ والأوضاع بين دول الاتحاد الأوروبي.

انطلاقاً من هذا الواقع، لا يبدو أن المفاوضات بين الأطراف الثلاثة المعنية ستكون سهلة، وهناك كثير من التناقضات التي تعتري العلاقة بين حزب ميركل و"الليبرالي الحر" و"الخضر"، مع الرسائل التي يحاول الحزبان تمريرها للمستشارة، وهي أنهما ليسا مجبرين على المشاركة في تشكيل الحكومة، وهو ما جاء بصريح العبارة على لسان زعيم الحزب "الليبرالي الحر" كريستيان ليندنر. فيما قال أحد زعيمي "الخضر" جيم ازمير، إن ذلك مرهون بالمحتوى، وإن تنفيذ أهداف المرء ستحدد الائتلاف، ما يؤشر إلى عدم اتخاذ الطرفين قراراً نهائياً حول المشاركة في الحكومة من عدمها. وكانت ميركل قالت، إن هناك محادثات مع كل الأطراف بينها الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، ثاني أكبر حزب، وشريك ميركل في الائتلاف الحالي، وهو ما يبدو محاولة منها لتخفيف الضغط عنها من قبل الأحزاب المعنية بـ"تحالف جامايكا"، أي "الليبرالي الحر" و"الخضر"، ولعدم تعرضها للابتزاز السياسي من قبلهما، على الرغم من علمها أن خيار "الاشتراكي الديمقراطي" بالانتقال إلى صفوف المعارضة بات أمراً واقعاً.

وأظهرت البرامج الانتخابية والتصريحات، أن هناك انقسامات جذرية بين "الليبراليين" و"الخضر"، وهناك عوالم منفصلة في بعض جوانب السياسة بين الحزبين، خصوصاً في ملفات البيئة والمناخ. وطالب "الخضر" في حملته الانتخابية بالاستغناء عما يسمى "المولدات عن طريق الحرق". كما أن هناك نزاعاً حول الفحم البني، ويُطالب "الخضر" باستنفاده بحلول العام 2030، في حين يعتبره الحزب "الليبرالي الحر" أحد مصادر الطاقة التي لا يمكن الاستغناء عنها. بينما يعتبر حزب المستشارة أنه من الممكن وحتى العام 2020 اتخاذ تدابير لتخفيض الغازات الدفيئة، هذا إضافة إلى أن "الليبرالي" يريد أن يوضح موقفه من الدول المغاربية واعتبارها آمنة، وهو ما يرفضه بشدة حزب "الخضر".

كذلك، يجد "الخضر" أنه من الضروري زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع، فيما يعتبر "الاتحاد المسيحي" و"الليبرالي الحر" أنه يجب تخفيف العبء الضريبي عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة من دون الزيادة على الأغنياء. وفي الملف الاجتماعي، يدعو "الخضر" إلى ضمان صناديق المعاشات التقاعدية والتأمين الصحي، الأمر الذي يرفضه "الاتحاد المسيحي" و"الليبرالي الحر". وفي الشأن الأوروبي هناك اختلاف في القراءة المستقبلية، إذ يعتبر "الليبرالي الحر" أن طروحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بإنشاء أسرة أوروبية مشتركة يُعمّق الهوة بين الأوروبيين ولن يوافق عليها أبداً، فيما "المسيحي الديمقراطي" و"الخضر" يتصوران أن الأمر ممكن.


ولا ينفي مراقبون أهمية أن تعمل ميركل للتغلب على الاختلافات بين أربعة شركاء، إذا ما أخذت بعين الاعتبار مواقف الحزب الشقيق لحزب ميركل "الاجتماعي المسيحي"، خصوصاً مع "الخضر" لأن هناك معارضة طبيعية بين الطرفين وتحديداً في ملف الهجرة، وهذا يمكن أن يتفاقم بسبب انحسار الحزب "الاجتماعي" في معقله في ميونخ وحيث تدنت نسبته إلى 38 في المائة. علماً أن هناك اتفاقاً بين جميع الأطراف على بعض الملفات ومنها في مجال التعليم والحريات المدنية والاستثمار وتوسيع شبكة الألياف الضوئية والأمن الداخلي وزيادة عديد عناصر الشرطة.

كل هذا دفع بنائب رئيس الحزب "الليبرالي الحر"، فولفغانغ كوبيكي، للقول في حديث صحافي إن الاختلافات بين البرامج كبيرة وعلى الجميع تقديم تنازلات ومنها في قانون الهجرة وتسريع الرقمنة. من جهته، قال ممثل حزب "الخضر" ونائب رئيس حكومة ولاية شليسفيغ هولشتاين، وزير البيئة روبرت هابيك: "علينا أن نفاوض بثقة". فيما اعتبر مسؤولون من الحزب نفسه أنه يجب أن تكون هناك خطوط عريضة واضحة، والمطلوب فهم نقاط الاعتراض عند الجانب الآخر. بينما أعرب نائب رئيس "المسيحي الديمقراطي" فولكر بوفييه في حديث لشبكة التحرير الألمانية عن موقفه، قائلاً للشركاء المحتملين إن "تحالف جامايكا لا يعمل إلا إذا كان قوياً، الاتحاد هو العنصر الحاسم".

من جهة أخرى، لا تزال محاولة تودّد "الاتحاد المسيحي" بزعامة ميركل إلى "الاشتراكي الديمقراطي"، وحض مسؤولون في حزب ميركل، "الاشتراكي" للنظر مجدداً في قراره الانتقال إلى المعارضة، موضع استغراب، وهو ما يرى فيه مراقبون دليلاً على أن "الاتحاد المسيحي" يشعر بالاستقرار والأمان والتجانس أكثر مع "الاشتراكي"، لا سيما أن الأخير يشارك في 11 من حكومات الولايات الست عشرة، 7 منها يترأس فيها الحزب الحكومة. إضافة إلى أن هناك توافقاً في العديد من الملفات الأساسية التي تهم البلاد بالمقارنة مع التحالف الجامايكي. إلا أنه يبقى مستبعداً أن يعود "الاشتراكي" عن قراره، ولو قدّمت ميركل الكثير من التنازلات له، إلا إذا كان لدى "الاشتراكي" اعتبارات أخرى ومنها بقاؤه خارج السلطة لفترة طويلة أو مساهمته في الحد من التمدد اليميني المتطرف في البلاد، وإضعاف المعارضة في البرلمان، في ظل ما يبدو واضحاً من أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" المعارض بدأ يعد العدة للمواجهة مع ميركل. وعليه، فان العامل الحاسم لنجاح "تحالف جامايكا"، هو أن يحقق كل طرف جزءاً من طروحاته المهمة وأن يتخذ قراره بشأن الائتلاف المقبل، وأن تكون الأطراف الثلاثة مقتنعة بإمكانية تحقيق ذلك، مع التزام راسخ في التعامل في ما بينها، وإلا سيكون هناك فشل.