"الله يجيرنا من هالضحكات"، كانوا يقولون لنا كلّما علت ضحكاتنا أو زادت. وكأنّه ينبغي علينا أن نعيش القلق والخوف والشعور بالذنب عقب كلّ لحظة من الفرح. هكذا بالإضافة إلى الكثير من الموروثات الثقافية التي رسّخت في وعينا هذا النوع من السلوك.
نكاد نصطدم بمنطق متشائم أمام كلّ موقف نواجهه أو حتّى أمام ظاهرة علمية أو فلكية ما. فلكلّ ظاهرة تفسيرها الآخر البعيد عن العلم، وغالباً ما يثير الرعب ويحملك نحو الخوف والارتياب والتشكيك في كلّ ما يمكن أن يكون جميلاً أو هادئاً أو باعثاً على الفرح والارتياح.
لا تفتح شمسية داخل غرف البيوت، فهذا فأل شؤم. ولا ترمِ أحداً بالماء فـ "المياه فراق".
وهذا يعني أنّه سيلي رمي الماء فراق ما بينك وبين من حاولتَ أن تمازحه. لتنتهي المزحة بالحزن والتشاؤم. وغيرها الكثير من الاعتقادات التي دخلت في صلب حياتنا ورحنا نمارسها، وإن من دون قناعة وتبرير، لعلّه تفادياً لوضع أنفسنا في الاختبار الذي اعتدنا أن نخشاه وأن نتحسّب منه.
كانت جدّتي، رحمها الله، تمنعنا من الصراخ ومن إصدار أصوات كالصفير في الليل: لأنّ ذلك قد يأتي بالأفاعي ويقرّبها من دارنا. وإذا خرجنا في الليل أيضاً ورحنا ننظر إلى السماء ونعدّ النجوم، كما يفعل كلّ طفل حول العالم ربما، فهذا "يقصّر الأعمار" ويتسبّب بطلوع الثآليل في أيدينا.
وإذا أكثرنا من الوقوف أمام المرآة فهي مقدّمة ستوصلنا إلى الجنون. إضافة إلى محرّمات من نوع: "لا تعبر من فوق أحدهم إن كان نائماً، فهذا يقصّر من عمره، ولا تعبر فوق أخيك، لأنّ هذا سيوقف نموّه ويمنعه من أن يطول ويصير كبيراً.
اقرأ أيضاً: كم ينقصنا الضحك نحن العرب
ولا ترمِ الماء فوق النار إلا بعد البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم. فمن دونها سيأتي الجنّ. وسواها من لائحة طويلة من الممنوعات والمحرّمات في سلوك قد يكون عفوياً، لكن ستأخذك محاذيره إلى الشعور بالذنب".
في بلدتنا الريفية، وفي الكثير من القرى اللبنانية، والعربية على ما أحسب، قناعات راسخة عند كثيرين، بعيداً عن الدين وموروثه. قناعات انتقلت من جيل إلى جيل ولم يناقشها أحد. وتلعب الصدفة أحياناً دور المؤكِّد على فكرة لتصبح بعدها حقيقة، وبالطبع دون مسوّغ علمي أو منطقي.
فإذا مات أحدهم يوم الاثنين من الأسبوع ستقع مصيبة. إذ يعتقد كثيرون أنّ "فتح المقابر بوفاة أحدهم يوم الاثنين لا يقفله إلا سبع حالات وفاة تليها". ويأتي البعض ليروي لك حصول هذه الحالة مرّات عديدة. ويروح يستذكر وفاة فلان أو علّان ليعدّ من تلاهم ورحل من أبناء البلدة في أسبوع واحد.
وقد يتّفق على بعض العادات كثيرون إذ تتجاوز الجغرافيا البلدة أو المنطقة لتصل إلى حدود الوطن والأمة وتصبح ثقافة عامة. من هنا أعتقد أنّ اللبنانيين، أو معظم محيطنا العربي، يجمعون على التشاؤم من طائر البوم، على عكس ما يعتقده الأوروبيون من أنّ وجود بومة في المنازل قد يأتي بالخير والحظّ الجميل.
اقرأ أيضاً: الضحك والسعادة ينتقلان بالوراثة
وإن أنسَ لا أنسى كيف كان والدي يستعيذ بالله ويستجير من شرّ هذا اليوم إذا ما صادف الماعز في صباحاته، ويستبشر خيراً إذا صادف غنماً، ليعقبها ويقول على الفور: هذه نعمة، فالغنم غنيمة.
ولا أعتقد أنّ مفردات وصياغات جميع اللبنانيين تخلو من تعابير مثل "كشّ برّا وبعيد" و"الدعوة لبرّا"، عند ذكر اسم مرض أو حالة مرضية صعبة، علّ بهذا القول تبتعد المصيبة والمرض عن العائلة وأهل البيت. وقد يصل الخوف عند البعض إلى أن يتفادى أحدهم ذكر اسم المرض ويكتفي بالقول "ذاك المرض"، بترميز عالٍ، كي لا يكون ذكر اسمه "طاقة" يدخل من خلالها ويبْلغ أحدهم.
ثقافة مليئة بالخوف والقلق من كل شيء، ولا نرى من الأشياء إلا إشارات بؤس. فالمقصّ المفتوح فقر، والخزانة المفتوحة بكاء، ونحن المتعبين من المنجّمين، مثقلون بأوهام نصنعها ولا نناقشها. لكأنّنا منذورون للحزن والهمّ والبشاعة. لكأنّ أيّامنا يجب ألا تخلو من الوجع والغضب والتعب.
اقرأ أيضاً: حكواتي: ما بتكون إلا مبسوط
نكاد نصطدم بمنطق متشائم أمام كلّ موقف نواجهه أو حتّى أمام ظاهرة علمية أو فلكية ما. فلكلّ ظاهرة تفسيرها الآخر البعيد عن العلم، وغالباً ما يثير الرعب ويحملك نحو الخوف والارتياب والتشكيك في كلّ ما يمكن أن يكون جميلاً أو هادئاً أو باعثاً على الفرح والارتياح.
لا تفتح شمسية داخل غرف البيوت، فهذا فأل شؤم. ولا ترمِ أحداً بالماء فـ "المياه فراق".
وهذا يعني أنّه سيلي رمي الماء فراق ما بينك وبين من حاولتَ أن تمازحه. لتنتهي المزحة بالحزن والتشاؤم. وغيرها الكثير من الاعتقادات التي دخلت في صلب حياتنا ورحنا نمارسها، وإن من دون قناعة وتبرير، لعلّه تفادياً لوضع أنفسنا في الاختبار الذي اعتدنا أن نخشاه وأن نتحسّب منه.
كانت جدّتي، رحمها الله، تمنعنا من الصراخ ومن إصدار أصوات كالصفير في الليل: لأنّ ذلك قد يأتي بالأفاعي ويقرّبها من دارنا. وإذا خرجنا في الليل أيضاً ورحنا ننظر إلى السماء ونعدّ النجوم، كما يفعل كلّ طفل حول العالم ربما، فهذا "يقصّر الأعمار" ويتسبّب بطلوع الثآليل في أيدينا.
وإذا أكثرنا من الوقوف أمام المرآة فهي مقدّمة ستوصلنا إلى الجنون. إضافة إلى محرّمات من نوع: "لا تعبر من فوق أحدهم إن كان نائماً، فهذا يقصّر من عمره، ولا تعبر فوق أخيك، لأنّ هذا سيوقف نموّه ويمنعه من أن يطول ويصير كبيراً.
اقرأ أيضاً: كم ينقصنا الضحك نحن العرب
ولا ترمِ الماء فوق النار إلا بعد البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم. فمن دونها سيأتي الجنّ. وسواها من لائحة طويلة من الممنوعات والمحرّمات في سلوك قد يكون عفوياً، لكن ستأخذك محاذيره إلى الشعور بالذنب".
فإذا مات أحدهم يوم الاثنين من الأسبوع ستقع مصيبة. إذ يعتقد كثيرون أنّ "فتح المقابر بوفاة أحدهم يوم الاثنين لا يقفله إلا سبع حالات وفاة تليها". ويأتي البعض ليروي لك حصول هذه الحالة مرّات عديدة. ويروح يستذكر وفاة فلان أو علّان ليعدّ من تلاهم ورحل من أبناء البلدة في أسبوع واحد.
وقد يتّفق على بعض العادات كثيرون إذ تتجاوز الجغرافيا البلدة أو المنطقة لتصل إلى حدود الوطن والأمة وتصبح ثقافة عامة. من هنا أعتقد أنّ اللبنانيين، أو معظم محيطنا العربي، يجمعون على التشاؤم من طائر البوم، على عكس ما يعتقده الأوروبيون من أنّ وجود بومة في المنازل قد يأتي بالخير والحظّ الجميل.
اقرأ أيضاً: الضحك والسعادة ينتقلان بالوراثة
وإن أنسَ لا أنسى كيف كان والدي يستعيذ بالله ويستجير من شرّ هذا اليوم إذا ما صادف الماعز في صباحاته، ويستبشر خيراً إذا صادف غنماً، ليعقبها ويقول على الفور: هذه نعمة، فالغنم غنيمة.
ولا أعتقد أنّ مفردات وصياغات جميع اللبنانيين تخلو من تعابير مثل "كشّ برّا وبعيد" و"الدعوة لبرّا"، عند ذكر اسم مرض أو حالة مرضية صعبة، علّ بهذا القول تبتعد المصيبة والمرض عن العائلة وأهل البيت. وقد يصل الخوف عند البعض إلى أن يتفادى أحدهم ذكر اسم المرض ويكتفي بالقول "ذاك المرض"، بترميز عالٍ، كي لا يكون ذكر اسمه "طاقة" يدخل من خلالها ويبْلغ أحدهم.
ثقافة مليئة بالخوف والقلق من كل شيء، ولا نرى من الأشياء إلا إشارات بؤس. فالمقصّ المفتوح فقر، والخزانة المفتوحة بكاء، ونحن المتعبين من المنجّمين، مثقلون بأوهام نصنعها ولا نناقشها. لكأنّنا منذورون للحزن والهمّ والبشاعة. لكأنّ أيّامنا يجب ألا تخلو من الوجع والغضب والتعب.
اقرأ أيضاً: حكواتي: ما بتكون إلا مبسوط