يوم الثلاثاء الماضي، انطلقت فعاليات النسخة الأولى من مهرجان "بيروت سكام ويك"، وهو المهرجان الأول من نوعه في بيروت؛ فهو مهرجان خاص بموسيقى الهيب هوب والراب التي لم تلقَ بالأعوام الماضية اهتماماً بالمهر
جانات الموسيقية العربية، لتبقى على الهامش الثقافي، رغم تنامي شعبية هذا النمط الموسيقي في الشارع العربي. يتخذ "بيروت سكام ويك" طابعاً إقليمياً، إذ إن الفنانين المشاركين به من أربعة بلدان: لبنان، وسورية، وفلسطين، والأردن. وتختتم فعاليات المهرجان اليوم.
بالتزامن مع هذا الحدث الموسيقي في بيروت، هناك حدث موسيقي مشابه في تونس، هو "مهرجان الراب"، الذي أقيمت الدورة الأولى منه يومي 28 و29 أغسطس/ آب الماضي، وأتاح الفرصة أمام مغني الراب في تونس للوقوف على خشبة مسرح قرطاج، بعد تهميشهم ورفض مشاركتهم بمهرجان قرطاج الدولي. يبدو من خلال هذين المهرجانين المتزامنين، أن الراب العربي قد حقق إنجازاً جديداً على مستوى خريطة الفنون العربية.
رغم تزامن المهرجانين واشتراكهما بالعديد من النقاط، ومنها أنهما إقليميان محليان، فحفلات كليهما اقتصرت على فنانين اعتادوا أن يقدموا حفلات بذات المدينة التي يُقام بها المهرجان، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولو حاول "بيروت سكام ويك" الإيحاء بالامتداد خارج إطار المدينة والدولة من خلال ذكر جنسيات الفنانين المشاركين، والممتدة على أربعة بلدان، إلا أن معظم المشاركين على اختلاف جنسياتهم يقيمون في محيط مدينة بيروت، بحكم وجود لاجئين فلسطينيين وسوريين في لبنان، وهم يشكلون الغالبية العظمى من الفنانين الأجانب في المهرجان.
كذلك، يشترك كلا المهرجانين باللغة الخطابية والتقديمات والأهداف، حيث توحي كل التقديمات بأن وجود الراب في المهرجانين هو انتصار معنوي لهذا الفن المهمش، وإن كان هذا الانتصار يبدو ذا أهمية أكبر في تونس، لكونه جاء نتيجةً لاحتجاج معلن قاده فنانو الراب بعد تهميشهم في المهرجانات الدولية؛ لكن الطابع المحلي للمهرجان أفسد مذاق "الانتصار".
في المقابل، يختلف المهرجانان في العديد من النقاط، ومنها الأماكن التي تم اختيارها لتقديم عروض المهرجان؛ ففي حين يبدو أن أحد أهم أهداف "مهرجان الراب" هو إتاحة الفرصة أمام مغني الراب التونسيين للوقوف على خشبة مسرح قرطاج العريقة والضخمة التي لم يسبق لها أن احتضنت مغنّي الراب، فإن "بيروت سكام ويك" تقيم حفلاتها بقاعات صغيرة متناثرة في أرجاء بيروت، معظمها سبق أن احتضنت فعاليات الراب سابقاً.
في حين أن "مهرجان الراب" يرى أن موسيقى الراب هي عنصر ثقافي لا يحتاج إلى متممات لتقديمه ضمن مهرجان، فإن منظمي "بيروت سكام ويك" أجهدوا أنفسهم بالبحث عن متممات لتشرع فن الراب كعامل ثقافي، فأدرجوا ضمن برنامج مهرجانهم ندوات وجولات غرافيتي وليلة مخصصة بمنسقي الأسطوانات.
ربما يرى البعض أن ما حققه الراب العربي في الأسبوع الماضي هو خطوة كبيرة في سبيل التشريع الثقافي لهذا النوع من الفن في العالم العربي، ولكن هذه الخطوة تبدو متأخرة فعلياً وغير ضرورية البتة، فهي جاءت بعد أن بات الراب العربي فناً شعبياً، يشارك بإنتاجه عدد كبير من جيل الشباب، وهو متوفر للجميع بفضل وسائل الاتصال الحديثة والمنصات الرقمية التي سمحت بانتشار الفنون الشعبية الهامشية. بل ربما تكون هذه الخطوة ليست بصالح الراب العربي، فنقل الراب من الشارع إلى المهرجانات الثقافية سيجعله يفقد الكثير من قيمته وخصوصيته التي يمتاز بها اليوم.