في جنح الظلام، وكأن البيت الأبيض لا يعمل إلا خلال ساعات الدوام الرسمي نهاراً، تسلل مرتزقة "فاغنر" من مسارب حدود ليبيا المفتوحة، ليصلوا إلى الساعدية وعين زاره ووادي الربيع، ثم زادوا تواجدهم في أهم قواعد ليبيا، في الوطية والجفرة، بل ويحتاج البيت الأبيض إلى تحقيقٍ طويل، بعدما مرّ على الإعلان عن إسقاط طائرته المسيرة في سماء طرابلس حتى الآن سبعة أيام، ولم يكتشف بعد حقيقة من أسقطها!
وعلى عكس ما يظن المتابع من الخارج لمستجدات الأمر في ليبيا، فأول حرب خاضتها واشنطن خارج حدودها كانت في طرابلس عام 1930، ولا يزال نشيد البحرية الأميركية يصدح بها، وشاركت قواتها في هزيمة جيوش المحور وطرد الإيطاليين من ليبيا، وكانت شركاتها النفطية صاحبة اليد الطولى في الضغط على ملك ليبيا لإلغاء الفدرالية في البلاد وتوحيدها، ومن ثم أسست أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة "هويلس" سابقاً، "أمعيتيقة" حالياً، حتى عام 1973. وإثر سقوط نظام معمر القذافي، عاد التواجد العسكري الأميركي مجدداً ليكشف عن نفسه بأنباء إجلاء قواته من قاعدة في جنزور غرب طرابلس إثر إطلاق حفتر عدوانه على طرابلس في إبريل/نيسان الماضي.
ومع كل هذا، فإن ليبيا ليست ملفاً ذا أولوية بالنسبة لأميركا، حتى ولو كانت أوامرها المباشرة لإرغام حفتر على التراجع عن إنتاج وبيع النفط لمؤسسة نفط موازية في بنغازي صدرت في ذات اليوم الذي ولد فيه قرار الإنتاج والبيع في يونيو/حزيران من العام الماضي، وحتى مع إلقائها القبض على شخصيات ليبية، لم يسمع بها حتى رئيس حكومة الوفاق فايز السراج نفسه، داخل أزقة ضيقة في بنغازي وطرابلس على صلة بمقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز عام 2012 في بنغازي، وحتى مع استهدافها منازل في حي مدني في أوباري، جنوب البلاد، فوجئ سكانه بأنها كانت تحوي اجتماعات مهمة لقادة تنظيمي "القاعدة" و"داعش".
الحقيقة تبدو عكس كل ذلك. فليبيا رقم مهم في معادلة التحولات الحالية في الشرق الأوسط، وكما كانت حاضرةً في حملة انتخابات دونالد ترامب السابقة، يبدو أنها ستكون ملفاً مهماً في حملته للانتخابات المقبلة، وكذلك لمنافسيه الساعين لدخول البيت الأبيض.