لا يزال الملف الليبي المعقد يموج بالتغيرات المتسارعة جراء الصراع والخلافات التي نشبت بين الأطراف الفاعلة فيه، فبعد أيام من فشل لقاء باريس، دخلت السعودية على خط الحدث من خلال جملة اللقاءات التي استضافتها سرا بموجب ضوء أميركي أخضر.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن الرياض عملت على تنظيم عدد من اللقاءات السرية التي جمعت بين مسؤولين مقربين من اللواء خليفة حفتر وآخرين من خصومه في طرابلس ومصراته، بعد أن فوضها رئيس حكومة الوفاق فائز السراج أثناء زيارته لها الأسبوع الماضي بالتدخل لحل الخلافات المستعرة، بسبب تناقضات مصالح دول أوروبية، منها إيطاليا وفرنسا ودول عربية إقليمية كمصر والإمارات والجزائر.
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "الرياض عرضت على الفرقاء الليبيين مخطط تشكيل حكومة ائتلاف ليبية، كان قد عرضه فائز السراج على المسؤولين السعوديين" مشيرة إلى أن تغيرات في المشهد الحكومي سيعلن عنها في ليبيا بعد انتهاء شهر رمضان.
ورغم إشارة بعض السياسيين الليبيين إلى مثل هذا التوافق الذي يجري سراً، بالتوازي مع تسريبات تتناقلها وسائل إعلام ليبية مؤخراً عن شكل تلك الحكومة وأسماء الوزراء، والتي تعكس توزيعا جغرافياً ومناطقياً يضم كل الأطياف السياسية، إلا أنها لم تؤكد رضا حفتر وحلفائه المحليين حتى الآن عليها.
وقد كشف النائب بمجلس نواب برلمان طبرق، أبوبكر سعيد، الموالي لحكومة الوفاق عن وجود اتفاق شبه نهائي على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوحيد مؤسسات الدولة، مشيرا خلال تدوينة على حسابه الرسمي على فيسبوك الأحد الماضي، إلى أن هذا الاتفاق لم يصل بعد لمستوى قرار تحديد هيكلة الحكومة ولا البحث في من يشغل الوظائف الوزارية فيها.
من جانب آخر، قالت المصادر إن ممثلي حفتر التقوا الأحد الماضي بنواب مدينة مصراته وشخصيات عسكرية من طرابلس موالية لحكومة الوفاق، اتفقوا خلالها على انخراط شخصيات من النظام السابق ضمن المشهد الحكومي الجديد، كاشفة عن أن فتحي باشا آغا أحد أبرز نواب مصراته، وهيثم التاجوري رئيس كتيبة ثوار طرابلس، أبرز كتائب طرابلس الموالية لحكومة الوفاق، كانوا ضمن اللقاء.
وأكدت المصادر التي فضلت عدم ذكر أسمائها، أن الإعلان عن إطلاق سراح أبرز رموز النظام السابق، أبوزيد دوردة يوم أمس الاثنين كان من ضمن تلك الترتيبات، مضيفة أن "قرار إطلاق سراح دوردة جاء بالتوازي مع لقاء مصالحة نظمته كتيبة ثوار طرابلس في فندق المهاري بطرابلس، شاركت فيه شخصيات من النظام السابق القابعين في سجون حكومة الوفاق، والتي تشرف عليها كتيبة ثوار طرابلس".
وعن أهداف هذه التحركات قالت المصادر إن ما يجري هو للتوصل إلى توافق ولو كان شكليا ستنجحه بكل تأكيد مصالح الفرقاء المحليين وداعميهم الإقليميين، مؤكدة أن المصلحة المشتركة هي قطع الطريق أمام مرحلة الانتخابات المرتقبة، والتي أجمع المجتمع الدولي على ضرورة خوضها لرأب الصدع السياسي والمؤسسي في البلاد.
وتابعت أنه "لا السراج ولا حفتر ولا كل الأطياف المتحكمة حاليا في البلاد ومن ورائها دول إقليمية من مصلحتها دخول البلاد في انتخابات لا يتوفر للمتحكمين في المشهد الليبي الحالي أي نصيب فيها".
وأكدت أن الرياض "فرضت نفسها على اللاعبين الإقليميين في الملف الليبي بعد حصولها على موافقة واشنطن التي لم تكن راضية عن المبادرة الفرنسية وهي تعرف أن اتجاهها الحالي لن يعارض رغبات دول كالقاهرة وأبوظبي اللتين ترفضان الانتخابات".
وعن دور حفتر، أفادت المصادر بأنه "عقد صفقة مع رموز النظام السابق في حال وصول البلاد إلى الانتخابات ليضمن وجوده، وفي حال وجود تسويات في الشكل الحالي السياسي أيضاً، سيضمن وجوده".
وبينت المصادر أن واشنطن "أكدت على ضرورة دعمها لحكومة السراج وبقائها في المشهد، وأن دخول الرياض على خط الأزمة قد يتوافق مع بعض الأطراف الليبية التي باتت مقتنعة بأن الانتخابات ليست في مصلحتها، وبالتالي يجب التوصل إلى تفاهمات ولو نسبية تضمن توحيد بعض المؤسسات كالبنك المركزي وحكومة موحدة، لكن في ذات الوقت لن تكون مقبولة من أطراف ليبية مؤثرة في طرابلس على الأقل كجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السعودية على قوائم الإرهاب لديها".