طرحت قصة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي بعد دخول مقر قنصلية بلاده في إسطنبول وعدم خروجه منها، العديد من الأسئلة حول تداعيات اختفائه، واحتمالات خطفه وقتله من قبل أجهزة الحكم في المملكة العربية السعودية.
ورغم أن السؤال الأبرز لا يزال حتى الآن هو "ما مصير خاشقجي"؟ لكنّ هناك سؤالاً آخر يتعلق بالإجراءات القانونية والدولية التي من الممكن أن تتبع اختفاء الصحافي السعودي. فماذا لو توصلت السلطات التركية بالفعل إلى دليل يثبت خطف خاشقجي على يد الحكومة السعودية، وإلى أي مدى يمكن تصعيد القضية على المستوى الدولي؟
يخبرنا التاريخ من خلال إحدى صفحاته، عن واقعة حدثت لمرة واحدة، عندما اجتمع مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة لمناقشة خطف إحدى الشخصيات. وكان ذلك في بداية ستينيات القرن الماضي عندما خطفت دولة الاحتلال الإسرائيلي الألماني أدولف أيخمان. وتمت إدانة دولة الاحتلال بالإجماع، رغم أن أيخمان كان متهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأيخمان كان أحد المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث، وكان ضابطاً في القوات الخاصة الألمانية أو ما تعرف بقوات "العاصفة". ولد في 19 مارس/ آذار 1906، ورحل في 1 يونيو/حزيران 1962، وتعود إليه مسؤولية الترتيبات اللوجستية كرئيس لجهاز البوليس السري "غيستابو" في إعداد مستلزمات المدنيين في معسكرات الاعتقال وإبادتهم فيما عرف آنذاك بـ"الحل الأخير". تعاون أيخمان في البداية مع اليهودي رودلف كاستنر بتهجير العديد من يهود المجر إلى سويسرا بدل أن يقتلوا في أوشفيتز.
لكن في منتصف الثلاثينيات عمل أيخمان في مكتب لجهاز الأمن الذي هدف إلى مراقبة الأنشطة اليهودية، وتعامل مع موظفين صهاينة وقام أيضاً بجولة تفقدية في فلسطين عام 1937. واستفاد أيخمان بالجهد الذي بذله لتنظيم الهجرة اليهودية الصهيونية من ألمانيا بكل الوسائل الموجودة للقيام بأنشطة أخرى في المستقبل.
في 1937 غادر إلى فلسطين لدراسة جدوى ترحيل اليهود من ألمانيا إلى فلسطين، وبسبب عدم حصوله على تأشيرة دخول من السلطات البريطانية لم يتمكن من دخول فلسطين، ليتوجه بعدها إلى القاهرة حيث التقى أحد عناصر منظمة الهاغاناه، كما التقى مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.
وفي النهاية، كتب أيخمان تقريره الذي يخالف فكرة ترحيل اليهود بشكل جماعي إلى فلسطين لأسباب اقتصادية، ولتعارض فكرة إنشاء دولة يهودية مع الفكر النازي.
وفي خريف 1941 شارك أيخمان كقائد وكولونيل قوات الأمن الخاصة وفرع IVB4 لمكتب الأمن الرئيسي للرايخ في مناقشات لبرنامج إبادة يهود أوروبا. وكان أيخمان مسؤولاً عن شؤون ترحيل اليهود من كل أنحاء أوروبا إلى مراكز القتل عندما أجبره قائد مكتب الأمن الرئيسي راينهارد هايدريخ على تحضير محاضرة لمؤتمر وانسيي، حيث نصح موظفو مكتب الأمن الرئيسي للرايخ مؤسسات الحكومة والحزب النازي ببرامج "الحل النهائي".
وبعد انتهاء الحرب هرب أيخمان سراً إلى عدة دول إلى أن استقر في الأرجنتين متخفياً باسم جديد وشخصية جديدة، مبتعداً عن أية مظاهر قد تفضحه أو تكشف شخصيته الحقيقية، حتى عام 1960 عندما قبض عليه عملاء للموساد ونقلوه إلى إسرائيل، حيث حوكم ودين وشُنق عام 1962.