دانت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" الحقوقية المصرية التضييق المتصاعد في مصر على حرية الإبداع، عبر تدخّلات النيابة العامة ومؤسسة القضاء. واستعرضت المؤسسة خلال دراسة أصدرتها أمس بعنوان "صكوك الإبداع.. عن تقييم القضاء للأعمال الإبداعية"، حرية الإبداع في الدستور، ونماذج من تدخل النيابة والمحاكم في الإبداع، وفلسفة أحكام القضاء في تقييم العمل الإبداعي، والقاضي كخبير أعلى في تقييم الإبداع، والمؤسسات الدينية كمرجعية للقضاء في تقييم الإبداع.
وأوضحت الدراسة أن "الدعوات تظهر من آن ﻵخر إلى انتظار تقييم العمل الإبداعي، كلما ارتفعت الأصوات المنادية بحرية الإبداع"، متسائلة "هناك الكثير من الحجج التي تدور حول فكرة أساسية، كيف تعتبرون هذا النص إبداعاً؟ كيف نقبل بهذه الألفاظ باعتبارها إبداعاً؟ هل يحق لكل مواطن أن يعبّر عن أفكاره بشكل فني دون ضابط ولا رابط؟"
وتابعت الدراسة "هكذا تزداد الضغوط على الحق في اﻹبداع، وكأن ثمة صكوك يجب أن يقتنصها العمل الإبداعي، وهنا يبرز دور المحاكم باعتبارها ساحة لتقييم الإبداع، ما يؤدي إلى انتهاك الحق في حرية الإبداع، وتقليص حدوده، وفقاً لما تراه هيئة المحكمة، ووفقاً لمواد عفا عليها الزمن في القوانين المختلفة، ويتعرض المبدعون كذلك لاتهامات بخدش الحياء العام، وازدراء الأديان".
كما انتقدت الدراسة التناقض المتصاعد بين النصوص الدستورية التي تحمي حرية الإبداع والتعبير الفني، وبين الواقع والقوانين التي تكبّل وتضع المزيد من القيود على الأعمال الإبداعية.
وأوضحت أن "مفهوم تقييم اﻷعمال اﻹبداعية يختلف عن النقد الفني، فالتقييم يقوم بالأساس على ما إذا كان هذا العمل يستحق أن يوصف بـ"اﻹبداع" أم أنه لا يستحق هذه الصفة، وبالتالي يخرج عن نطاق حماية حرية الإبداع، ويترك صيداً ثميناً لكل من أراد مصادرة الإبداع وملاحقة المبدعين، وهذا ما يتضح من قراءة حيثيات اﻷحكام ومذكرات النيابة العامة".
وأكدت أن "النصوص الدستورية التي مسّت الأعمال الإبداعية على مر تاريخ الدساتير المصرية، كانت تذكر أشكالاً محددة من اﻷعمال الإبداعية وتوليها بالرعاية، وصولاً إلى دستور عام 1971 الذي نص في المادة (47) على ضمان حرية الرأي والنشر بأي صورة وفي حدود القانون".
متابعة: "كان الدستور يحمي في الأساس حرية التعبير عن الرأي، والتي يمكن أن تشمل التعبير عن الرأي بشكل إبداعي، بل إن حرية الإبداع التي تقوم على الخيال تتمتع بحماية أكبر، إذ إن الخيال لا توضع عليه قيود".
وأشارت الدراسة إلى أنه "وبعد ثورة 25 يناير تركزت التوقعات حول زيادة الضمانات للحريات في الدستور بشكل أكثر تفصيلاً وإحكاماً، ومع تشكيل لجنة الخمسين لوضع الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014، ظهر أثناء هذه الجلسات ما يؤكد صحة هذا التوقع، فقد أصر غالبية الأعضاء على إضافة فقرات جديدة لحماية حرية الإبداع".
وتناولت الدراسة، التي أعدها محمود عثمان، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، عدة محاور، هي نماذج من تدخل النيابة والمحاكم في تقييم الإبداع، فلسفة أحكام القضاء في تقييم العمل الإبداعي، القاضي كخبير أعلى في تقييم اﻹبداع، المؤسسات الدينية كمرجعية للقضاء في تقييم الإبداع.
وفي فبراير/شباط المنقضي، أطلقت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، تقريرها السنوي الرابع عن حالة حرية التعبير في مصر، وقد اعتبرت فيه أن سنة 2016 هي الأكثر انتهاكاً لحرية الإبداع في مصر. ورصد التقرير "78 انتهاكاً تعرّض له المبدعون في مصر مقارنة بـ 46 انتهاكاً في 2015 و21 انتهاكاً في 2014"، وهو ما يوضّح انتقال حالة حرية الإبداع "من السيئ إلى الأسوأ" بحسب التقرير.
تنوّعت الانتهاكات التي رصدها التقرير بين المنع والرقابة على الأعمال الفنية وحذْف مشاهد من مسلسلات تليفزيونية والمنع من السفر أو دخول مصر، وحبْس المبدعين على خلفية نشرهم أعمالاً فنية. كما رصد التقرير أن وزارة الداخلية تتدخّل بشكل رئيسي في الرقابة على الإبداع حيث وصل عدد الانتهاكات من قِبلها إلى 26 انتهاكاً خلال العام 2016، يليها جهاز الرقابة على المصنّفات الفنية بـ 22 انتهاكاً ثم النقابات الفنية بـ 15 انتهاكاً.