01 أكتوبر 2022
لأن السياسة دوّارة.. حماس نموذجاً
جنازة مهيبة جديدة في غزة، ودعوات الثأر والنار تخاطب السماء من جديد، لكن هذه المرة في اتجاهٍ مختلف. القيادي في حركة حماس، عطالله أبوالسبح، وصف الفاعلين بأنهم "أئمة الكفر"، ودعا كتائب عز الدين القسام للثأر له.
الجسد الملفوف في علم الحركة يحمل اسم عضو كتائب القسام، نضال الجعفري، والفاعلون، أئمة الكفر، هم رجال الدولة الإسلامية شخصياً. كان الجعفري قد أوقف مع رفاقه شخصين متوجهين لعبور الحدود إلى مصر في منطقة مهجورة، اقترب أحدهما من قوة "حماس" ليباغتهم بتفجير نفسه سالباً حياة الجعفري، ومانحاً سبباً إضافياً لتقارب حمساوي مصري لافت أخيرا.
أعلنت حركة حماس، خلال الشهر الماضي، بدء بناء منطقة عازلة على الحدود، كتب دم الجعفري شهادة صدق هذه المبادرة.
ولم يتأخر الرد المصري طويلاً، فقد شهدنا أخيرا انتظام مرور شاحنات الوقود إلى القطاع دوريا، وكذلك ظهرت واقعة الجعفري في أشد وسائل الإعلام المصرية موالاة للنظام. وتزامن ذلك مع إعلان المتحدث باسم "حماس"، قبل أيام، عن فتح المنطقة التجارية بين مصر وغزة فور ترميم المعبر القديم، وأن وفدا فلسطينيا في القاهرة يناقش آلية عمل المعبر التجاري، وكيفية دخول السلع المطلوبة.
ليست هذه هي المشاهد الدرامية الوحيدة هنا. في أوائل العام الحالي، زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، القاهرة للمرة الأولى منذ "30 يونيو"، وصرح بعدها بأن علاقة الحركة بالقاهرة تشهد نقلة نوعية. ومنذ نحو شهر، زار قائد "حماس" في غزة، يحيي السنوار، مصر على رأس وفد رسمي، ليتم الإعلان بعدها بأيام عن إنشاء المنطقة العازلة، بطول اثني عشر كيلومترا وبعمق نحو مائة متر داخل الأراضي الفلسطينية، إلى جانب نشر منظومة مراقبة متطورة. كما أن حذف حماس كل إشارة لجماعة الإخوان المسلمين من ميثاقها الجديد، وهي التي كانت مذكورة سبع مرات في الميثاق القديم، يقدم خطوة عملية أخرى.
التحولات الدرامية لا تنتهي. قبل أقل من شهر، شارك محمد دحلان في اجتماع المجلس التشريعي في غزة، حاضراً بصورته وصوته عبر "فيديو كونفرانس". من كان يتخيل قبل عشر سنوات، حين كان رجال حماس "يحسمون" ويقتحمون المقار الأمنية التابعة لهذا الرجل، وينشرون "خطة دايتون"، أننا سننتهي للحديث عن وجوب احترام تمثيل دحلان فئة من الشعب الفلسطيني؟
بالتأكيد، لم تتغير هذه الخنادق لأي أسباب عاطفية مفاجئة. من الجانب المصري مثلاً، أصبح النظام المصري يدرك أنه لا غنى عن دور "حماس" في ضبط الحدود، ومنع استخدام غزة ملاذا لولاية سيناء. وفي الملف نفسه، تحتفظ "حماس" بعداء جذري مع السلفية الجهادية في غزة منذ سحقت "إمارة رفح" في 2009، قتلوا رجالهم داخل مسجد ابن تيمية، ونسفوا منزل قائدهم، أبو النور المقدسي، فوق رأسه، وهذا الثأر لم ينس أبداً. لذلك، تحفل إصدارات "داعش" بالتهديد والوعيد لحركة حماس. .. ببساطة، لكلا الطرفين عدو مشترك، وأصبح لهما مصلحة في مواجهة تهديده.
على الجانب الآخر، لم تنزل الهداية الإلهية فجأة على دحلان، لكن نزلت عليه الرعاية الإماراتية والمصرية، وهي سبيلٌ مهم لآلية دائمة لفتح المعبر، وتخليص حركة حماس من أعباء الحصار والمطالبات الشعبية، خصوصا بعد ضغوط أبومازن الهائلة بعد تقليصه الرواتب، وأيضاً بعد تقلب رياح الربيع العربي، وحلول إدارة أميركية لا تعبأ بالمنطقة، وغيرها من عوامل جعلت ظروف "حماس" أصعب.
وعلى الجانب الآخر، لم يتذكر دحلان فجأة حقوق القرابة والجيرة لرفاق طفولته من "حماس"، لكنه بعد تمكّن أبو مازن من قطع أقدامه في الضفة، وفصله من حركة فتح كلياً، لم يعد له منفذ لدخول الساحة الفلسطينية مجدّداً إلا عبر بوابة غزة.
السياسة بطبيعتها دوارة، لعل ما حدث ويحدث مع "حماس" يُعلم كثيرين من أتباع "التطهرية السياسية" دروساً عملية، لا نظرية.
الجسد الملفوف في علم الحركة يحمل اسم عضو كتائب القسام، نضال الجعفري، والفاعلون، أئمة الكفر، هم رجال الدولة الإسلامية شخصياً. كان الجعفري قد أوقف مع رفاقه شخصين متوجهين لعبور الحدود إلى مصر في منطقة مهجورة، اقترب أحدهما من قوة "حماس" ليباغتهم بتفجير نفسه سالباً حياة الجعفري، ومانحاً سبباً إضافياً لتقارب حمساوي مصري لافت أخيرا.
أعلنت حركة حماس، خلال الشهر الماضي، بدء بناء منطقة عازلة على الحدود، كتب دم الجعفري شهادة صدق هذه المبادرة.
ولم يتأخر الرد المصري طويلاً، فقد شهدنا أخيرا انتظام مرور شاحنات الوقود إلى القطاع دوريا، وكذلك ظهرت واقعة الجعفري في أشد وسائل الإعلام المصرية موالاة للنظام. وتزامن ذلك مع إعلان المتحدث باسم "حماس"، قبل أيام، عن فتح المنطقة التجارية بين مصر وغزة فور ترميم المعبر القديم، وأن وفدا فلسطينيا في القاهرة يناقش آلية عمل المعبر التجاري، وكيفية دخول السلع المطلوبة.
ليست هذه هي المشاهد الدرامية الوحيدة هنا. في أوائل العام الحالي، زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، القاهرة للمرة الأولى منذ "30 يونيو"، وصرح بعدها بأن علاقة الحركة بالقاهرة تشهد نقلة نوعية. ومنذ نحو شهر، زار قائد "حماس" في غزة، يحيي السنوار، مصر على رأس وفد رسمي، ليتم الإعلان بعدها بأيام عن إنشاء المنطقة العازلة، بطول اثني عشر كيلومترا وبعمق نحو مائة متر داخل الأراضي الفلسطينية، إلى جانب نشر منظومة مراقبة متطورة. كما أن حذف حماس كل إشارة لجماعة الإخوان المسلمين من ميثاقها الجديد، وهي التي كانت مذكورة سبع مرات في الميثاق القديم، يقدم خطوة عملية أخرى.
التحولات الدرامية لا تنتهي. قبل أقل من شهر، شارك محمد دحلان في اجتماع المجلس التشريعي في غزة، حاضراً بصورته وصوته عبر "فيديو كونفرانس". من كان يتخيل قبل عشر سنوات، حين كان رجال حماس "يحسمون" ويقتحمون المقار الأمنية التابعة لهذا الرجل، وينشرون "خطة دايتون"، أننا سننتهي للحديث عن وجوب احترام تمثيل دحلان فئة من الشعب الفلسطيني؟
بالتأكيد، لم تتغير هذه الخنادق لأي أسباب عاطفية مفاجئة. من الجانب المصري مثلاً، أصبح النظام المصري يدرك أنه لا غنى عن دور "حماس" في ضبط الحدود، ومنع استخدام غزة ملاذا لولاية سيناء. وفي الملف نفسه، تحتفظ "حماس" بعداء جذري مع السلفية الجهادية في غزة منذ سحقت "إمارة رفح" في 2009، قتلوا رجالهم داخل مسجد ابن تيمية، ونسفوا منزل قائدهم، أبو النور المقدسي، فوق رأسه، وهذا الثأر لم ينس أبداً. لذلك، تحفل إصدارات "داعش" بالتهديد والوعيد لحركة حماس. .. ببساطة، لكلا الطرفين عدو مشترك، وأصبح لهما مصلحة في مواجهة تهديده.
على الجانب الآخر، لم تنزل الهداية الإلهية فجأة على دحلان، لكن نزلت عليه الرعاية الإماراتية والمصرية، وهي سبيلٌ مهم لآلية دائمة لفتح المعبر، وتخليص حركة حماس من أعباء الحصار والمطالبات الشعبية، خصوصا بعد ضغوط أبومازن الهائلة بعد تقليصه الرواتب، وأيضاً بعد تقلب رياح الربيع العربي، وحلول إدارة أميركية لا تعبأ بالمنطقة، وغيرها من عوامل جعلت ظروف "حماس" أصعب.
وعلى الجانب الآخر، لم يتذكر دحلان فجأة حقوق القرابة والجيرة لرفاق طفولته من "حماس"، لكنه بعد تمكّن أبو مازن من قطع أقدامه في الضفة، وفصله من حركة فتح كلياً، لم يعد له منفذ لدخول الساحة الفلسطينية مجدّداً إلا عبر بوابة غزة.
السياسة بطبيعتها دوارة، لعل ما حدث ويحدث مع "حماس" يُعلم كثيرين من أتباع "التطهرية السياسية" دروساً عملية، لا نظرية.