لا يزال قرار حزب "الاستقلال"، أحد أعرق الأحزاب السياسية في المغرب، الاصطفاف في موقع المعارضة لسياسات الحكومة، بعد أن كان طيلة سنة يتخذ موقف "المساندة النقدية"، يثير السجال وسط المشهد السياسي في البلاد بشأن خلفيات هذه الخطوة.
وقرر حزب "الاستقلال" تغيير موقفه السياسي الذي اتخذه المجلس الوطني (برلمان الحزب) منذ أكثر من ثلاث سنوات، والذي يقضي بمساندة الحكومة دون تأييدها في جميع الخطوات، وهو ما سمي حينها بـ"المساندة النقدية"، إلى موقف المعارضة التي وصفها الحزب بأنها ستكون "استقلالية ووطنية".
وكان "الاستقلال" قد أعلن أنه سيساند الحكومة التي كان يقودها عبد الإله بنكيران "بشكل نقدي لتجويد أدائها"، واستمر على التوجه نفسه بعد إعفاء العاهل المغربي، محمد السادس، لبنكيران من تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حيث ظل "مسانداً نقدياً" للحكومة التي يرأسها سعد الدين العثماني، إلى حين قرر نهاية الأسبوع، الانتقال إلى المعارضة.
وبرر "الاستقلال" التواجد في صفوف المعارضة، وهو الذي شارك في العديد من الحكومات المتعاقبة، قراره بما اعتبره "أداء الحكومة السيئ في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية"، وبأن وجوده في المعارضة مسنود بالمرجعية الفكرية والسياسية والإيديولوجية للحزب بعيدا عن خطاب التيئيس والشعبوية".
وفسّر الحزب اختياره المعارضة عوض الاستمرار في المساندة النقدية بما سماه "هدر الحكومة الواضح وغير المفهوم لزمن الإصلاح، وتلكؤها في استكمال منظومة الإصلاحات المؤسساتية والهيكلية التي جاء بها روح ونص دستور 2011، والاكتفاء فقط بتصريف بعض التدابير المحدودة الأثر، في ظل غياب رؤية شمولية للإصلاح، وافتقار الحكومة إلى البعد الاستراتيجي وإلى المقاربة الاستباقية لمعالجة الأزمات، وهشاشة الحلول التي تقدمها".
وفي الاقتصاد، وجه الاستقلال، الذي يقوده نزار بركة خلفا للقيادي المثير للجدل حميد شباط، انتقادات لاذعة للحكومة، متهما إياها بأنها "تنساق وراء توجهات ليبرالية غير متوازنة في مفاصل وبنيات الاقتصاد الوطني، بما فيها قطاعات الاستثمار الاجتماعي والمجالات الاستراتيجية، وذلك في ظل غياب آليات الضبط والتقنين والمنافسة الشريفة والحوكمة الجيدة، والتوازن بين الرأسمال ومصلحة الوطن".
وفي القطاعات الاجتماعية، حذّر الحزب المعارض من "استمرار مظاهر الفقر والهشاشة واتساع حدة التفاوتات الاجتماعية، وتقهقر الطبقة الوسطى، وارتفاع البطالة واليأس في صفوف الشباب، واتساع العجز في الولوج للسكن، خاصة بالنسبة للفئات ذات الدخل المحدود، وضعف الولوج إلى الخدمات الصحية، وغياب التغطية الصحية لعدد هائل من المواطنين".
وكل هذه الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي برّر بها حزب "الاستقلال" قرار سحب "مساندته النقدية" للحكومة، واختيار المعارضة، لم يقنع القيادية في حزب العدالة والتنمية القائد للحكومة، أمينة ماء العينين، التي اعتبرت خروج "الاستقلال" إلى المعارضة "جزءا من مخطط يروم عزل العدالة والتنمية".
ووفق ماء العينين، فإن "عملية عزل حزب العدالة والتنمية جارية بعد إعلان الاستقلال اصطفافه في المعارضة أعقب موقفه المشرف الذي اتخذه أثناء الأزمة في تشكيل بنكيران للحكومة"، مشيرة أيضا إلى تعرض حزب "التقدم والاشتراكية" لما وصفتها بـ"حملة استهداف وتأديب واسعة"، فيما يقود حزب "الأحرار" تكتلا حزبيا "يتكون من الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري يوجهه أينما يشاء"، وفق تعبيرها.
ويقول المحلل السياسي الأستاذ الجامعي محمد نشطاوي، لـ"العربي الجديد"، إن موقف حزب "الاستقلال" الاصطفاف في المعارضة يثير تساؤلات، خصوصا أن "الحزب استمر في دعم الحكومة في إطار المساندة النقدية مدة من الزمن".
وأبرز نشطاوي أن "حزب الاستقلال بقيادته الجديدة كان يمنّي النفس بالدخول إلى الحكومة بعد الزلزال السياسي الذي اتسم بإعفاء وزراء من حزبين داخل الحكومة، لكن خروجه خاوي الوفاض بعد تعويض الأحزاب المعنية بالغضبة الملكية لوزرائها جعله يغير بوصلة خياراته".
واعتبر المحلل أن "قرار حزب الاستقلال تحكمه اعتبارات سياسية تكتيكية، تستحضر حسابات الربح والخسارة، فالمساندة النقدية لم تقربه من الحكومة ولا من امتيازاتها، فلمَ لا يجرب المعارضة ويستفيد من أخطاء الحكومة وزلاتها في أفق استمالة الغاضبين من حصيلة العمل الحكومي وهم كثر، خصوصا أنه لم يعد يفصل البلاد عن الانتخابات التشريعية المقبلة سوى ثلاث سنوات؟".