وعلى رأس الكتب التي أشغلها المؤلف بهذا السؤال: "تجديد في الفكر العربي"، إلى جانب كتبه "المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري"، و"ثقافتنا في مواجهة العصر"، و"مجتمع جديد أو الكارثة"، و"في تحديث الثقافة العربية".
نجد محمود، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، يقول في كتابه "تجديد الفكر العربي" إن السؤال الذي ألح عليه طيلة حياته هو "سؤال طرح نفسه على المفكّر العربي منذ أوائل القرن الماضي وظفر منه بإجابات تتفاوت إيجازاً وإطناباً، وضوحاً وغموضاً، صواباً وخطأ".
يرى الكاتب أنه، ورغم قدم السؤال، لم يكن بين تلك الإجابات إجابة تقطع الشك باليقين، أما هذا السؤال فهو الذي يَسأل عن طريقٍ للفكر العربي المعاصر يضمن له أن يكون عربياً حقاً ومعاصراً حقاً، إذ قد يبدو أن ثمة تناقضاً أو ما يشبه التناقض بين الحدَّين، كما يعتقد الكاتب.
دعى محمود في كتابه هذا إلى انتفاضة في مجالات الفكر؛ بدءاً باللغة وليس انتهاء بالفلسفة، وكان يرى أن في أحادية النظرة والأفكار والتصورات المسبقة والخرافات تقف حائلاً أمام نضوج الثقافة.
ورأى أن "مشكلة المشكلات في حياتنا الثقافية الراهنة ليست هي: كم أخذنا من ثقافات الغرب وكم ينبغي لنا أن نزيد؟ وإنما المشكلة في الحقيقة هي: كيف نوائم بين ذلك الفكر الواحد الذي بغيره يفلت منا عصرنا أو نفلت منه، وبين تراثنا الذي بغيره تفلت منا عروبتنا أو نفلت منها؟".
كانت فكرة محمود الدائمة تفتش عن إجابة عن سؤال: "كيف السبيل الى ثقافة موحّدة متّسقة يعيشها مثقّف حي في عصرنا هذا، حيث يندمج فيها المنقول والأصيل في نظرة واحدة؟".
خاض محمود في كتبه المختلفة باحثاً عن جواب، منذ أن ترك مصر متوجّهاً إلى دراسة الفلسفة في إنكلترا حيث حصل على درجة الدكتوراه فيها من جامعة لندن عام 1947، وكانت أطروحته بعنوان "الجبر الذاتي".
درّس المفكّر المصري في عدة جامعات عربية وعالمية، حيث عمل أستاذاً لفترة في جامعة الكويت، ثم سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية وعمل أستاذاً زائراً في جامعة كولومبيا بولاية كارولينا الجنوبية، ودرّس أيضاً في جامعة بولمان بولاية واشنطن.
أسس محمود عام 1965، مجلّة فلسفية بعنوان "الفكر المعاصر" وكان يكتب فيها مقالاً ثابتاً بعنوان "تيارات فلسفية"، كما كان له عمود أسبوعي ثابت في صحيفة "الأهرام"، وكانت خمس صحف عربية أخرى تنشر هذا المقال في نفس يوم صدوره بالقاهرة.
يقول عنه الكاتب والأكاديمي التونسي نجم الدين خلف الله، في مقال سابق نشرته "العربي الجديد": "عمل زكي نجيب محمود مَشروعاً نقدياً متكاملاً، ضمَّ بين دفَّتيْه رؤية نسقية لكل قضايا إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى منعطف التسعينيات، أي قبيل الثورة الإعلامية والرقمية، حين كان العالم ما يزال يحلم بالمواءمة - ضمن الرؤية الفلسفية الواحدة - بين اقتضاءات الروح والعقل، الحرية والجبر".
ويتابع: "كان خطابه متكاملاً لأنه هضم سائر التيارات الفلسفية الأنغلوسكسونية ولا سيما التحليلية، واستعاد من خلالها مقالات أسلافه العرب، وكان من ثمرات تلك المكافحة، حصادٌ يقارب الستين كتاباً، صيغت في لغة سلسة وأسلوبٍ متين، غير أن قطيعة في التلقي حالت دونه ودون جماهيرية موسّعة".
يعتبر خلف الله أن منجز محمود "لا يزال أمامنا قادراً على تغذية بعض تيارات الفكر العربي الجديد، فالفلسفة التحليلية أداة تفيد في نقد الفكر، وتعرية سقيم الصياغات وخاطِئِ التأويلات".