وجاء المهرجان اللبناني ليحقّق تلك الرّغبة، حين احتفل أبناء الشعب اللبناني، يوم أمس للعام السادس على التوالي، في منتزه "بادينغتون غرين"، وشاركهم في المناسبة جنسيات عربية مختلفة، والعديد من الإنكليز والأوروبيين، الذين جذبتهم رائحة المشاوي اللبنانية المنبثقة من المكان، وأنغام الموسيقى التي صدحت.
انتشرت على جوانب المنتزه، خيمات قدّمت أشهى المأكولات اللبنانية. وبالقرب من مدخل الحديقة فاحت رائحة التبغ والمعسّل من الأراكيل، حيث جلس الناس يستمتعون بيوم لبناني، نادراً ما يتوفّر مثله للعائلات في بريطانيا. كذلك تنافس محترفوا طاولة النرد، على الفوز بالجائزة الأولى بحماس، وتجوّل الشباب الصغار المتطوّعون للعمل في المهرجان، يروّجون لأنشطة متنوّعة.
وللإشارة، يعتبر المهرجان اللبناني في لندن، الأكبر في العالم خارج الأراضي اللبنانية، وكان من المتوقع حضور صديق خان عمدة لندن، لكنّه اعتذر وأرسل كارين باك، ممثّلة إيّاه، كما حضر نائب المنطقة وألقى كلمة بالمناسبة.
وكان لافتاً غياب أعلام الأحزاب السياسية في المهرجان، لبلد تتحكّم به الطوائف. وحده علم لبنان رفرف، ليظهر قدرة اللبنانيين على التوحّد تحت راية الأرزة، وحب الوطن.
بدوره أكّد الأب شفيق بو زيد في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّهم في بداية التسعينات، بدأوا نوعاً من السهرات في صالات يجتمع فيها اللبنانيون، لكن توقفوا عنها بعد أن لاحظوا أنّهم بحاجة إلى بذل مجهود أكبر وتنظيم. وكان أن تمّ بعد سنوات، تشكيل لجنة تتضمّن الموزاييق اللبناني بطوائفه المختلفة من سني وشيعي ومسيحي ودرزي، لينطلق المهرجان الاوّل، منذ ستّة أعوام، بجانب كنيسة "سانت برناباس" في لندن.
ويضيف الأب بو زيد، أنّه توقّع حضور نحو 500 شخص، لكنّهم تفاجأوا بعدد الزوّار الذي قارب الألفين، فانتقلوا إلى مكان آخر أكبر في العام التالي، واستقرّوا بعدها على منتزه "بادينغتون غرين"، حين وصل العدد منذ أربع سنوات تقريباً إلى ما يقارب عشرة آلاف زائر، وبقي على حاله لغاية الآن.
ويوضح الأب بو زيد، أنّ الغاية من المهرجان اللبناني، التعريف بالطعام والفن اللبناني والوجه الحضاري للبنان وتوحيد اللبنانيين. ويستدرك أنّهم يحاولون جلب المصنوعات الحرفية من لبنان ، خصوصاً من المراكز التي تشجّع المعوّقين والفقراء والمحتاجين، لعرضها في المهرجان والترويج لبضائعهم.
ويلفت الأب بو زيد، إلى أنّهم بدأوا التحضير لفيلم وثائقي كبير، يتناول تاريخ لبنان، منذ أيام الفينيقيين ولغاية اليوم، لكن المشكلة تكمن في صعوبة توفير الصور، ويأسف أنّ وزارة السياحة في لبنان، تفتقر لكثير من المواد اللازمة لدعم الفيلم.
ويكمل أنّه يعمل هو ذاته على الفيلم مع المؤرّخ اللبناني إلياس القطار. ويضيف إلى أنّهم يعملون أيضاً على فيلم وثائقي يتحدث عن أدباء لبنان الكبار وخاصّة في المهجر، مثل جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم.
من جانبه، قال الدكتور عبدالله أبو ملحم، أستاذ الاقتصاد والمالية في جامعة "لندن كوليدج أوف فاشن" وأحد منظمي المهرجان لـ "العربي الجديد"، إنّ المشكلة التي واجهتهم، أنّهم عجزوا عن معرفة عدد اللبنانيين في بريطانيا، على الرّغم من انّهم سألوا السفارة اللبنانية وغيرها، بيد أنّه تبيّن غياب إحصائيات دقيقة عنهم.
ويكمل أبو ملحم، إنّهم يدعون إلى المهرجان أصحاب الشركات والمصانع اللبنانية، ولكن يبقى الإقبال الأكبر من المطاعم، كونها تحقّق المبيعات الأكبر في مناسبات كهذه. وعن الترويج للمهرجان قال، إنّهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ويوزعون منشورات. ويلفت إلى أنّ كثيراً من اللبنانيين يقدمون من خارج لندن ليحضروا المهرجان.
كما يؤكّد أبو ملحم، أنّهم خيرية، ولا يجنون أي أرباح من المهرجان وهم يسعون إلى الحصول على كفيل أو راعٍ للمهرجان، وأضاف حتى أنّ المغنين المشاركين في المهرجان لا يتقاضون أي مبالغ مالية، بل يتطوّعون مجاناً ومنهم ربيع الأسمر وألين لحود، اللذان وافقا على الغناء مجاناً دعماً للمهرجان اللبناني.
من جهتها، قالت مريم قاسم، إحدى مؤسّسي المهرجان، لـ "العربي الجديد"، إن الفكرة بدأت بحدث يجمع اللبنانيين بجميع طوائفهم، وتبيّن أنّ اللبنانيين يستطيعون تحقيق ذلك إن أرادوا، والمهرجان يجسّد شعار لبنان الموحّد، وأشارت إلى أنّ بعض اللبنانيين تجنّبوا المشاركة بالمهرجان، حين أدركوا أنّهم جمعية خيرية لا علاقة لها بالأحزاب، وتضيف أنّهم مصمّمون على توحيد جميع اللبنانيين وأنّهم أثبتوا قدرتهم على النجاح في تحقيق هذا الهدف.