تحوّل لقاء موسكو الثلاثي، أمس الجمعة، الذي جمع وزراء خارجية روسيا، سيرغي لافروف، وإيران، محمد جواد ظريف، والنظام السوري، وليد المعلم، إلى منصة جديدة للدفاع عن النظام ونفي ارتكابه جريمة قصف خان شيخون بالكيميائي، والتحذير من أي هجوم أميركي جديد على النظام، ليخرج بمجموعة من "اللاءات"، من رفض تكرار الضربة الأميركية في سورية، إلى التشكيك بالنتائج الصادرة حول الهجوم الكيميائي، إضافة إلى محاولة إعادة الحديث عن العملية السياسية انطلاقاً من لقاءات أستانة.
هذه التصريحات الروسية تعكس استمرار الخلافات بين موسكو وواشنطن حول الملف السوري، وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الذي أعلن أن موسكو وواشنطن تمران في مرحلة مواجهة حادة بشأن الوضع في سورية، معتبراً أن "لهجة التصريحات الأميركية تؤكد صحة موقف روسيا حول هجوم خان شيخون". كما أنها تسبق اللقاءات المنتظر أن تشهدها موسكو تباعاً حول الملف السوري، إذ من المقرر أن يجتمع لافروف، اليوم السبت، بنظيره القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في موسكو، حول الوضع في سورية والتطورات السياسية والعسكرية فيها وآفاق دفع العملية السياسية قدماً، كما أعلنت الخارجية الروسية أمس.
واعتبر أن الضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات تقوض الجهود السلمية، مضيفاً أن "محاولات التحول إلى تغيير النظام في سورية لن تنجح"، معلناً أن الوزراء الثلاثة بحثوا التحضير لعقد اجتماع جديد حول سورية في أستانة مطلع مايو/أيار المقبل، مشيراً إلى أن خبراء من روسيا وإيران وتركيا سيجرون، الأسبوع المقبل في طهران، مشاورات في إطار عملية أستانة. وكان الوزير الروسي قال للمعلم في موسكو الخميس، إن روسيا والولايات المتحدة لديهما تفاهم مشترك بشأن أن الضربات الجوية الأميركية على سورية ينبغي ألا تتكرر، مشيراً إلى أن ذلك "تم التوصل إليه" خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى موسكو الأربعاء، كما نقلت وكالة "رويترز".
وخصص لافروف جزءاً كبيراً من كلامه في المؤتمر الصحافي أمس لنفي وقوع مجزرة في خان شيخون، متحدثاً عن "توفر شهادات عديدة تدل على أن استعمال الكيميائي في محافظة إدلب كان مسألة مفبركة"، مضيفاً أن "محاولات عرقلة الاقتراح الروسي الإيراني الخاص بإجراء تحقيق موضوعي يدل على أن الجهات التي تقف وراء هذه المحاولات غير نزيهة". وأعلن أن "روسيا وسورية وإيران تصر على إجراء تحقيق موضوعي ودقيق في استعمال أسلحة كيميائية في خان شيخون، وذلك من قبل وفد يضم خبراء من دول مختلفة تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية". وانتقد المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لأنها لم ترسل خبراء إلى موقع هجوم خان شيخون ولجأت الى تحليل عينات "عن بُعد"، معتبراً أنه "من غير المقبول تحليل أحداث عن بعد"، لافتاً إلى أن التحقيق "الشفاف" يستدعي نشر "خبراء مستقلين ومجموعات إضافية من الخبراء الذين يمثلون دول المنطقة وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا".
من جهته، أكد المعلم أن نظامه لن يوافق على إجراء تحقيق في "القصف المحتمل" في خان شيخون من الأراضي التركية. وأعاد تكرار مقولة "إننا لم نستخدم أي سلاح كيميائي ضد الإرهابيين ولم نقصف شعبنا به، ومستعدون لتقديم كل المساعدة للمحققين في عملهم بشأن الاستعمال المحتمل للكيميائي في مكان الحادث في خان شيخون".
بدوره، أكد ظريف أن كافة الخطوات الأميركية الأحادية الجانب في الساحة الدولية غير مقبولة، معتبراً أن عملية أستانة يجب أن تصبح أساساً لتسوية الأزمة في سورية، معرباً عن أمله في هذا الصدد في أن تتعاون تركيا بهذا الشأن.
وفي السياق نفسه، شككت وزارة الدفاع الروسية بما كشفته قناة "سي إن إن" عن اعتراض اتصالات بين عسكريين سوريين وخبراء كيميائيين حول الإعداد لهجوم الكيميائي. وقال المتحدث باسم الوزارة، اللواء إيغور كوناشينكوف: "وفقاً للتقليد المثبت، فإن كل انتهاك للقانون الدولي، خصوصاً العدوان العسكري الأميركي ضد دول ذات سيادة، يبرره البنتاغون دائماً بأدلة معينة، ومع ازدياد درجة الفبركة في هذه الأدلة، تزداد درجة سريتها". وأضاف أنه "إذا واصلت الاستخبارات الأميركية إخفاء الأدلة المزعومة على الجرائم ضد الإنسانية، فهذا يعني أنه لا أدلة لديها".
وتحاول التصريحات الروسية التشكيك في النتائج التي أثبتت استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، واستباق النتائج التي ستصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أرسلت فريقاً من خبرائها إلى تركيا لجمع عينات في إطار التحقيق بشأن الهجوم. وأعلن وزير الصحة التركي، رجب أقداغ، أمس الجمعة، وفاة 6 أشخاص من أصل 34 مصاباً نقلوا إلى تركيا عقب الهجوم الكيميائي على خان شيخون، مؤكداً أن نتائج التشريح كشفت استخدام غاز السارين في الهجوم بشكل قطعي. كما أعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة، جواد أبو حطب، في تصريح صحافي، أن نتائج الفحوصات التي أجرتها المؤسسات المستقلة أظهرت وجود مادة السارين في مكان وقوع هجوم خان شيخون، مؤكداً مسؤولية نظام الأسد عن تلك الهجمات.
وقال رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية المحامي، أنور البني، لـ"العربي الجديد"، إن المسألة تتعلق بمدى جدية أصحاب القدرة على التقيّد بقرارات لجنة التحقيق، مشيراً إلى أنه لا "توجد، حتى الآن، جهة قضائية يمكن للجنة أن تعرض عليها نتائج تحقيقاتها، فالمحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تفتح أبوابها بسبب الفيتو الروسي". وأشار البني إلى لجنة سابقة شكّلها مجلس الأمن الدولي حول الموضوع نفسه وأصدرت قراراً تتهم فيه النظام باستخدام السلاح الكيميائي ثلاث مرات على الأقل خلال الفترة السابقة، إضافة إلى قرارات لجنة التحقيق المستقلة التي شكّلتها الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الإنسان والتي أصدرت ستة عشر تقريراً تتهم النظام وشخصيات فيه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم يكن لذلك أي تأثير عملي.
في السياق، ردت الخارجية الأميركية على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد بشأن الهجوم الكيميائي على خان شيخون، الذي اعتبره "مفبركاً مائة في المائة". وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، إن الأسد "للأسف يحاول تقديم معلومات خاطئة وزرع الارتباك". بينما وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، تصريحات الأسد بـ"الكاذبة مائة بالمائة". وقال أيرولت، في أعقاب لقاء مع نظيره الصيني، وانغ يي في بكين، إن "الحقيقة هي أكثر من 300 ألف قتيل و11 مليون نازح ولاجئ وبلد مدمر. هذه هي الحقيقة. هذا ليس خيالاً".