لطالما وضع السياسي المصري، محمد البرادعي، الشروط للمشاركة في أي حدث أو استحقاق سياسي في مصر، منذ انتهاء مهامه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن بدا وكأن جميع هذه الشروط قد تلاشت عقب تظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، بعدما أيّد الاطاحة بأول رئيس مدني منتخب، محمد مرسي، في الثالث من يوليو/ تموز. وعاد ليوافق بعد ستة أيام من الانقلاب، على تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية. وكانت حركات سياسية وأحزاب عدة قد فوّضته، عقب تظاهرات 30 يونيو، التي كان من أهم مطالبها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ليتفاوض بشأن "خريطة الطريق" مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رغم أن هؤلاء كانوا، حتى الأمس القريب، يهتفون ضده: "يسقط حكم العسكر".
لم يستمر البرادعي في منصبه الجديد لأكثر من أسابيع، إذ سرعان ما أعلن استقالته على خلفية مجزرة فض اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة. استقال البرادعي وهو يرى أن العام الذي حكم فيه مرسي، كان من أسوأ الأعوام التي مرّت على مصر.
وكان ممّا قاله في نص استقالته: "كنتُ أرى أن هناك بدائل سلمية لفضّ هذا الاشتباك المجتمعي، وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني. ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه".
عقب استقالته، تخلّت عنه "جبهة الإنقاذ"، التي كان أحد أعضائها. كما تخلت عنه أغلب الأحزاب التي دعمته. واعتبرت حركة "تمرد"، التي كان البرادعي أحد داعميها ووقع على بيانها، أن استقالته هي "هروب وتجميل لصورته الخارجية".
عاد البرادعي مجدداً من حيثما جاء، الى فيينا، يوم 18 أغسطس/ آب، لتنقطع تغريداته على "تويتر" تارة، وتظهر تارة أخرى، في ظل انقسام حول أداء البرادعي في الشأن المصري.
ترشحّ … فانسحاب
في العام 2009، سارعت مجموعات من الشباب إلى إصدار توكيلات للبرادعي لتعديل الدستور، بينما كانت الأحزاب المصرية تتنافس يومها لدعوته للانضمام إليها والترشح للرئاسة باسمها، ولكن بدأ الرجل في إعلان شروطه مبكراً، ورأى أنه "لا بد من وجود ضمانات بأن الانتخابات المقررة في 2011، سيتم إجراؤها بشكل سليم".
وبعدها، استعدت حركة "شباب 6 إبريل"، و"مصريون ضد التوريث" و"الحملة المستقلة لدعم البرادعي"، لاستقباله في فبراير/ شباط 2010 في مطار القاهرة لدى عودته من فيينا، وسط هتافات مئات الشباب الذين كانوا في انتظاره يرددون: "مفيش رجوع يا برادعي". وقال بعدها خلال ظهوره في إحدى الفضائيات المصرية: "إذا كان الشعب المصري يرى أني وسيلة للتغيير، فلن أخذل الشعب المصري".
وترافق ذلك مع تشكيل "الجمعية الوطنية للتغيير"، التي ضمت كافة القوى السياسية برئاسته، بهدف "إصلاح سياسي ودستوري لتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية على أن تضم كافة القوى السياسية".
حصل ذلك في منزل البرادعي بتاريخ 24 فبراير 2010، لتلتقط الصورة الشهيرة التي تضم البرادعي وإلى جواره رئيس كتلة "الإخوان المسلمين" البرلمانية حينها، سعد الكتاتني، أول رئيس مجلس شعب عقب الثورة والمعتقل حالياً، ومؤسس حزب "الغد"، أيمن نور، فضلاً عن القيادي في حزب الوسط تحت التأسيس حينها، عصام سلطان، المعتقل حالياً، مع مختلف رموز القوى السياسية.
في ديسمبر/ كانون الأول 2010، دعا البرادعي إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 2011، وسافر بعدها ليعود إلى مصر عقب 25 يناير/ كانون الثاني 2011 بيومين فقط، ليشارك في مسيرة حاشدة إلى ميدان التحرير يوم "جمعة الغضب" 28 يناير.
لم يتردد في مطالبة الجيش بـ"التدخل الفوري لإنقاذ مصر"، معتبراً أن "مصداقية الجيش على المحك"، وذلك قبيل يوم واحد من تنحي حسني مبارك عن الحكم، ليحذّر بعدها، من تنظيم انتخابات مبكرة فى مصر، لأن ذلك "يمكن أن يعطي الفرصة لأنصار النظام السابق والقضاء على مكتسبات الثورة"، على حد تعبير إحدى تغريداته على موقع "تويتر".
كان البرادعي يرى، في 4 مارس/ آذار 2011، أن الأنسب لمصر هو "دستور مؤقت، فجمعية تأسيسية لدستور جديد، وانتخابات رئاسية ثم برلمانية، كطريق الى ديمقراطية تقوم على المشاركة الحقيقية وتكافؤ الفرص".
في حينها، أعلن عن ترشيح نفسه للرئاسة مجدداً في الشهر ذاته. وقال على إحدى الفضائيات المصرية: "يشرّفني أن أكون فى خدمة الشعب المصري، وأن أكون وكيلاً عنه، وإذا اقتنع بي سأكون سعيداً، وسأستمر في خدمته عبر أي منفذ". إلا أنه عاد، في نوفمبر/ تشرين الثاني، ليقول، في بيان، إنه "إذا ما طلب مني تشكيل الحكومة رسمياً، فأنا على استعداد للتنازل عن فكرة الترشح للرئاسة"، قبل أن يقرر في 14 يناير/ كانون الثاني 2012، عدم الترشح للانتخابات الرئاسية "ليس انصرافاً من الساحة، بل استمراراً لخدمة هذا الوطن بفعالية أكبر، من خارج مواقع السلطة ومتحرراً من كل القيود".
البرادعي، الذي كان ملهماً للكثير من الشباب المصري، ومحرّضاً على الثورة ضد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، أتته فرصة الترشح في أول انتخابات رئاسية حقيقية في مصر عام 2012. لكنه لم يفعل، وخيّب آمال الكثيرين.
ولاحقاً، أعلن مقاطعته للتصويت في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، والتي أجريت بين محمد مرسي وأحمد شفيق، لأنه أراد ألا يعطي مشروعية "لانتخابات غير ديمقراطية"، مثلما وصفها.
جبهة الإنقاذ
بعد انتخاب مرسي، شكل البرادعي وعدد من رؤساء الأحزاب السياسية، في ٢٢ نوفمبر 2012، "جبهة الإنقاذ الوطني"، وأعلنوا "رفض الحوار مع رئيس الجمهورية قبل إسقاط الإعلان الدستوري".
كما طرحوا مجموعة من الشروط، من بينها "دعم الحشد الثوري في ميادين مصر، ودعم الاعتصام السلمي الذي تقوم به جماهير الشعب وشباب الثورة، ودعم القضاة ورجال القانون في موقفهم الحاسم بالدفاع عن السلطة القضائية التي ألغاها الإعلان الدستوري غير الشرعي"، وذلك عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في حينها.
وقال البرادعي، في تغريدة له آنذاك، إنّ "الدكتور مرسي نسف، اليوم، مفهوم الدولة والشرعية ونصّب نفسه حاكماً بأمر الله". وأضاف أن "الثورة أُجهضت لحين إشعار آخر". لكن ما كان يتّهِم البرادعي مرسي بالقيام به، سرعان ما شارك فيه بنفسه، عندما أيّد الاطاحة بأول رئيس مدني منتخب، ليغرّد بعيداً عن الثورة التي كان ملهماً لها.