عبيدة دباغ، صاحب الدعوى التي قدمت للقضاء الفرنسي ضدّ ضباط النظام السوري، وهو شقيق مازن دبّاغ وابنه اللذين قتلهما النظام السوري في معتقلاته، قال إنَّه شعر بانتصار القصاص لأخيه وابنه وكل المعتقلين السوريين عندما أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق الضبّاط السوريين المسؤولين عن مقتل شقيقه وابنه.
وقاد عبيدة خلال السنتين الماضيتين دعوى قضائية في المحاكم الفرنسية ضد المسؤولين الثلاثة.
وأضاف عبيدة دبّاغ خلال حديثٍ مع تلفزيون "سوريا": "كانت هناك فرصة لرفع دعوى، كون شقيقي مازن وابنه عبد القادر (باتريك) يحملان الجنسية الفرنسية، لذلك رفعنا الدعوى بمساعدة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، واستطعنا إثبات الانتهاكات التي تعرّض لها شقيقي وابنه".
وأوضح أن العمل على الدعوى بدأ منذ عامين، حتى اليوم عندما صدرت مذكّرات التوقيف ضد ضباط النظام، لافتاً إلى أن هذا انتصار مبدئي لكل السوريين الذين توفوا تحت التعذيب في أفرع النظام، مشيراً إلى أن "النصر ليس نهائياً، لأن الأمور ما زالت ببدايتها، وأنه سيكون يوماً سورياً بامتياز عندما يُقدّم كل المجرمين إلى المحاكم لينالوا العقاب على جرائمهم".
هكذا بدأت قصة اعتقال شقيق عبيدة وابنه
وسرد عبيدة تفاصيل عملية الاعتقال، حيث قال إنه في يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013، جاءت دورية تابعة للنظام إلى منزل العائلة في حي المزة الدمشقي واعتقلت عبدالقادر، ابن شقيقه، وأبلغت العائلة بأنّها سوف تأخذه من أجل "دردشة بسيطة" وأنّه سوف يخرج بعد يومين فقط.
في اليوم التالي لم يخرج عبدالقادر، بل جاءت الدورية نفسها واعتقلت والده مازن دباغ، بحجّة أنّه "لم يعرف أن يربّي ابنه"، وفي طريقها اعتقلت مدنيين آخرين من حي المزة.
وقال إن "النظام لم يعلن عن مصيرهما بشكل رسمي، ولم يسلّمنا أي شهادات وفاة، بل نحن عرفنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك قوائم بنحو 8 آلاف معتقل قُتلوا في أفرع الأمن السورية، وبعد أن سألنا من خلال معارفنا بدمشق علمنا أن مازن وابنه كانا من ضمن المتوفين".
ومع إصدار سجلات النفوس السورية إخطارات وفاة لعدد كبير من الأشخاص المختفين قسرياً، تلقت عائلة الدباغ في يوليو/ تموز 2018 إخطاراً رسمياً بوفاة باتريك عبدالقادر (دبّاغ) ووالده مازن دباغ. ووفقاً للوثائق التي تلقتها عائلة دباغ، فقد توفي باتريك عبدالقادر في 21 يناير/كانون الثاني 2014، بعد فترة وجيزة من اعتقاله، فيما توفي والده مازن بعد نحو أربع سنوات، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حسب بيان للاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان إلى جانب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه.
وأوضح عبيدة أنّه لاقى تعاوناً مستمرّاً من الجهات الحقوقية والقضاء الفرنسي، وقال: "كانوا دائماً يشجّعوننا للمضي بالدعوى، ونشعر أن هناك أشخاصا يساندوننا بهذه المهمّة، وأنّنا لم نكن وحدنا فقط".
وتابع عبيدة دباغ: "حاولنا في بداية الأمر التواصل مع جهات في حكومة النظام ووزارة المصالحة الوطنية وجهات أخرى، ولكن لم يكن هناك أي تعاون، باستثناء اتصالات لطلب مبالغ كبيرة كرشوة".
وكشف أنّ الضابط عبد السلام محمود كان يوكّل أشخاصا ليتصلوا بذوي مازن وعبد القادر من أجل طلب مبالغ كبيرة لنقلهما من المعتقل إلى سجن عدرا المركزي، كما طلبوا 30 ألف يورو مقابل كل شخص لإرسالهما إلى فرنسا.
لهذه الأسباب تم اختيار فرنسا
وحول أسباب اختيار فرنسا لتحريك الدعوى، يرى المعتصم الكيلاني، مدير برنامج التقاضي في المركز السوري لحرية الإعلام والتعبير في حديثه مع "العربي الجديد"، أن اختيار فرنسا يأتي لكون باتريك ومازن من حملة الجنسية الفرنسية، حيث يتيح القانون الفرنسي متابعة القضية في المحاكم الفرنسية.
وأكد الكيلاني أن الادعاء يمتلك إثباتات على مقتل الضحيتين في سجون المخابرات الجوية، إضافة إلى تعاون شهود منشقين عن صفوف هذه الأجهزة قدموا تفاصيل هامة عن ارتباط كل من مملوك والحسن ومحمود بإصدار الأوامر الخاصة بقتل وتعذيب السوريين في زنازينها.
وبسبب عرقلة حلفاء نظام الأسد لتشكيل محكمة جنائية دولية بهدف معاقبة مرتكبي جرائم الحرب في سورية، خصوصًا استخدام كل من روسيا والصين الفيتو مراراً لمنع صدور قرار أممي بهذا الصدد، إضافة إلى عدم وجود بوادر حقيقية من شأنها ضمان العدالة والمساءلة المستقلة داخل سورية، فقد تم رفع العديد من القضايا أمام المحاكم الأوروبية بناء على ما يعرف باسم الاختصاص الخارجي. وكان آخرها أمر الاعتقال الدولي الذي أصدره المدعي الفيدرالي الألماني ضد جميل حسن في يونيو/حزيران 2018.
ويرى الكيلاني أن مثل هذه الملاحقات في المحاكم الأوروبية المستقلة تفتح الباب أمام تحقيق العدالة لسورية والسوريين، وإن كانت على نطاق محدود حالياً، فمثل هذه المذكرات تؤكد على أن يد العدالة ستطاول مرتكبي جرائم الحرب في سورية، وإن تم تعديل أدواتها الدولية من قبل حلفاء النظام.
كما أن هذه الملاحقات تضع المزيد من الضغوط على قيادات نظام الأسد، وسوف تمنع مذكرات الاعتقال الدولية المشتبه بهم الثلاثة من السفر إلى الخارج بحرية.
ويشير مدير برنامج التقاضي مثلاً إلى زيارة علي مملوك إلى إيطاليا في وقت سابق من هذا العام للقاء وزير الداخلية السابق ماركو مينيتي ورئيس المخابرات ألبرتو مانينتي على الرغم من إدراجه في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي. ولكن وبعد إصدار مذكرة الاعتقال، ستضطر إيطاليا إلى إلقاء القبض عليه وتسليمه إلى فرنسا في حال عودته.
ويرى الكيلاني أن للمذكرات أهمية من خلال الضغط الذي تمارسه على نظام الأسد، حيث إن السنوات الماضية شهدت تعويماً للنظام السوري عالياً، وإرسال إشارات بأنه قد يستطيع الإفلات من العقوبات، وإعادة التطبيع مع الدول التي قاطعته مجدداً، وتحويل النقاش إلى مواضيع مثل إعادة الإعمار.
ويستدرك بالقول "لكن بوجود مثل هذه الملاحقات القضائية، يتم إغلاق الباب على إمكانية الإفلات من العقاب، وإرسال رسالة لنظام الأسد أن ما جرى في الثمانينيات لن يتكرر. لأنه وإن أفلت النظام من العقاب فذلك يبعث برسالة لمجرمي الحرب حول العالم بإمكانية الإجرام والاكتفاء بالكذب حول جرائمهم للهروب من تبعات أفعالهم. كما تقيد قدرة الدول الأوروبية على إعادة التطبيع مع نظام الأسد".
أما من ناحية ملاحقة سياسيي نظام الأسد، فيشير الكيلاني إلى ضرورة التمييز بين مرتكبي الجرائم والأشخاص الذين أيدوها أو صمتوا على ارتكابها، وذلك لمصلحة العدالة الانتقالية والسلام في سورية. ولكن في حال كان المسؤول عنها رأس النظام، بشار الأسد، فإنه لا يمكن للقضاء الفرنسي ملاحقته كونه رئيساً لجمهورية دولة أخرى، ويتمتع بالحصانة، ولا تكمن محاسبته إلا عن طريق محكمة جنائية دولية.
وتم تحويل القضية، اليوم، إلى قاضي التحقيق الذي سيتيح للمدعى عليهم تقديم شهاداتهم، وإن كان الأمر مستبعداً. ويتم تحويل القضية بعدها إلى المحاكم الفرنسية التي ستبت فيها، وقد تصدر الأحكام غيابياً.
من هم الضباط الثلاثة؟
علي مملوك
اللواء علي مملوك، ذائع الصيت كونه أحد أهم أركان النظام السوري، ويشرف على سير عمل جميع الأجهزة الأمنية، حيث يمتلك معظم أسرار الاستخبارات وأفرع الأمن في سورية، كونه شغل منصب مدير "إدارة أمن الدولة" بين عامي 2005 و2012. يلقب مملوك بأبي أيهم، وهو من مواليد دمشق 1946، البحصة، ويشغل منصب مدير "مكتب الأمن القومي"، ظهر بعّدة مناسبات مع رئيس النظام بشار الأسد، ويعتبر من أهم أعمدته الأمنية العنيفة التي بناها نظام الأسد خلال السنوات الماضية.
يعتبر مملوك من أكثر الضباط فتكاً بالمعارضين السوريين، وقد فرضت الإدارة الأميركية على اللواء مملوك بسبب ذلك عقوبات وحملته مسؤولية الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، ومنها استخدام العنف ضد المدنيين، وهو ما عاقبه عليه الاتحاد الأوروبي أيضا، حيث أدرج اسمه ضمن قائمته للعقوبات لدوره في قمع المظاهرات السورية.
جميل الحسن
أمّا جميل حسن، فلا يقل شأنا عن مملوك، ويشغل حالياً منصب رئيس المخابرات الجوية في سورية، الذي يُعتبر واحداً من أكثر الأفرع الأمنية دمويةً في البلاد.
يتحدر اللواء جميل حسن، وهو أيضاً ضابط استخبارات سوري من ريف محافظة حمص. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي صدرت بحق الحسن مذكرة توقيف تم تعميمها على الإنتربول الدولي من قبل المدعي العام في ألمانيا للاشتباه بمسؤوليته عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في سورية منذ العام 2011.
يعد الحسن مسؤولاً عن مقتل آلاف النشطاء في الثورة تحت التعذيب في أقبية هذا الجهاز الذي شكّله الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في بداية توليه للسلطة عام 1970، ليكون القناع المرعب للسوريين.
الحسن تدرّج في أجهزة النظام قبل ترؤس جهاز الاستخبارات الجوية، وشارك في المجازر التي ارتكبها النظام بحق أهل حماة عام 1982، والتي أدت إلى مقتل نحو 40 ألف مدني. ثم عمل رئيساً لسرية المهام الخاصة في الاستخبارات العامة، ورئيساً لفرع الاستخبارات الجوية في دير الزور، شرقي سورية، ثم نائباً لرئيس جهاز الاستخبارات العامة. تصفه مصادر في المعارضة بأنه "يد بشار القذرة" التي فتكت بالسوريين طيلة حكم آل الأسد، ولكنه أظهر دموية لا تُضاهى في محاولة النظام وأد الثورة. هو شديد الولاء لعائلة الأسد، كما أنه نادر الظهور أمام وسائل الإعلام.
عبد السلام محمود
في حين أن عبد السلام محمود ابن فجر، هو أيضاً ضابط استخبارات ويشغل منصب رئيس فرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية، وله دور أيضاً في مطار المزّة العسكري، قرب قصر الشعب الذي يقيم فيه الأسد، غرب دمشق، والذي قُصفت منه معظم مناطق ريف دمشق.
ويتحدر عبد السلام من قرية الفوعة التابعة لمحافظة إدلب، واتهمه معتقلون سابقون بعمليات ابتزاز مالي بحق ذوي المعتقلين إضافة للقتل والتعذيب الوحشي.