أكد سياسيون تونسيون، مباشرة بعد جلسة هيئة الحقيقة والكرامة، والتي خصصت لبث اعترافات عماد الطرابلسي، ابن شقيق ليلى بن علي، زوجة الرئيس المخلوع، أن "شهادته مهمة، وخاصة أنها تعتبر الأولى منذ ثورة 14 يناير 2011"، مشددين على أن ذلك "سيساعد في معرفة طريقة عمل المنظومة السابقة". كما رأوا أنّ "الاعتذار والمحاسبة هما أولى الخطوات نحو المصالحة الحقيقية".
وقال القيادي في "حركة النهضة"، ووزير الفلاحة السابق، محمد بن سالم، لـ"العربي الجديد"، إن العديد من رموز النظام السابق والمسؤولين عن الانتهاكات يرفضون الاعتذار، مبيّناُ أن "ما قدم هو خطوة إيجابية، لأن بعض من ساهم في المنظومة القديمة يرفضون إلى غاية اليوم التعامل مع قانون العدالة الانتقالية وتقديم مطالب مصالحة".
وأوضح بن سالم أنّ "الدستور وضع مبادئ وشروطا لتجاوز فترة حالكة من تاريخ تونس، وتكون عبر المحاسبة والمصالحة"، معتبراُ أن "هذا الأمر لا يعدّ اكتشافا تونسيا، بل إن أغلب التجارب في البلدان التي عاشت فترة انتقال ديمقراطي، مثل جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، حصل فيها مثل هذا المسار، وتم إرجاع الحقوق لأصحابها عبر المصالحة".
وبيّن القيادي في "حركة النهضة" أن "كثيرين لم يفهموا هذا المسار، واليوم يعرضون قانون المصالحة الذي لا يحمل أي بوادر للمصالحة"، مشيرأً إلى أن "الاسم في ذاته لا يخلو من مغالطات، وأنّ المصالحة تقوم بين طرفين: المتضررين من جهة، والمعتدين من جهة أخرى".
وتابع بن سالم "لو فرضنا مثلاُ أن المصالحة التي طرحتها رئاسة الجمهورية لن تكون سياسية، أي كشف منظومة التعذيب والانتهاكات التي حصلت، وأنها ستكتفي بالمصالحة الاقتصادية، فهذا يفترض أيضا الاستماع للضحايا، ومن ساعدهم في الدولة".
وأفاد المتحدث ذاته بأنه "كان بالإمكان تسمية القانون الذي طرحته رئاسة الجمهورية بقانون العفو على ناهبي المال العام، وعلى من ساعدهم من موظفين"، معتبراً أن "السلطة التونسية لا تريد مساعدة هيئة الحقيقة والكرامة، رغم أنها الإطار القانوني المناسب لمسار العدالة الانتقالية ولإنصاف الضحايا".
وأضاف أنّ "الدولة التونسية كثيرا ما رفعت شعار المصالحة، ولكن على أرض الواقع لا توجد أي مصالحة أو محاولات لإنجاح المصالحة الحقيقية التي تكون في إطار الأطر القانونية".
بدوره، قال القيادي في "التيار الديمقراطي"، محمد عبو، إن "ما تم عرضه من اعترافات علنية لعماد الطرابلسي، خطوة نحو المصالحة الحقيقية، خاصة في ظل محاولات ضرب العدالة الانتقالية"، ورأى أنه "رغم بطء الهيئة، بسبب العراقيل المسلطة عليها، إلا أنه من المهم أن يستمع التونسيون إلى اعترافات أحد رموز النظام السابق، والتجاوزات التي كانت تحصل في الصفقات العمومية والديوانية".
وأكد عبو لـ"العربي الجديد" أنه من المهم أيضا أن الطرابلسي لم ينتظر صدور "قانون السبسي للمصالحة"، ولجأ إلى إحدى مؤسسات الدولة، و"بقطع النظر عما إذا كان سيتم الصلح معه أم لا، فإن ما قام به هو خطوة للمصالحة". وأضاف أن "من بين أهم النقاط التي كشفها الطرابلسي طريقة اقتسام الأرباح من قبل بعض موظفي الدولة، خاصة أن البعض يروج أن عددا من موظفي الدولة المتورطين ضحايا ومغلوب على أمرهم".
كما لفت إلى أن "ما لم يصرح به الطرابلسي هو أن نظام بن علي لم يكن يسمح لأحد بأن يقدم له خدمات دون الحصول على مقابل، وذلك خشية افتضاح أمره"، مبينا أنّه "تم اللجوء إلى هيئة الحقيقة والكرامة باعتبارها المخرج لكل من تورط سابقا، وذلك لا يكون إلا عبر مسار العدالة الانتقالية".
إلى ذلك، قال المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الشعبية"، حمة الهمامي، إنّ "الاعترافات المقدمة في الجلسة العلنية، مهمة، لأن البعض كان يأمل ألا تفضح منظومة النظام السابق، وبعض المتورطين القدامى والجدد يريدون مواصلة العمل بالطريقة نفسها والآليات السابقة".
وأضاف الهمامي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التونسيين يعرفون حيثيات الفساد في نظام الرئيس المخلوع، وشهادة الطرابلسي أكدت ما كان يحصل، وكيف كانت تتم العديد من الصفقات"، معتبرا أنه "من المهم جدا في هذا الظرف بث هذه الاعترافات، خاصة في ظل بعض المحاولات لطمس مسار العدالة الانتقالية".
وأكد أنه رغم أن "الطرابلسي لم يكشف كل التجاوزات والحقائق، وهناك القديم والجديد في الاعتراف المقدم، ولكن من المهم عدم التراجع عن هذا المسار، لأن ذلك سيعني مواصلة المنظومة القديمة في نهب المال العام، وسيكون له تكلفة سياسية واجتماعية واقتصادية باهظة".