وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد وجه رئيس الهيئة الهندسية، اللواء كامل الوزير، في 12 مايو/ أيار الماضي، بإزالة التعديات على نحو ثلاثمائة ألف فدان، اعتبرها ضمن المشروع الذي تصنفه حكومته كأحد أهم المشروعات القومية للبلاد، خلال شهر واحد، معلناً وضع كل أراضي المشروع تحت مسؤولية القوات المسلحة.
وفي 4 يونيو/حزيران الماضي، هُدمت بيوت الأهالي بواسطة قوات الجيش، فضلاً عن مساجد عدة، وآبار المياه التي استخدموها في زراعة أراضيهم، على الرغم من سداد الأهالي مبلغ ألف جنيه "دليل جدية" عن كل فدان أرض في خزائن الهيئة العامة لمشروعات التنمية الزراعية.
ولم يسلم اثنا عشر ألفاً وخمسمائة فدان "مُقننة" بطريق المراشدة غرب قنا منذ العام 1987 من عمليات الإزالة بواسطة الجيش، على الرغم من موافقة وزارة الزراعة على منح 5 أفدنة لكل مزارع، ورخصة بناء منزل من خلال نظام القرعة، وسداد المزارعين كامل الرسوم التي طلبتها الدولة لتمليكهم الأراضي.
ما فعله الجيش في محافظة قنا، فعله قبل أشهر قليلة في مراكز الفرافرة والواحات والداخلة بمحافظة الوادي الجديد، حين استولى على مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة، وضمها إلى المشروع، بما يعني عدم استصلاح أراض جديدة، والاستيلاء على مجهودات المواطنين، ونسبه إلى ما تدعيه الماكينة الإعلامية بـ"إنجازات السيسي". وكانت لجنة خاصة شكلها مجلس النواب، قد زارت المحافظة الجنوبية، يومي السبت والأحد الماضيين، وعاينت الأراضي التي نُفذت بشأنها قرارات الإزالة. وشملت هذه الأراضي أربعة مناطق متفرقة بغرب قنا، هي المراشدة، والشيخ علي، والتلامسة، والجبلاوي، بهدف بحث شكاوى واضعي اليد من المزارعين ومطالبهم بتقنين أوضاعهم بعد حملة الإزالة التي نفذتها الدولة.
عقاب على استصلاح "الصحراء"
يكشف أحد أعضاء اللجنة البرلمانية أن عدداً من الأراضي تعرضت لأعمال الإزالة من جانب الجيش، على الرغم من عدم وقوعها ضمن المشروع، ومنها أراضي الجبلاوي التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان، وتبلغ مساحتها 24 ألف ومائتي فدان، وخُصصت في السابق لصالح مشروع "المجتمع الريفي" في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
يقول البرلماني نفسه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يجب تعويض المزارعين المتضررين فلا يمكن عقابهم على خروجهم من الوادي الضيق بجوار النيل إلى حضن الجبل واستصلاح المناطق الصحراوية، مشيراً إلى أن تقرير اللجنة سيوصي بدفع الدولة تعويضات لهم، أو إعادة تمليكهم أراضيهم عقب الانتهاء من المشروع.
ويوضح البرلماني أن أغلب واضعي اليد من المزارعين البسطاء، الذين صرفوا كل ما يملكون لاستصلاح الأراضي وحفر آبار المياه، مشيراً إلى حضور لجنة من القوات المسلحة، دون سابق إنذار، في 7 مايو/ أيار الماضي، لإعلام المزارعين بضم أراضيهم إلى المشروع على الرغم من كونها أراضي مستصلحة ومزروعة منذ سنوات. ووفقاً للبرلماني نفسه، فإن هناك 209 أسر تشترك في زراعة ألف وسبعمائة فدان، وقدمت طلبات جماعية إلى وزارة الزراعة في العام 2004 لتقنين أوضاعها، إلا أن مسؤولي الحكومة رفضوا السير في إجراءات تسجيل الأراضي وقالوا للمزارعين آنذاك "استصلحوا الأرض، وبعدين تعالوا"، فعادوا بعد زراعتها، إلا أن الحكومة امتنعت عن تقنين أوضاعهم. ويلفت البرلماني إلى أنه من حق المزارعين المطالبة بالمعاملة بالمثل، بعدما وفّقت الدولة أوضاع 37 ألف فدان بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة برج العرب، معتبراً أن موقف الحكومة يحمل تناقضاً، إذ إنها بعدما قبلت من المزارعين سداد رسوم بخزانة وزارة الزراعة، وتوصيل الكهرباء إلى أراضيهم، تصدر قراراتها بالإزالة.
أخذ أراضي البسطاء... وترك "الكبار"
اللافت أن عدداً من نواب المحافظة السابقين والحاليين، متورطون في وضع اليد على الآف الأفدنة بأراضي المحافظة ولم يسارعوا إلى استصلاحها مثلما فعل الأهالي، ومن بينهم رئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب هشام الشعيني، والبرلماني السابق طارق رسلان، فضلاً عن استيلاء شركة تدعى "المصرية اليابانية" على سبعة آلاف فدان دون أن تشملها بالكامل قرارات الإزالة.
وكان الشعيني قد طالب المزارعين المتضررين خلال زيارة اللجنة الميدانية بضرورة "الحفاظ على هيبة الدولة، واستقرارها"، وأيده زميله، لواء الشرطة السابق جمال عبد العال، بالقول إنه "لا مجال للطبطبة، والقانون يجب أن يطبق على المخالفين"، ما يعد إيذاناً بقبول الأمر الواقع، وهو ما رفضه المزارعون. إلا أن عدداً من نواب المحافظة حاولوا احتواء غضب الأهالي، وطمأنتهم بالقول إن اللجنة ستطالب أجهزة الدولة في تقريرها بمنح أولوية في التملك لأصحاب الخمسة أفدنة فأقل في المشروع القومي، وعدم معاملتهم كتجار الأراضي الذين استولوا على آلاف الأفدنة، بعد تشكيل لجنة لتوفيق الأوضاع.
استكمال عمليات الإزالة
يشار إلى أن محافظ قنا، لواء الجيش السابق عبد الحميد الهجان، يتمسك باستكمال عمليات الإزالة بذريعة "عدم تعطيل المشروع القومي للبلاد بسبب هؤلاء الأهالي"، وفقاً لتصريحاته مع نواب اللجنة، التي قال فيها أيضاً إن التعديات امتدت لنحو تسعة كيلومترات بين مركزي نقادة وقنا، وتقف عقبة أمام تنفيذ وزارة الري للمشروع القومي.
وأضاف الهجان أن الأراضي، محل الخلاف، أصبحت مطمعاً، تسيطر عليها "مافيا تقسيم الأراضي"، على حد قوله، مشيرا إلى وجود 174 حالة تعديات دون التقدم بطلبات لتقنين أوضاعها، وأن 85 في المائة من الأراضي الصادرة بحقها قرارات إزالة "غير مزروعة"، ةقد شملها القرار الجمهوري لمشروع المليون ونصف فدان.