ارتبطت الموسيقى الحضرمية بالمهجر؛ فهي تسافر مع المهاجرين لتعود معهم مصهورة بثقافات أخرى. وحين أقيم أول عرض أوركسترالي للموسيقى الحضرمية استضافته أرض مهجرية.
تمتاز الأغنية الحضرمية بخصوصيتها وسط ألوان الغناء اليمني الأخرى، ربما لأنها أيضاً تفاعلت مع ثقافات بعيدة، تحديداً في جنوب آسيا، بفعل المهاجرين. لكنها، في أحد مساراتها، تطورت في المهجر، وأثّرت في الغناء الخليجي عبر فنانين بارزين، مثل أبو بكر سالم.
أخيراً، أقيم عرض الأوركسترا الحضرمية في دار الأوبرا في العاصمة الماليزية كوالامبور التي شكلت أحد المقاصد للمهاجرين الحضارم في جنوب شرق آسيا. قدمت الأوركسترا ست مقطوعات موسيقية، استوحاها محمد القحوم، ملحن المقطوعات، من الموروث الحضرمي.
استهدف العرض تقديم الموسيقى الحضرمية بلغة عالمية، من خلال توظيف الأوركسترا، وهي عبارة عن قسمين؛ تخت حضرمي صغير، مكوّن من العود والناي والكمان والإيقاعات، وكذلك أوركسترا غربية موزّعة على الوتريات والنفخيات.
في هذا السياق، منحت الأوركسترا الموسيقى الحضرمية صوتاً وملامح جديدة، وشكلت فتحاً بالنسبة إلى ثقافة احتاجت أن تعبّر عن نفسها أمام العالم؛ إذ دفعته في مجال متسع، يسهل هضمه بالنسبة إلى الثقافات الأخرى. فالتهجين لعبت فيه الآلات الدور الحاسم، وهو ما عكسته طبيعة المقطوعات الموسيقية، القائم على دمج التخت بالأوركسترا، ليسيرا في خطوط متوازية، ويتقاطعا أو يتوافقا في المسار.
لطالما انفتح الغناء الحضرمي على ثقافات متعددة، لكنه للمرة الأولى يأتي في تظاهرة أوركسترالية مكونة من قرابة 90 عازفاً.
تبدأ المقطوعة الأولى، "الحيرة"، وهي من سلم "المينور"، بصوت مناجاة لمؤدٍّ يرتدي اللباس التقليدي، وبأسلوب حضرمي، تبدو عليه سمات الصحراء. لاحقاً، سيظهر صوت الكورال بأسلوبه المقارب للموسيقى الكلاسيكية، وهو ما لعبت عليه المقطوعة؛ أي حضور الشكل اللحني الحضرمي، ثم تهيئته في المضمون الأوركسترالي، بأسلوب لطالما استخدم في الموسيقى العربية، اعتماداً على تهجين العناصر العربية بالغربية، أو تقديم العناصر المحلية في وعاء حديث. هذا ما تستند إليه الأصوات الموسيقية؛ وجود التخت بجانب الأوركسترا، واستخدام الكمان الشرقي بوصلة منفردة، ويأتي لاحقاً الدور على البيانو لعزف منفرد.
مثل ذلك، يحدث بصورة مستمرة في المقطوعات الموسيقية الأخرى، وإن كان بأشكال مختلفة. كل مقطوعة تعبّر عن لون حضرمي مختلف. فلحن المقطوعة الثانية مستوحى من اللون الغنائي الزربادي في وادي حضرموت. وهو لون مرتبط بالرقص، ويتم تقديمه في الأعراس والمناسبات العامة. لهذا، كان الرقص التقليدي جزءاً مصاحباً للعرض. جميع المقطوعات تتسم بالطابع اللحني الحضرمي، واللافت هو الظهور المميز للتخت وعازفيه. أيضاً، بروز الإيقاعات الحضرمية.
اتخذت المقطوعة ملمحاً أكثر بساطة، سواء في التوزيع الأوركسترالي، أو في توظيف الناي بتقاطيع تستعير الأرض القادمة منها. في حضرموت، تنتمي الأغاني إلى الصحراء والبحر، وتتسم ألحان البحر بحيوية أكثر. تستوحي مقطوعة "الحرب والسلام" لحنها من رقصة العدة، المعروفة في ساحل حضرموت. الرقصة تتخذ مظهراً احتفالياً؛ إذ تعتمد على مجموعة كبيرة من الأشخاص يتراصون معاً ويرفعون عصيانهم، وتحتمل طرقا إيمائية بدائية.
تبدأ الموسيقى بتوطئة أوركسترالية، تبرز فيها الآلات الهوائية، كما أن سلم "الماجور" أعطى اللحن هذا الطابع الاحتفالي. وتبدأ الأصوات الرجالية بترديد اللحن الرئيسي بصورة حماسية مع رقصة الحرب، وهم يرفعون عصيانهم. وتعيد الأوركسترا اللحن في سياقين، أحدهما يبرز فيه دور التخت الشرقي الحضرمي، والآخر بثوب أوركسترالي.
انقسمت مقطوعة "الحرب والسلام" إلى جزأين يفصلهما الدان وصوت الداعي الذي تستجيب له الجماعة. وينتهي اللحن برقصة الشبواني، وهي رقصة ترمز إلى السلام. يصاحبها لحن مختلف يتسم بالطابع الفرائحي. وفي المحتوى العام، تأتي المقطوعات الموسيقية بصورة عامة في هيئة لوحات معبرة عن تنوع الفولكلور في حضرموت، وتم تقديمها بصيغة عالمية.
كثير من الألوان الغنائية في حضرموت مرتبطة بالأفراح والمناسبات والرقصات، واللون الهداني أحد تلك الألوان الخاصة بحفلات الأعراس النسوية. اعتمدت مقطوعة "الوداع المفرح" على هذا اللون، واستهلته الأصوات النسائية. ومع كل لوحة تحتشد اللوحات الفلوكلورية بصورة أوضح؛ فتدخل الزغرودة، ويظهر المزمار في المقطوعة الخامسة المسماة "مزمار الهبيش"، وهي محاكاة لرقصة الهبيش الشعبية المنتشرة في مدن الساحل الحضرمية.
انتشرت أغنية "صبوحة" في عدن، واليمن عموماً، خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي أغنية تنتمي إلى الأهازيج، بثيمتها اللحنية البسيطة والمكررة مع كل جملة غنائية، وانتشرت في الأعراس اليمنية، وكذلك كانت تقدم في مصر آنذاك في الكازينوهات، من أجل الرواد الخليجيين. و"صبوحة" عنوان المقطوعة السادسة التي استوحت ثيمة لحنها الرئيسية من الأغنية الذائعة.
يأتي التوظيف الأوركسترالي للحن لافتاً ومشرقاً، تستهله آلات الفلوت بلحن راقص سرعان ما تصاحبها خلفية وترية. والمقطوعة من الماجور، جاءت بطابع فرائحي. وظهور المزمار ارتبط بلحن الأغنية لفترة طويلة، وإن كان ظهوره بجانب الأوركسترا لا يتسق مع أصوات الفلوت، لكنه أيضاً أدى الغرض الأساسي عبر إضفاء طابع الفولكلور المجاور للأوركسترا.
تزامن العرض أيضا مع مرحلة صعبة على اليمن، تعيش فيها ظروفاً إنسانية قاسية. مع هذا، جسدت الموسيقى ملامح جمالية في اليمن، وبالتحديد في حضرموت، باعتبارها واحدة من أكثر المناطق ثراءً، على المستويين الفني والثقافي. إضافة إلى ذلك، قدم العرضُ فنانين مبدعين؛ فإضافة إلى الملامح الموسيقية الجمالية، كان هناك الأداء المبهر لعازف الكمان أيمن عيسى، مع أنه ظل مغموراً ومحصوراً في العزف داخل الأعراس؛ إذ إن تقديم عروض مماثلة واستمراريتها، سيتيحان المجال لكثير من الفنانين للظهور والتعبير عن أنفسهم، وهو ما يحتاجه بلد أنهكته الحرب؛ أي التعبير عن نفسه بالموسيقى بدلاً من صوت المدافع وصور الموت.
تمتاز الأغنية الحضرمية بخصوصيتها وسط ألوان الغناء اليمني الأخرى، ربما لأنها أيضاً تفاعلت مع ثقافات بعيدة، تحديداً في جنوب آسيا، بفعل المهاجرين. لكنها، في أحد مساراتها، تطورت في المهجر، وأثّرت في الغناء الخليجي عبر فنانين بارزين، مثل أبو بكر سالم.
أخيراً، أقيم عرض الأوركسترا الحضرمية في دار الأوبرا في العاصمة الماليزية كوالامبور التي شكلت أحد المقاصد للمهاجرين الحضارم في جنوب شرق آسيا. قدمت الأوركسترا ست مقطوعات موسيقية، استوحاها محمد القحوم، ملحن المقطوعات، من الموروث الحضرمي.
استهدف العرض تقديم الموسيقى الحضرمية بلغة عالمية، من خلال توظيف الأوركسترا، وهي عبارة عن قسمين؛ تخت حضرمي صغير، مكوّن من العود والناي والكمان والإيقاعات، وكذلك أوركسترا غربية موزّعة على الوتريات والنفخيات.
في هذا السياق، منحت الأوركسترا الموسيقى الحضرمية صوتاً وملامح جديدة، وشكلت فتحاً بالنسبة إلى ثقافة احتاجت أن تعبّر عن نفسها أمام العالم؛ إذ دفعته في مجال متسع، يسهل هضمه بالنسبة إلى الثقافات الأخرى. فالتهجين لعبت فيه الآلات الدور الحاسم، وهو ما عكسته طبيعة المقطوعات الموسيقية، القائم على دمج التخت بالأوركسترا، ليسيرا في خطوط متوازية، ويتقاطعا أو يتوافقا في المسار.
لطالما انفتح الغناء الحضرمي على ثقافات متعددة، لكنه للمرة الأولى يأتي في تظاهرة أوركسترالية مكونة من قرابة 90 عازفاً.
Facebook Post |
مثل ذلك، يحدث بصورة مستمرة في المقطوعات الموسيقية الأخرى، وإن كان بأشكال مختلفة. كل مقطوعة تعبّر عن لون حضرمي مختلف. فلحن المقطوعة الثانية مستوحى من اللون الغنائي الزربادي في وادي حضرموت. وهو لون مرتبط بالرقص، ويتم تقديمه في الأعراس والمناسبات العامة. لهذا، كان الرقص التقليدي جزءاً مصاحباً للعرض. جميع المقطوعات تتسم بالطابع اللحني الحضرمي، واللافت هو الظهور المميز للتخت وعازفيه. أيضاً، بروز الإيقاعات الحضرمية.
تبدأ الموسيقى بتوطئة أوركسترالية، تبرز فيها الآلات الهوائية، كما أن سلم "الماجور" أعطى اللحن هذا الطابع الاحتفالي. وتبدأ الأصوات الرجالية بترديد اللحن الرئيسي بصورة حماسية مع رقصة الحرب، وهم يرفعون عصيانهم. وتعيد الأوركسترا اللحن في سياقين، أحدهما يبرز فيه دور التخت الشرقي الحضرمي، والآخر بثوب أوركسترالي.
انقسمت مقطوعة "الحرب والسلام" إلى جزأين يفصلهما الدان وصوت الداعي الذي تستجيب له الجماعة. وينتهي اللحن برقصة الشبواني، وهي رقصة ترمز إلى السلام. يصاحبها لحن مختلف يتسم بالطابع الفرائحي. وفي المحتوى العام، تأتي المقطوعات الموسيقية بصورة عامة في هيئة لوحات معبرة عن تنوع الفولكلور في حضرموت، وتم تقديمها بصيغة عالمية.
كثير من الألوان الغنائية في حضرموت مرتبطة بالأفراح والمناسبات والرقصات، واللون الهداني أحد تلك الألوان الخاصة بحفلات الأعراس النسوية. اعتمدت مقطوعة "الوداع المفرح" على هذا اللون، واستهلته الأصوات النسائية. ومع كل لوحة تحتشد اللوحات الفلوكلورية بصورة أوضح؛ فتدخل الزغرودة، ويظهر المزمار في المقطوعة الخامسة المسماة "مزمار الهبيش"، وهي محاكاة لرقصة الهبيش الشعبية المنتشرة في مدن الساحل الحضرمية.
انتشرت أغنية "صبوحة" في عدن، واليمن عموماً، خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي أغنية تنتمي إلى الأهازيج، بثيمتها اللحنية البسيطة والمكررة مع كل جملة غنائية، وانتشرت في الأعراس اليمنية، وكذلك كانت تقدم في مصر آنذاك في الكازينوهات، من أجل الرواد الخليجيين. و"صبوحة" عنوان المقطوعة السادسة التي استوحت ثيمة لحنها الرئيسية من الأغنية الذائعة.
يأتي التوظيف الأوركسترالي للحن لافتاً ومشرقاً، تستهله آلات الفلوت بلحن راقص سرعان ما تصاحبها خلفية وترية. والمقطوعة من الماجور، جاءت بطابع فرائحي. وظهور المزمار ارتبط بلحن الأغنية لفترة طويلة، وإن كان ظهوره بجانب الأوركسترا لا يتسق مع أصوات الفلوت، لكنه أيضاً أدى الغرض الأساسي عبر إضفاء طابع الفولكلور المجاور للأوركسترا.