أزمة "الاشتراكي الديمقراطي" في ألمانيا تهدد ائتلاف ميركل الحكومي

06 يونيو 2019
ميركل تواجه أزمة بعد استقالة ناليس (شون غالوب/Getty)
+ الخط -

رغم إفصاح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عن رغبتها بمواصلة الحكم حتى نهاية ولاية المجلس التشريعي 2021، يسود توجس من احتمال مغادرتها بالقوة، بينما تلوح في الأفق إمكانية نهاية الائتلاف الحاكم، مع مناقشة "الاشتراكي الديمقراطي" الانسحاب منه، على وقع أزمات الحزب.

وأظهر استطلاع للرأي نُشر السبت، تراجع الحزب "الديمقراطي الاشتراكي" الشريك في الائتلاف الحكومي مع التكتل المحافظ بين حزبي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" بزعامة ميركل، إلى أدنى مستوى له على الإطلاق.

وحلّ "الاشتراكي الديمقراطي" في المركز الثالث وفق الاستطلاع، في حين تفوق حزب "الخضر" على التيار المحافظ، ليصبح أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا، بينما تراجع حزب ميركل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" إلى المركز الثاني.

ويأتي تراجع "الاشتراكي الديمقراطي"، على وقع خسارتين تاريخيتين لحقتا به مؤخراً، في الانتخابات الأوروبية، وانتخابات ولاية بريمن شمالي ألمانيا، التي حكمها على مدى سبعة عقود.

وعلى أثر ذلك، أعلنت زعيمة الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" أندريا ناليس الأحد في بيان، تخليها عن رئاسة الحزب ابتداءً من الإثنين، وعن رئاسة كتلة الحزب في البرلمان، ابتداءً من الثلاثاء، قائلة: "لم يعد لديّ الدعم اللازم لممارسة مهامي".

وكان من المقرر أن تواجه ناليس استفتاءً على منصبها، الثلاثاء، بعد أن قوبل قرارها البقاء في الائتلاف الحكومي بانتقادات من تيار اليسار في الحزب.

وتسود تكهنات حالياً، بعدم رغبة ميركل ترؤس حكومة أقلية تصبح مكبّلة أمام البوندستاغ (البرلمان)، ما يعني أنّ أزمة الائتلاف الحكومي الكبير "غروكو"، باتت محكومة بانتظار من سيفقد أعصابه أولاً، أو من سيجرؤ على اتخاذ الخطوة الأولى.

وتسود مخاوف من أنّ تداعيات أي انفراط في الائتلاف الحكومي الألماني، وإعادة خلط الأوراق السياسية داخلياً، ستتعدى البلاد لتترك أثراً على السياسات الأوروبية الداخلية والخارجية برمّتها، وسط مشاكل تعيشها القارّة، ولما لبرلين من ثقل على المستوى الأوروبي والعالمي.

كما أنّ الوقت لتنظيم أي انتخابات وتشكيل حكومة جديدة ضيّق نسبياً؛ نظراً لأنّ الانتخابات العامة المقبلة ستجري عام 2021 كما هو مقرر، في حين لا يبدو الوقت مؤاتياً لأن تترك ميركل منصبها، لخليفتها في رئاسة حزبها إنغريت كرامب كارينباور، ولا سيما أنّ الأخيرة تتعرّض حالياً لجملة من الانتقادات في صفوف الحزب.

تحديات أمام "الاشتراكي الديمقراطي"

وأمام هذا الواقع، تنتظر "الاشتراكي الديمقراطي"، خلال الأسابيع المقبلة، مهمتان معاكستان: العمل بقوة من أجل الإبقاء على "غروكو"، وفي الوقت عينه استكشاف ما إذا كان أعضاء الحزب يرغبون أصلاً في الاستمرار ضمن الائتلاف الحكومي.

ويواجه "الاشتراكي الديمقراطي" انقسامات داخلية بشأن الاستمرار في الائتلاف الحكومي، يحتمل أن تتعمّق في ظل عدم وجود رئيس حالي للحزب، وصعوبة سيطرة الإدارة المؤقتة على النقاشات المحتدمة في الاجتماعات.

وبينما يواجه الحزب تحدياً لإثبات قدرته على تجاوز خلافاته الداخلية، واختيار شخصية مناسبة لقيادته، نفت عدة شخصيات بارزة وجود طموحات لديها لتولّيه في المرحلة المقبلة، وسط أحاديث عن مخاوف من محاولات أصدقاء ناليس، منع خصومها من الوصول إلى زعامة الحزب.

في المقابل، تحضر مطالبات بأن يلاقي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، شريكه "الاشتراكي الديمقراطي"، للتوصل إلى الحلول الوسط بشأن القضايا الخلافية؛ مثل قضية المعاش التقاعدي الأساسي، وتقديمها كدليل على تأثيره، ما قد يساهم في تخفيف النقمة على الائتلاف، والحدّ من تراجع شعبيته.

ورأى الكاتب السياسي مالتيه ليمينغ، أنّ "الاشتراكي الديمقراطي" و"الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، "ليسا في أزمة بل يشكلان الأزمة بذاتها، لأنّه بات على الأحزاب التقليدية أن تعي أنّ الناس أهمّ من الأحزاب، والمشاريع أكثر أهمية من البرامج، بعد أن صار يتم اللجوء إلى الحلول التوافقية خلف الأبواب المغلقة".

وأشار ليمينغ إلى أنّ "الدور الذي كانت تؤديه الكنائس والنقابات يتلاشى، والجمهور آخذ في التفتت مع العملية الديناميكية التي تسببها وسائل التواصل الاجتماعي، فيما الناس تهتم بالعناوين الجذابة التي تقضّ مضاجعهم؛ بينها مثلاً الحدّ من تدفق الأجانب واللاجئين والإصلاحات الأوروبية والحدّ من ارتفاع الإيجارات والبيئة؛ وهي شعارات تخدم للاستقطاب والتنميط، وتلبّي الحاجة في توجيه الناخبين"، بحسب قوله.

ما مصير الائتلاف الحكومي؟

وبينما تسود مخاوف بشأن مصير الائتلاف الحكومي، وضع "الاشتراكي الديمقراطي" الكرة في ملعب شريكه "الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، محاولاً إخراج الأمر من إطار الأزمات الداخلية التي يعانيها الحزب، في حين دعا حزب ميركل من جهته إلى مواجهة "فوضى" شريكه بمزيد من الوحدة.

وعن استمرار "غروكو"، قال الأمين العام للحزب "الاشتراكي الديمقراطي" لارس كلينغبيل، إنّ "الأمر يعتمد على سلوك (الاتحاد المسيحي الديمقراطي)، ومقاربته للقضايا الجوهرية والقرارات القادمة، وما إذا كان الاتحاد مستعداً لإنجاز الأمور المتفق عليها"، واضعاً الكرة في ملعب الاتحاد.

وأضاف كلينغبيل، بحسب ما ذكرت "شبيغل أون لاين"، أنّ "الائتلاف الحكومي ليس في أزمة لمجرد أنّ الاشتراكي الديمقراطي لديه قيادة مؤقتة جديدة. هناك الكثير من القضايا التي يتطلب من الحكومة أن تحرز تقدّماً فيها، مثل ضخّ مزيد من الزخم لسياسة الابتكار والرقمنة والذكاء الاصطناعي".

وقال كلينغبيل إنّ "ناليس كانت لها اليد الطولى في إنجاز اتفاق تشكيل الائتلاف الحكومي، وبالطبع الجهود الحثيثة الذي بذلها وقتذاك الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير".

بدوره، دعا رئيس كتلة "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" في البوندستاغ رالف برينكهاوس، الإثنين، لمواجهة "فوضى" قيادة "الاشتراكي الديمقراطي" بمزيد من الوحدة، مشدداً على ضرورة مواصلة إدارات الدولة العمل معاً.

وقال برينكهاوس، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية: "نحن آخر محور يربط البلد ببعضه".


وفي المواقف من خارج محور الشريكين، شدد أرمين لاشيت رئيس حكومة ولاية شمال الراين - فستفالن، على ضرورة تأمين الاستقرار للحكومة الاتحادية، بالرغم من الأزمة التي يعيشها "الاشتراكي الديمقراطي"، قائلاً إنّه "يتعين على الائتلاف الكبير مواصلة عمله".

وأضاف لاشيت، وفق ما ذكرت صحيفة "دي فيلت": "نحتاج إلى حكومة فدرالية فعّالة، وأعوّل على الائتلاف الكبير لأداء مهمته، وأتوقع أن يفي جميع شركاء الائتلاف بالولاية المنوطة بهم لمدة أربع سنوات".

من جانبه، شكك فولكر بوفييه رئيس وزراء ولاية هيسن وسط ألمانيا، بقدرة "الاشتراكي الديمقراطي"، على حشد الدعم مرة أخرى من أجل الإبقاء على الائتلاف الحكومي، في مؤتمره نهاية العام.

أما اتحادات الصناعة الألمانية، فقد دعا رئيسها ديتر كيمبف لاستمرار "غروكو"، آملاً أن "تظهر الحكومة الاتحاية تحرّكاً متسقاً، على الرغم من أنّ الأمر أصبح أكثر صعوبة"، داعياً كلاً من "الاشتراكي الديمقراطي" و"الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، إلى "تسوية الأمور بينهما" لصالح ألمانيا.