09 نوفمبر 2024
الأردن.. "الإخوان" ومنظومة التعليم
رحل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، إسحق الفرحان، الذي ينسب له أنصار الجماعة الفضل في تربية أجيال من الأردنيين تربية دينية محافظة، إبّان إشرافه على مناهج التعليم في المدارس الأردنية، وتوليه وزارتي التربية والتعليم والأوقاف والشؤون الإسلامية، في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، فيما يعتبره خصوم الجماعة سبباً رئيسياً في إشاعة التلقين، عوضاً عن التفكير في العملية التعليمية الأردنية نحو خمسة عقود خلت، لأنه، بحسبهم، من منع تعليم الفلسفة والموسيقى في المدارس الأردنية، الأمر الذي ما يزال معمولاً به.
رحل الفرحان عن 94 عاماً، بعد حياة حافلة من دون شك، شاركت في تشكيل الوعي والمفاهيم ومنظومة القيم بين الأردنيين، فضلاً عن توجيهه "نظرية المعرفة" الرائجة بين الأردنيين المعاصرين، توجيهاً دينياً من دون شك، قطفت جماعة الإخوان المسلمين ثماره مراراً، خصوصا منذ العودة إلى إجراء الانتخابات النيابية بشكل دوري منذ العام 1989، وذلك قبيل دخول الفكر السلفي الأكثر تشدّداً إلى المجتمع الأردني، ابتداءً من أواخر القرن المنصرم.
كان عمل إسحق الفرحان في صياغة المناهج وتوجيه العملية التعليمية في الأردن، عنواناً لتحالف الإخوان المسلمين مع السلطة، على امتداد سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، في مواجهة خصومهما المشتركين، الناصرية والقوى اليسارية والقومية الأخرى. كان ثمة تقاسم للأدوار بين الطرفين الحليفين إذن، فتمثلت حصة "الإخوان" في التعليم والعمل الخيري، وكل ما له تماسّ مباشر مع قيم الناس. وقد أدار هؤلاء حصتهم بحصافة، جعلتهم الأقرب إلى وجدان الجمهور، لمّا تراجع العدوان، الناصري واليساري، وانهارت منظوماتهما كلها في العالم والمنطقة.
وهذا معناه أن الفرحان كان جزءاً من منظومة إخوانية واعية، بعيدة النظر، وصاحبة تخطيط استراتيجي واسع الأفق، سواء أرادت أسلمة المجتمع وحسب، أو أسلمته والإفادة من ذلك سياسياً أيضاً. لكن الفرحان لم يكن شخصاً عادياً في هذا كله، بل ركيزة أساسية في المنظومة الإخوانية، إنْ لم يكن أهم ركائز العمل الإخواني على الإطلاق الذي ألقى بظلاله على حضور الجماعة ونجاحاتها سنوات طويلة، وهو من هو في تولي زعامة الجماعة وأذرعها الحزبية، فضلاً عن مؤسساتها التعليمية، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
تحوّل الإخوان المسلمون، منذ تسعينيات القرن العشرين، إلى قوة معارضة، أو هكذا يُفترض، وكان من عجائب الزمان أنهم تزّعموا الكيانات التنسيقية بين قوى المعارضة، أي مع بقايا اليسار؛ الخصم السياسي اللدود السابق، والخصم الفكري اللدود الدائم.
ليس هذا بالطبع مقام تقييم تجربة "الإخوان"، حلفاء السلطة في الزمن الصعب، إبّان انتقالهم إلى المعارضة، لكن تكفي الإشارة هنا إلى أن منهجهم في "التربية والتعليم" ظل ثابتاً أياً كان موقعهم: مع السلطة أو في معارضتها، وهو ما لا يبدو غريباً إزاء ما شاع عن منهجهم في "المعارضة" الذي حافظوا فيه على استعدادهم للمقايضة والدخول في صفقات سياسية، وقتما سنحت الفرصة.
رحل إسحق الفرحان، وفي السنوات القليلة السابقة لوفاته، عمدت الحكومة الأردنية إلى تعديل المناهج التعليمية قليلاً، لكنه تعديلٌ ذهب بها لتشذيب ما اعتبر أفكاراً سلفية متطرفة في بعض المناهج، من دون مساس جوهر الاتجاه العام لهذه المناهج الذي ما يزال يدرّس، أو يلقّن، وجهة نظر واحدة، دينية محافظة، ويمنع الفلسفة والفكر، ويغض النظر عن تعليم المسرح والموسيقى ومجمل الفنون، ولا يعتني كثيراً بالإبداع.
سيظل إسحق الفرحان خالداً، ما بقي التعليم الأردني على حاله، وما بقي تعليم الفلسفة والفنون مُداناً ومستبعداً: هكذا يعتقد أنصار الفرحان وخصومه، سواءً بسواء.
رحل الفرحان عن 94 عاماً، بعد حياة حافلة من دون شك، شاركت في تشكيل الوعي والمفاهيم ومنظومة القيم بين الأردنيين، فضلاً عن توجيهه "نظرية المعرفة" الرائجة بين الأردنيين المعاصرين، توجيهاً دينياً من دون شك، قطفت جماعة الإخوان المسلمين ثماره مراراً، خصوصا منذ العودة إلى إجراء الانتخابات النيابية بشكل دوري منذ العام 1989، وذلك قبيل دخول الفكر السلفي الأكثر تشدّداً إلى المجتمع الأردني، ابتداءً من أواخر القرن المنصرم.
كان عمل إسحق الفرحان في صياغة المناهج وتوجيه العملية التعليمية في الأردن، عنواناً لتحالف الإخوان المسلمين مع السلطة، على امتداد سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، في مواجهة خصومهما المشتركين، الناصرية والقوى اليسارية والقومية الأخرى. كان ثمة تقاسم للأدوار بين الطرفين الحليفين إذن، فتمثلت حصة "الإخوان" في التعليم والعمل الخيري، وكل ما له تماسّ مباشر مع قيم الناس. وقد أدار هؤلاء حصتهم بحصافة، جعلتهم الأقرب إلى وجدان الجمهور، لمّا تراجع العدوان، الناصري واليساري، وانهارت منظوماتهما كلها في العالم والمنطقة.
وهذا معناه أن الفرحان كان جزءاً من منظومة إخوانية واعية، بعيدة النظر، وصاحبة تخطيط استراتيجي واسع الأفق، سواء أرادت أسلمة المجتمع وحسب، أو أسلمته والإفادة من ذلك سياسياً أيضاً. لكن الفرحان لم يكن شخصاً عادياً في هذا كله، بل ركيزة أساسية في المنظومة الإخوانية، إنْ لم يكن أهم ركائز العمل الإخواني على الإطلاق الذي ألقى بظلاله على حضور الجماعة ونجاحاتها سنوات طويلة، وهو من هو في تولي زعامة الجماعة وأذرعها الحزبية، فضلاً عن مؤسساتها التعليمية، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
تحوّل الإخوان المسلمون، منذ تسعينيات القرن العشرين، إلى قوة معارضة، أو هكذا يُفترض، وكان من عجائب الزمان أنهم تزّعموا الكيانات التنسيقية بين قوى المعارضة، أي مع بقايا اليسار؛ الخصم السياسي اللدود السابق، والخصم الفكري اللدود الدائم.
ليس هذا بالطبع مقام تقييم تجربة "الإخوان"، حلفاء السلطة في الزمن الصعب، إبّان انتقالهم إلى المعارضة، لكن تكفي الإشارة هنا إلى أن منهجهم في "التربية والتعليم" ظل ثابتاً أياً كان موقعهم: مع السلطة أو في معارضتها، وهو ما لا يبدو غريباً إزاء ما شاع عن منهجهم في "المعارضة" الذي حافظوا فيه على استعدادهم للمقايضة والدخول في صفقات سياسية، وقتما سنحت الفرصة.
رحل إسحق الفرحان، وفي السنوات القليلة السابقة لوفاته، عمدت الحكومة الأردنية إلى تعديل المناهج التعليمية قليلاً، لكنه تعديلٌ ذهب بها لتشذيب ما اعتبر أفكاراً سلفية متطرفة في بعض المناهج، من دون مساس جوهر الاتجاه العام لهذه المناهج الذي ما يزال يدرّس، أو يلقّن، وجهة نظر واحدة، دينية محافظة، ويمنع الفلسفة والفكر، ويغض النظر عن تعليم المسرح والموسيقى ومجمل الفنون، ولا يعتني كثيراً بالإبداع.
سيظل إسحق الفرحان خالداً، ما بقي التعليم الأردني على حاله، وما بقي تعليم الفلسفة والفنون مُداناً ومستبعداً: هكذا يعتقد أنصار الفرحان وخصومه، سواءً بسواء.