في الكثير من الأحيان يلجأ كتاب السيناريو إلى مكتبة الأدب العالمي ليقتبسوا منها ويصيغوا نصوصهم الجديدة. وهذا ما نجده واضحاً لدى الكتاب العرب الذين طوعوا العديد من المسرحيات العالمية، وحولوها إلى أفلام لاقى بعضها استحسان الجماهير. ومن أشهر المسرحات التي اقتبست منها السينما العربية:
"روميو وجولييت"
تروي المسرحية قصة شاب صغير يدعى "روميو" يهيم بفتاة صغيرة تدعى "جولييت"، وهما ينتميان لعائلتين متناحرتين تعيشان في "فيرونا". وتنتهي قصة الحب بطريقة مأساوية، حيث ينتحر كلا البطلين؛ وتعتبر هذه المسرحية التي كتبها وليم شكسبير في نهاية القرن السادس عشر من أكثر المآسي العاطفية شهرةً حول العالم. وبدورهم، أحب العرب هذه المسرحية، واقتبسوا حبكتها ونسجوا منها العديد من الأفلام والمسلسلات العربية؛ كان أولها فيلم "ممنوع الحب"، والذي كتبه عباس علام بالتعاون مع مخرج الفيلم محمد كريم، وفيه تتحول مسرحية "روميو وجولييت" إلى نسخة كوميدية غنائية، قام بدور البطولة فيها محمد عبد الوهاب؛ وتتالت بعدها الأعمال المستنسخة عن "روميو وجولييت"، ومنها "شهداء الغرام" 1944، و"البدوية الحسناء" 1947، و"العلمين" 1965، و"حبك نار" 2004، و"الغرفة 707" 2007. واقتبست أيضاً المسلسلات العربية عن مسرحية "روميو وجولييت" في العديد من المناسبات، ومنها: مسلسل "أهل الغرام" السوري 2006، ومسلسل "رعود المزن" الأردني 2014.
"مكبث"
كتبها وليم شكسبير أيضاً، في العقد الأول من القرن السابع عشر؛ وتدور أحداث المسرحية حول الأمير الاسكتلندي مكبث، الذي يقتل ابن عمه الملك، وكل من يقف في طريقه ليحصل على العرش، قبل أن تطارده أشباح ضحاياه، ويعيش رعب وهواجس الأحلام وطمأنينة السحر، بعد أن تبشره الساحرات بالخلود. وسبق أن استعانت السينما والدراما العربية بمسرحية "مكبث" عدة مرات، ومن أشهر هذه الاقتباسات: فيلم "معالي الوزير"، الذي أنتج سنة 2002، والذي كتبه وحيد حامد وأخرجه سمير سيف، ولعب دور البطولة فيه أحمد زكي، ورغم أن صناع الفيلم لم يصرحوا بالاقتباس، بل تم التلميح بنهاية الفيلم إلى أن الفيلم مستمد من الواقع، ولكن استحضار مشاهد الأشباح من المسرحية الأصلية يؤكد على الاقتباس، ولا سيما في مشهد الاجتماع الأخير، الذي يظهر فيه شبح "عطية" في تأبينه، بصورة مطابقة لظهور شبح "بانكو"؛ ولكن الاقتباس الأكثر حرفية للمسرحية، نجده في المسلسل السوري "القلاع"، الذي أنتج سنة 1998، وجسد دور البطولة فيه سلوم حداد، وحافظ المسلسل على حبكة المسرحية بشكل كلي، كما أنه لم يتخلّ عن شخصيات الساحرات، اللواتي تم الاستغناء عنهن بباقي الأعمال العربية المأخوذة عن "مكبث".
"عربة تسمى الرغبة"
أحب العرب الواقعية الأميركية، ونقلوا أعمال أونيل ووليامز وميللر إلى المسارح والسينما العربية؛ ولكن مسرحية "عربة تسمى الرغبة" التي كتبها تنسي وليامز في أربعينيات القرن الماضي، هي أكثر المسرحيات التي تأثر بها العرب ونقلوها إلى السينما، وربما يعود السبب في ذلك إلى التشابه الكبير بين طباع بطل المسرحية "ستانلي" وطباع الرجل الشرقي، التي انتقدتها الدراما والسينما العربية مراراً. وتدور أحداث المسرحية حول "بلانش" التي مرت بتجارب جنسية لا يتقبلها المجتمع، وحاولت بعدها أن تتنكر لماضيها وأن تبحث عن حياة أفضل في منزل أختها "ستيلا" وزوجها "ستانلي"، ولكن معرفة "ستانلي" وصديقه "ميتش"، الذي أحب "بلانش" يحولها بنظرهما إلى عاهرة، وذلك ما يقضي على حلمها بالحياة البسيطة التي تتوق إليها، ويحفز "ستانلي" على اغتصابها، وتنتهي المسرحية بتكاتف الشخصيات جميعاً ضد "بلانش" وإنهاء مسيرتها في مشفى المجانين. وتم استنساخ مسرحية "عربة تسمى الرغبة" في ثلاثة أفلام مصرية، وهي: "انحراف" 1985، و"الفريسة" 1986، و"الرغبة" 2002.
"رغبة تحت شجرة الدردار"
عندما قدمت مسرحية "رغبة تحت شجرة الدردار" لأوَّل مرة في أميركا، لاقت الكثير من النقد، لأن جميع الشخصيات في المسرحية هي شخصيات شريرة، والصراع في المسرحية قائم على الصراع على الملكية، وليس صراعاً بين الخير والشر؛ ولكن المسرحية اكتسبت شعبية كبيرة مع مرور الزمن، وجسدت على خشبات المسارح في أغلب البلاد حول العالم. وتدور أحداث المسرحية حول قصة العجوز "كابوت"، الأرمل والأب لثلاثة أبناء، والذي يتزوج من "آبي"، الشابة الصغيرة التي تطمع بميراثه، ما يدفع اثنين من أبنائه للرحيل، بعد أن فقدا الأمل بموت أبيهما والحصول على الميراث، بينما يبقى الأخ الأصغر "ايبن" متشبثاً بمزرعة أبيه؛ ويبدأ الصراع بين "آبي" و"ايبن" في المسرحية حول ملكية الأرض بعد موت العجوز، وفي خضم الصراع، تنشب بينهما علاقة حب مختلطة المشاعر، تثمر طفلا، فتستغل "آبي" طفلها من "ايبن" لتقنع "كابوت" بحرمان "ايبن" من الميراث، ولكن بعد أن تنجب "آبي" طفلها وتحصل على مبتغاها، تشعر بأن عاطفتها فوق كل شيء، فتقتل ابنها لتثبت لـ"ايبن" مدى حبها له. وسبق أن اقتبس رأفت الميهي حبكة المسرحية، ونسج منها فيلم "عيون لا تنام" سنة 1981، وغير الميهي نهاية المسرحية فقط، وقام بلعب أدوار البطولة فيه فريد شوقي وأحمد زكي ومديحة كامل، وهو يعتبر من أجمل الأفلام العربية المقتبسة عن المسرحيات العالمية.