"قضاء ليلة برفقة زوجتي في هذا الفندق سيكون تجربة مدهشة"، قال السائح الأميركي جيفري، لكن الرجل ضخم البنية أدرك استحالة الأمر" الفندق لا يسعني لوحدي فكيف سيكون الأمر برفقة زوجتي".
قبل ست سنوات اختار الأردني، محمد الملاحيم، البالغ من العمر 65 عاماً، والمُلقّب بأبوعلي، سفحاً مقابلاً لقلعة الشوبك (جنوب الأردن) ليؤسس أصغر فندق في العالم.
قد تكون واحدة من أكثر اللحظات جنوناً، عندما أوقف المتقاعد العسكري سيارته من نوع "فولكسفاغن" موديل 1964، بعدما عجز عن معالجة أعطالها المتكررة، ليحولها إلى فندق ثابت، لكنه سرعان ما تحول من مادة للتندر والسخرية إلى معلم سياحي.
يقول أبوعلي "في البداية ضحك بعض الناس من الفكرة. لا أنكر أنها غريبة نوعاً ما، سمعت الكثير من الاستهزاء والتجريح، لكن مع الوقت تغيرت الفكرة عن الفندق وأصبحت أسمع الكثير من المديح والتشجيع".
لأسباب تتعلق ببنيته الضخمة لم يتمكن جيفري من قضاء ليلة رفقة زوجته في "أصغر فندق في العالم"، في وقت يوثق سجل الزوار فيه أن الفندق أشغل 160 ليلة منذ افتتاحه.
يقول أبوعلي: "استقبل الفندق سياحاً من مختلف أنحاء العالم، من فرنسا وإسبانيا وأميركا واليابان وكندا وإيطاليا، منهم من جاء لوحده ومنهم من اصطحب زوجته، مدة الإقامة تراوحت بين ليلة وليلتين".
وتبلغ كلفة الليلة الواحدة 40 ديناراً أردنياً، ( 56 دولاراً)، تشمل وجبتي الإفطار والعشاء المكونتين من مأكولات تقليدية على أن يتضمن العشاء اللحم أو الدجاج.
بدأت رحلة أبوعلي مع القطاع السياحي في العام 1990 الذي شهد تقاعده من القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، برتبة وكيل، وبراتب تقاعدي لا يكفي لإعالة أسرته.
بهدف تحسين وضعه المالي، عمل دليلاً سياحياً، وحصل على ترخيص لإقامة "بيت شعر" أمام القلعة يستقبل فيه السياح ويقدم لهم القهوة والشاي، ويبيع الأشياء التذكارية.
استهوته المهنة التي يؤكد أنها تجاوزت لديه الحصول على دخل إضافي، للتعرف على ثقافات العالم وتعريفهم بالثقافة الأردنية.
يقول أبوعلي: "أستقبلهم بابتسامة وأودعهم بابتسامة، حتى لو لم أستفد قرشاً واحداً منهم، المهم أن أترك لديهم انطباعاً جيداً عن الأردن والأردنيين ليشجعوا غيرهم على القدوم".
انتقل أبوعلي من "بيت الشعر" من أمام القلعة إلى مغارة في قرية "الجاية" المجاورة، وأسس استراحة لخدمة السياح وبازاراً لعرض المشغولات التقليدية، أمله أن يساهم مشروعه في جذب السياح للقرية التي هجرها سكانها نتيجة غياب التنمية.
يأمل في يوم من الأيام، عودة الحياة إلى القرية: "ولدت في القرية، هي قرية جميلة بطبيعتها، وبيوتها القديمة، ما تزال جميلة رغم أن أشجارها ماتت بعد أن جف الماء، وأهملت بعد أن هجرها السكان (..) إذا نشطت السياحة في المكان ربما يعود الناس إلى بيوتهم".
لكن أبوعلي لم يجد في المغارة التي جهزها بمرافق لخدمة السياح، و"بيت الشعر" الذي بناه أمامها لاستقبالهم وبيع التذكارات، ضالته، وواصل البحث عن فكرة "غريبة" تجذب السياح.
يقول "اشتريت السيارة بعد التقاعد لقضاء مشاويري، سيارة قديمة خربت (تعطلت) وما كان عندي قدرة أصلحها، وبنفس الوقت هي عزيزة على قلبي كمتقاعد عسكري بعرف دورها في الحرب العالمية الثانية، فراودتني فكرة أن أعملها فندقاً".
بعد أن ثبت أبوعلي السيارة على السفح المقابل للمغارة و "بيت الشعر" وهيأها من الداخل، تكفلت إحدى بناته بفرشها من الداخل بالمخدات والشراشف المطرزة يدوياً، مانحة المساحة الصغيرة والمحصورة الكثير من التفاصيل، ما يجعل أبو علي يقول بفخر "هذا فندق خمس نجوم من ينام فيه لن ينساه طوال حياته".
لكن حماسة أبوعلي وأفكاره الغريبة لا تكفي لجذب الكثير من السياح، خاصة وأن القلعة التاريخية ليست على خارطة السياحة الأردنية، حتى أن الطريق المؤدي إليها غير مؤهل ومحفوف بالمخاطر، الأمر الذي جعل أبوعلي يشعر بالاستياء. يقول: "نعمل ما علينا، نغامر بفتح مشاريع، ونقدم أفكاراً جاذبة، بالمقابل لا نجد الدعم، على الجهات المختصة الترويج للسياحة في الشوبك، زارني الكثير من الشخصيات والمسؤولين وأعجبوا بالمشروع لكن ذلك لا يكفي".
يوثق سجل الزوار بلغات مختلفة التجربة الفريدة التي عاشها نزلاء الفندق، وسعادتهم بلقاء أبو علي، الذي يرى بدوره في تلك الكلمات حافزاً على الاستمرار رغم كل المعيقات.