05 نوفمبر 2024
المغرب والجزائر.. الحرب أولها كلام
ظلت العلاقة بين الجارين الغربيين للأمة محكومة بتدبير التوتر، أسلوبا في تدبير الصراع بشأن ملف شائك ومصنوع في الدهاليز النظامية، أكثر مما هو نتاج فعل التاريخ أو السياسة، غير أنها المرة الأولى الذي لا يتردّد الحقل السياسي المغربي في طرح مؤشرات الحرب، منذ قرابة ربع قرن على وقف إطلاق النار بين المغرب والطرف المباشر في الحرب، جبهة بوليساريو.. هناك أسئلة مقلقة للغاية:
لماذا لوّح المغرب بالحرب هذه المرة، على الرغم من أنه بنى كل سياسته في الدفاع عن حقه التاريخي والشرعي في الوحدة الترابية والإنسانية على هوية سلمية، منذ الأصل إلى.. التوتر؟ كان المغرب، منذ البداية، ميالا إلى تسريع وحدته الترابية، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والصحراء وقتها مستعمرة إسبانية، وبقية من بقايا التقسيم الاستعماري الذي طاول بلاد الغرب الإسلامي، حيث تقاسمت دولتان استعماريتان، هما فرنسا وإسبانيا، التراب المغربي: الشمال والجنوب لإسبانيا، والوسط والشرق والغرب لفرنسا. ورافق هذا التعقيد في الاستعمار تعقيد في الاستقلال، بحيث ظل المغرب، وما زال، يطالب باستكمال حرية أراضيه. وقد اعتقد متابعون عديدون أن السلمية، باعتبارها عقيدة دبلوماسية للمغرب لن يشوّش عليها أي طارئ، باعتبار الاندفاعة الشعبية والانفراج السياسي اللذين رافقاها. ولمبررات النزوع السلمي مرتكزات أهمها:
أولا، حرّك المغرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، عشرات الآلاف من نسائه ورجاله المدنيين، في مسيرة سلمية بحتة، نحو الصحراء. وكان الملك الراحل الحسن الثاني، وقتها قد خرج من وضع صعب للغاية، جرّاء محاولتين انقلابيتين، قام بهما أقرب الناس إليه، كالجنرال محمد أوفقير، ذراعه الأمني والعسكري في مواجهة المعارضة التي تعرّف نفسها استمرارا لحركة التحرير الشعبية، وحاملة لواء جيش التحرير، في الشمال والصحراء معا. إضافة إلى محاولة ثورية للتسلل المسلح ومحاولة زرع حرب التحرير الشعبية، قادها معارضون للملك في 1973. وكانت المسيرة لتحرير الصحراء أداة وطنية في يد الحكم والمعارضة، لاستئناف العقد الوطني المحرّر في 1944 بين الحركة الوطنية والعاهل محمد الخامس الذي سيتم نفيه، بعد أن انحاز للحركة المطالبة باستقلال البلاد، من أجل البناء الوطني وتحرير الأرض وإقامة النظام الديمقراطي، غير أن هذا الأصل السلمي في استرجاع الصحراء لم يمنع قيام الحرب في المناطق المسترجعة، وإعلان جزء من طلبة صحراويين دخولهم في المغامرة الحربية، بدعم واضح وجلي، ترابي وعسكري ولوجيستيكي، من النظام الجزائري، ثم الليبي في عهد العقيد القذافي، وهي الحرب التي استمرت إلى حين توقيع اتفاق إطلاق النار في سبتمبر/ أيلول 1991.
ثانيا، حسم المغرب الحرب لفائدته عمليا بتمشيط الصحراء كلها، ثم كان بناء الستار الأمني، أو الجدار الرملي، نقطة توقيع نهاية المواجهة، ليتراجع الخيار العسكري في وضع نقطة نهايةٍ للنزاع. وكان ذلك بتسجيل استحالة الحسم العسكري على الأرض، ليفتح باب البحث الجدي، من خلال معركة السلم. وهذا ما شجع على تكريس البعد السلمي في النزاع، أو السلام المسلح بين أطرافه، المعلنين والمستترين.
ثالثا، القبول المغربي بمبدأ الاستفتاء في الصحراء، في صيف 1981، بناء على "نصيحة" من أصدقائه الغربيين، ولا سيما فرنسا، وهو الموقف الذي جرّ البلاد إلى مواجهاتٍ سياسيةٍ قاسية، كان من نتائجها سجن أحد القادة الوطنيين، عبد الرحيم بوعبيد الذي قاد المفاوضات مع فرنسا وقت الاستعمار، ويعد مهندس الاقتصاد الوطني المستقل، بعد أن كان قد عارض الحسن الثاني بشأن مبدأ الاستفتاء بعبارة شهيرة استوحت قولة يوسف عليه السلام "رب السجن أحب إلي من أن ألزم الصمت في قضية مصيرية"، وهو الموقف الذي أقرّ الملك الراحل به بعد سنوات، وأقر بعدم توفيقه في قبول الاستفتاء. ولعل الارتباط بالقضية الترابية هو جوهر المواقف في كل اختيار سياسي داخلي، ما يجعل من الصعب تصور تجاوز الوحدة الترابية في بناء الهوية، أو صناعة الانتقالات الكبرى، تاريخية أو ديموقراطية في المغرب المعاصر.
رابعا، الانتقال المغربي من قبول الاستفاء إلى تقديم مقترح الحكم الذاتي، والذي يعد مخرجا من وضع الاستحالة التي وجد فيه الملف بعد فشل محاولة تنظيم الاستفتاء، وعدم اتفاق الأطراف المعنية بالنزاع على جدوله، والمشاركين فيه، وأدوات ترتيبه، غير أن الحكم الذاتي الذي وصفته الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالمقترح الجدي وذي المصداقية ما زال يتعرّض لمحاولة التجاوز من بوليساريو وداعمها الديبلوماسي، والسير نحو المبدأ العام لتقرير المصير. ويعتبر المغرب أنه ليس المسؤول عن فشل الاستفتاء، بل الأمم المتحدة، باعتبار أن إعلان استحالة تنظيمه جاء في تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام، بيتر فالسوم وقبله جيمس بيكر ومن جاء بعده، إضافة إلى قناعة أمناء عامين باستحالة تنظيمه، غير أن هذا السجل السلمي الذي بدا أنه يشكل الأساس المهيكل للسلوك الديبلوماسي في المنطقة يواجه تحولا أخطر على مستوى الأرض، وكذلك في معادلات الصراع.
خامسا، نص اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء على وجود مناطق عازلة وأخرى ذات قيود محددة، شرق الجدار الأمني وغربه. ولطالما أعلنت جبهة بوليساريو أنها أراضٍ محرّرة، على الرغم من أنه لا وجود لتعبير مثل هذا في قرار وقف إطلاق النار، ولا في وثائق الأمم المتحدة. وفي السنة التي نحن بصددها، أعلنت أنها ستنقل مؤسسات عديدة لها إلى هذه المناطق، وهو ما أعلن المغرب رفضه، ودعا إلى تحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤوليته في تطبيق وقف إطلاق النار. والعنصر الجديد في قضية تيفاريتي وتحركات البوليساريو هو السعي إلى إيجاد "بنية" دولة مهما صغرت لإتمام ثلاثية الشرط الضروري دوليا لإعلان الدولة التي تم إطلاق وجودها الدبلوماسي والعسكري، قبل وجودها الفعلي القانوني، أي أن الجبهة أعلنت دولة بدون وجود لا أرض ولا دولة ولا شعب. الجديد هو رد المغرب، فهي المرة الأولى التي ترد فيه كلمة حرب في تعبير ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة. ومنذ وقف إطلاق النار، أي قرابة 27 سنة، لم ترد في أية مراسلة مغربية رسمية عبارة تفيد عودة شبح الحرب، فبعد أن ذكر، في رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، قال السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال إن "العديد من العناصر المسلحة للبوليساريو دخلت هذه المنطقة على متن مركبات عسكرية ونصبت الخيام، وحفرت خندقا، وأقامت سواتر بأكياس من الرمل"، وإن "المغرب لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الوضع على الأرض". وإن تحريك أي بنية
مدنية أو عسكرية أو إدارية أو أيا كانت طبيعتها، لجبهة بوليساريو، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية، تشكل "عملا مؤديا إلى الحرب". وأضاف إن
"المغرب طالب ويطالب دوما بأن تشارك الجزائر في المسلسل السياسي، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة في البحث عن الحل"، مشدّدا على أنه في وسع الجزائر "أن تلعب دورا على قدر مسؤوليتها في نشأة هذا النزاع الإقليمي وتطوره". وتريد الجزائر التي تعد المشارك الرسمي في الحرب الدبلوماسية أن تقدم نفسها مهتما مراقبا، وهو ما رفضه المغرب في ثلاث مناسبات على الأقل.
قد لا يكون الوضع الدولي، والعواصم الدولية مستعدة للتسليم بقرار الحرب في المنطقة، وليس من مصلحة القوى العظمى فتح جبهة غربية للتفكك العربي الواسع، غير أن نخبة مغربية، سياسية وإعلامية، وفي مراكز القرار، لا تخفي تخوفها من تغير معطيات التوازن الداخلي في النظام الجزائري الجار، فالجميع يتفق على تحليل يفيد بأن "ورقة الصحراء حاسمة في منح الشرعية السياسية" لدى نخبة الدولة الجارة. ويذكّر أصحاب هذا التحليل بتطورات القضية، منذ السبعينيات، حيث إن النزاع مع المغرب كان ورقة في تأهيل النخبة التي قادت الانقلاب ضد الرئيس الأول، أحمد بن بلة، والذي كان خصومه، وفي مقدمتهم قائد الانقلاب، هواري بومدين، ينعته بالمروكي (المغربي)، علما أنه الرئيس الذي خاض حرب الرمال، في النزاع الذي اندلع في 1963، بين البلدين قبل مسيرة الخضراء المغربية إلى الصحراء بعقد.
وقد يغري التنافس الإقليمي بالحسم العسكري، لا سيما مع تزايد التموقع المغربي داخل أفريقيا التي كانت ساحة فارغة مؤسساتيا، ومع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بل نزوعه إلى اختراق عواصم ودول كانت تعتبر من العواصم الكبرى في دعم جبهة بوليساريو والمحور الجزائري. وبالنسبة لمحللين مغاربة كثيرين، فإن النزاع قد يتطور لأسباب داخلية مرتبطة بهندسة الدولة الجارة، مع وجود محيط إقليمي، يشجع على النزعة العسكرية، لا سميا عندما يكون الطابع الخاص بالدولة يمتح من العسكرتارية.
خلاصة القول إن هناك ثوابت تدعو إلى السلام، وهناك أيضا تغيرات على الأرض، قد تسعفها تطوراتٌ إقليمية، كما أن هناك تطوراً في القاموس، والحرب أولها كلام.
لماذا لوّح المغرب بالحرب هذه المرة، على الرغم من أنه بنى كل سياسته في الدفاع عن حقه التاريخي والشرعي في الوحدة الترابية والإنسانية على هوية سلمية، منذ الأصل إلى.. التوتر؟ كان المغرب، منذ البداية، ميالا إلى تسريع وحدته الترابية، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والصحراء وقتها مستعمرة إسبانية، وبقية من بقايا التقسيم الاستعماري الذي طاول بلاد الغرب الإسلامي، حيث تقاسمت دولتان استعماريتان، هما فرنسا وإسبانيا، التراب المغربي: الشمال والجنوب لإسبانيا، والوسط والشرق والغرب لفرنسا. ورافق هذا التعقيد في الاستعمار تعقيد في الاستقلال، بحيث ظل المغرب، وما زال، يطالب باستكمال حرية أراضيه. وقد اعتقد متابعون عديدون أن السلمية، باعتبارها عقيدة دبلوماسية للمغرب لن يشوّش عليها أي طارئ، باعتبار الاندفاعة الشعبية والانفراج السياسي اللذين رافقاها. ولمبررات النزوع السلمي مرتكزات أهمها:
أولا، حرّك المغرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، عشرات الآلاف من نسائه ورجاله المدنيين، في مسيرة سلمية بحتة، نحو الصحراء. وكان الملك الراحل الحسن الثاني، وقتها قد خرج من وضع صعب للغاية، جرّاء محاولتين انقلابيتين، قام بهما أقرب الناس إليه، كالجنرال محمد أوفقير، ذراعه الأمني والعسكري في مواجهة المعارضة التي تعرّف نفسها استمرارا لحركة التحرير الشعبية، وحاملة لواء جيش التحرير، في الشمال والصحراء معا. إضافة إلى محاولة ثورية للتسلل المسلح ومحاولة زرع حرب التحرير الشعبية، قادها معارضون للملك في 1973. وكانت المسيرة لتحرير الصحراء أداة وطنية في يد الحكم والمعارضة، لاستئناف العقد الوطني المحرّر في 1944 بين الحركة الوطنية والعاهل محمد الخامس الذي سيتم نفيه، بعد أن انحاز للحركة المطالبة باستقلال البلاد، من أجل البناء الوطني وتحرير الأرض وإقامة النظام الديمقراطي، غير أن هذا الأصل السلمي في استرجاع الصحراء لم يمنع قيام الحرب في المناطق المسترجعة، وإعلان جزء من طلبة صحراويين دخولهم في المغامرة الحربية، بدعم واضح وجلي، ترابي وعسكري ولوجيستيكي، من النظام الجزائري، ثم الليبي في عهد العقيد القذافي، وهي الحرب التي استمرت إلى حين توقيع اتفاق إطلاق النار في سبتمبر/ أيلول 1991.
ثانيا، حسم المغرب الحرب لفائدته عمليا بتمشيط الصحراء كلها، ثم كان بناء الستار الأمني، أو الجدار الرملي، نقطة توقيع نهاية المواجهة، ليتراجع الخيار العسكري في وضع نقطة نهايةٍ للنزاع. وكان ذلك بتسجيل استحالة الحسم العسكري على الأرض، ليفتح باب البحث الجدي، من خلال معركة السلم. وهذا ما شجع على تكريس البعد السلمي في النزاع، أو السلام المسلح بين أطرافه، المعلنين والمستترين.
ثالثا، القبول المغربي بمبدأ الاستفتاء في الصحراء، في صيف 1981، بناء على "نصيحة" من أصدقائه الغربيين، ولا سيما فرنسا، وهو الموقف الذي جرّ البلاد إلى مواجهاتٍ سياسيةٍ قاسية، كان من نتائجها سجن أحد القادة الوطنيين، عبد الرحيم بوعبيد الذي قاد المفاوضات مع فرنسا وقت الاستعمار، ويعد مهندس الاقتصاد الوطني المستقل، بعد أن كان قد عارض الحسن الثاني بشأن مبدأ الاستفتاء بعبارة شهيرة استوحت قولة يوسف عليه السلام "رب السجن أحب إلي من أن ألزم الصمت في قضية مصيرية"، وهو الموقف الذي أقرّ الملك الراحل به بعد سنوات، وأقر بعدم توفيقه في قبول الاستفتاء. ولعل الارتباط بالقضية الترابية هو جوهر المواقف في كل اختيار سياسي داخلي، ما يجعل من الصعب تصور تجاوز الوحدة الترابية في بناء الهوية، أو صناعة الانتقالات الكبرى، تاريخية أو ديموقراطية في المغرب المعاصر.
رابعا، الانتقال المغربي من قبول الاستفاء إلى تقديم مقترح الحكم الذاتي، والذي يعد مخرجا من وضع الاستحالة التي وجد فيه الملف بعد فشل محاولة تنظيم الاستفتاء، وعدم اتفاق الأطراف المعنية بالنزاع على جدوله، والمشاركين فيه، وأدوات ترتيبه، غير أن الحكم الذاتي الذي وصفته الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالمقترح الجدي وذي المصداقية ما زال يتعرّض لمحاولة التجاوز من بوليساريو وداعمها الديبلوماسي، والسير نحو المبدأ العام لتقرير المصير. ويعتبر المغرب أنه ليس المسؤول عن فشل الاستفتاء، بل الأمم المتحدة، باعتبار أن إعلان استحالة تنظيمه جاء في تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام، بيتر فالسوم وقبله جيمس بيكر ومن جاء بعده، إضافة إلى قناعة أمناء عامين باستحالة تنظيمه، غير أن هذا السجل السلمي الذي بدا أنه يشكل الأساس المهيكل للسلوك الديبلوماسي في المنطقة يواجه تحولا أخطر على مستوى الأرض، وكذلك في معادلات الصراع.
خامسا، نص اتفاق وقف إطلاق النار في الصحراء على وجود مناطق عازلة وأخرى ذات قيود محددة، شرق الجدار الأمني وغربه. ولطالما أعلنت جبهة بوليساريو أنها أراضٍ محرّرة، على الرغم من أنه لا وجود لتعبير مثل هذا في قرار وقف إطلاق النار، ولا في وثائق الأمم المتحدة. وفي السنة التي نحن بصددها، أعلنت أنها ستنقل مؤسسات عديدة لها إلى هذه المناطق، وهو ما أعلن المغرب رفضه، ودعا إلى تحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤوليته في تطبيق وقف إطلاق النار. والعنصر الجديد في قضية تيفاريتي وتحركات البوليساريو هو السعي إلى إيجاد "بنية" دولة مهما صغرت لإتمام ثلاثية الشرط الضروري دوليا لإعلان الدولة التي تم إطلاق وجودها الدبلوماسي والعسكري، قبل وجودها الفعلي القانوني، أي أن الجبهة أعلنت دولة بدون وجود لا أرض ولا دولة ولا شعب. الجديد هو رد المغرب، فهي المرة الأولى التي ترد فيه كلمة حرب في تعبير ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة. ومنذ وقف إطلاق النار، أي قرابة 27 سنة، لم ترد في أية مراسلة مغربية رسمية عبارة تفيد عودة شبح الحرب، فبعد أن ذكر، في رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن الدولي، قال السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال إن "العديد من العناصر المسلحة للبوليساريو دخلت هذه المنطقة على متن مركبات عسكرية ونصبت الخيام، وحفرت خندقا، وأقامت سواتر بأكياس من الرمل"، وإن "المغرب لن يقف مكتوف الأيدي أمام تدهور الوضع على الأرض". وإن تحريك أي بنية
"المغرب طالب ويطالب دوما بأن تشارك الجزائر في المسلسل السياسي، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة في البحث عن الحل"، مشدّدا على أنه في وسع الجزائر "أن تلعب دورا على قدر مسؤوليتها في نشأة هذا النزاع الإقليمي وتطوره". وتريد الجزائر التي تعد المشارك الرسمي في الحرب الدبلوماسية أن تقدم نفسها مهتما مراقبا، وهو ما رفضه المغرب في ثلاث مناسبات على الأقل.
قد لا يكون الوضع الدولي، والعواصم الدولية مستعدة للتسليم بقرار الحرب في المنطقة، وليس من مصلحة القوى العظمى فتح جبهة غربية للتفكك العربي الواسع، غير أن نخبة مغربية، سياسية وإعلامية، وفي مراكز القرار، لا تخفي تخوفها من تغير معطيات التوازن الداخلي في النظام الجزائري الجار، فالجميع يتفق على تحليل يفيد بأن "ورقة الصحراء حاسمة في منح الشرعية السياسية" لدى نخبة الدولة الجارة. ويذكّر أصحاب هذا التحليل بتطورات القضية، منذ السبعينيات، حيث إن النزاع مع المغرب كان ورقة في تأهيل النخبة التي قادت الانقلاب ضد الرئيس الأول، أحمد بن بلة، والذي كان خصومه، وفي مقدمتهم قائد الانقلاب، هواري بومدين، ينعته بالمروكي (المغربي)، علما أنه الرئيس الذي خاض حرب الرمال، في النزاع الذي اندلع في 1963، بين البلدين قبل مسيرة الخضراء المغربية إلى الصحراء بعقد.
وقد يغري التنافس الإقليمي بالحسم العسكري، لا سيما مع تزايد التموقع المغربي داخل أفريقيا التي كانت ساحة فارغة مؤسساتيا، ومع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بل نزوعه إلى اختراق عواصم ودول كانت تعتبر من العواصم الكبرى في دعم جبهة بوليساريو والمحور الجزائري. وبالنسبة لمحللين مغاربة كثيرين، فإن النزاع قد يتطور لأسباب داخلية مرتبطة بهندسة الدولة الجارة، مع وجود محيط إقليمي، يشجع على النزعة العسكرية، لا سميا عندما يكون الطابع الخاص بالدولة يمتح من العسكرتارية.
خلاصة القول إن هناك ثوابت تدعو إلى السلام، وهناك أيضا تغيرات على الأرض، قد تسعفها تطوراتٌ إقليمية، كما أن هناك تطوراً في القاموس، والحرب أولها كلام.