"واحة الغروب" من أكثر المسلسلات الدرامية التي انتظرها المشاهد العربي خلال رمضان 2017، لأكثر من سبب؛ على رأسها أنه تعاون جديد بين الكاتبة مريم نعوم والمخرجة كاملة أبو ذكري بعد أعمالهما الناجحة سابقاً، سواء في السينما (فيلم واحد صفر – 2009) أو في التلفزيون (مسلسلا ذات وسجن النسا- 2012 و2013). كذلك لكون المسلسل مقتبساً عن رواية عالية الصيت مثل "واحة الغروب" للأديب الكبير بهاء طاهر، والتي فازت بجائزة بوكر كأفضل رواية عربية عام 2008. وأخيراً هناك الأجواء نفسها، والعالم المختلف الذي تدور فيه، حيث واحة سيوة في الربع الأخير من القرن الـ19 بعد فشل الثورة العرابية واحتلال الإنكليز مصر.
البداية الجمالية
مع بداية المسلسل، وفي الحلقتين الأوليتين تحديداً، ازداد التفاؤل كثيراً بمستوى العمل التلفزيوني، إذ تدور في الحلقة الأولى معركة ضخمة في الإسكندرية لدخول الإنكليز عام 1882، ثم تأتي الحلقة الثانية الرائعة جداً، والتي تتابع كيفية تعامل الشعب والحكومة مع الثورة العرابية بعد سقوط البلاد؛ كيف تحول الزعيم أحمد عرابي إلى خائن، ومؤيدوه إلى عملاء، وكيف تحولت كلمة "ثورة" إلى "هوجة"، والحدث الشعبي الضخم إلى مجرد فترة فوضوية من تاريخ البلاد، وصولاً لاضطرار بطل المسلسل، ضابط البوليس محمود عبد الظاهر، إلى إخفاء قناعاته، والهجوم على الثورة وشخص "عرابي". تلك الحلقة كانت قمة في مستواها الفني بسبب حجم الأحداث والتحولات الموجود بها، وكذلك بسبب التناص التاريخي الذي يحدث في الحوار بشكل مستمر بين ثورة عرابي 1882 وثورة يناير 2011، وشعور الهزيمة الذي يغلب على المصريين في اللحظتين، وهو الأمر الذي صنع عاطفة ودراما قوية جداً، بفضل كتابة مريم نعوم (وشريكها في كتابة الحوار أحمد بدوي) وكذلك صورة جيدة من المخرجة كاملة أبو ذكري وأداء ممتاز من خالد النبوي.
أين التطور الدرامي؟
في الحلقات التالية يبدأ كل شيء في المسلسل بالانخفاض. فإذا كان السيناريو قد اختار لحظة الثورة العرابية كمفتتح (على عكس رواية بهاء طاهر التي تبدأ مع وصول الضابط للواحة مع زوجته ويتم الحديث عن ثورة عرابي كخلفية للشخصية) فإن ذلك ورط العمل في التأسيس لعلاقة محمود مع زوجته اللاحقة كاثرين، وهو الشيء المحوري في الحلقتين 3 و4، وفيهما يبدأ المسلسل في أخذ طابع "شكلي"، شكلي على مستوى الصورة، حيث الاهتمام بأن تكون الصورة جميلة حتى لو لم تكن مهمة أو درامية أو ممتعة، وشكلي على مستوى الأداء والمحتوى، حيث الاهتمام بدقة أداء منة شلبي في شخصية كاثرين الأيرلندية للعربية الفصحى، وكيفية تطور لغتها في الحلقتين. وهو أمر جيد ويحدث بدقة فعلاً، ولكن لا يوازيه أي تطورعلى مستوى الدراما أو الأحداث أو روح الممثلين؛ مجرد مشاهد طويلة، بموسيقى رومانسية، بين الشخصيتين (وبكيمياء شبة منعدمة بين النبوي ومنة شلبي)، من دون بناء أو خلفية شخصية أو حوارات مثيرة للانتباه، لا نعرف مثلاً لماذا قررت الفتاة الأيرلندية الجميلة أن تتعرف على الضابط المصري؟ ولماذا تطورت العلاقة بينهما سريعاً؟ ولماذا دعاها لزيارة منزله في القاهرة؟ ولماذا تزوجها في النهاية؟ حلقتان من بطء الإيقاع وشكلانية الصورة واللغة، والحوار المباشر عن الهزيمة أو عن فارق الأديان، لتكون النتيجة ضعفاً واضحاً ومنقطع الصلة عن أول حلقتين.
سطحية الأداء
الأمور لا تتحسن أبداً لاحقاً، يأخذنا المسلسل إلى الواحة قبل أن ينتقل إليها محمود وكاثرين نفساهما، محاولة للتعرف على التفاصيل والشخصيات الرئيسية التي ستلاقيهم لاحقاً في رحلتهم، مثل تقديم شخصية مليكة أو الشيخ يحيى أو الشاويش إبراهيم، ولكن التقديم أيضاً يفتقر لأبسط قدر من "حركة الحدث الدرامي"، لا شيء يحدث إلا الاهتمام والاستعراض للتفاصيل الشكلية للملابس والقرية وشكل الأفراح وحتى الاغتيالات التي تحدث للجنرالات الإنكليز الذين يأتون للواحة، بمشاهد طويلة جداً من كاملة أبو ذكري، ومونتاج بطيء فعلاً لكل اللحظات، ودون تورط أو ارتباط مع أي شخصية، لتكون النتيجة هي جودة واضحة في الإنتاج والملابس والديكور و"شكل" الصورة، مع ضعف حقيقي للناتج النهائي من المسلسل المبشر، لأن الأحداث ضعيفة والشخصيات لا تتطور بشكل منطقي أو قريب من المشاهد، والممثلون (خصوصاً الأردنية ركين أسعد التي تؤدي أشهر شخصيات الرواية، مليكة) يؤدون من السطح ودون عمق حقيقي.
ما زالت هناك فرصة للمسلسل أن يعود للمستوى الذي بدأ به، في حالِ ارتفع رتم الدراما مرة أخرى مع وصول محمود وكاثرين للواحة، والحركة الفعلية مع بداية أحداث رواية بهاء طاهر، والعلاقات المتداخلة في القوى والتفاصيل بين الشخصيات وعالم الواحة، وسيكون من الجيد حدوث ذلك بدلاً من إهدار فرصة رائعة لمسلسل مصري قوي وتاريخي.
يذكر أن مسلسل "واحة الغروب" من بطولة كل من الفنانين خالد النبوي ومنة شلبي وركين سعد، والممثلة اللبنانية كاورل الحاج في أول مشاركة لها في الدراما المصرية، والقصة من كتابة وحوار مريم ناعوم وهالة الزغندي، وإخراج كاملة أبو ذكرى، ويعرض على أكثر من قناة مصرية وعربية وهو من إنتاج العام 2017.
البداية الجمالية
مع بداية المسلسل، وفي الحلقتين الأوليتين تحديداً، ازداد التفاؤل كثيراً بمستوى العمل التلفزيوني، إذ تدور في الحلقة الأولى معركة ضخمة في الإسكندرية لدخول الإنكليز عام 1882، ثم تأتي الحلقة الثانية الرائعة جداً، والتي تتابع كيفية تعامل الشعب والحكومة مع الثورة العرابية بعد سقوط البلاد؛ كيف تحول الزعيم أحمد عرابي إلى خائن، ومؤيدوه إلى عملاء، وكيف تحولت كلمة "ثورة" إلى "هوجة"، والحدث الشعبي الضخم إلى مجرد فترة فوضوية من تاريخ البلاد، وصولاً لاضطرار بطل المسلسل، ضابط البوليس محمود عبد الظاهر، إلى إخفاء قناعاته، والهجوم على الثورة وشخص "عرابي". تلك الحلقة كانت قمة في مستواها الفني بسبب حجم الأحداث والتحولات الموجود بها، وكذلك بسبب التناص التاريخي الذي يحدث في الحوار بشكل مستمر بين ثورة عرابي 1882 وثورة يناير 2011، وشعور الهزيمة الذي يغلب على المصريين في اللحظتين، وهو الأمر الذي صنع عاطفة ودراما قوية جداً، بفضل كتابة مريم نعوم (وشريكها في كتابة الحوار أحمد بدوي) وكذلك صورة جيدة من المخرجة كاملة أبو ذكري وأداء ممتاز من خالد النبوي.
أين التطور الدرامي؟
في الحلقات التالية يبدأ كل شيء في المسلسل بالانخفاض. فإذا كان السيناريو قد اختار لحظة الثورة العرابية كمفتتح (على عكس رواية بهاء طاهر التي تبدأ مع وصول الضابط للواحة مع زوجته ويتم الحديث عن ثورة عرابي كخلفية للشخصية) فإن ذلك ورط العمل في التأسيس لعلاقة محمود مع زوجته اللاحقة كاثرين، وهو الشيء المحوري في الحلقتين 3 و4، وفيهما يبدأ المسلسل في أخذ طابع "شكلي"، شكلي على مستوى الصورة، حيث الاهتمام بأن تكون الصورة جميلة حتى لو لم تكن مهمة أو درامية أو ممتعة، وشكلي على مستوى الأداء والمحتوى، حيث الاهتمام بدقة أداء منة شلبي في شخصية كاثرين الأيرلندية للعربية الفصحى، وكيفية تطور لغتها في الحلقتين. وهو أمر جيد ويحدث بدقة فعلاً، ولكن لا يوازيه أي تطورعلى مستوى الدراما أو الأحداث أو روح الممثلين؛ مجرد مشاهد طويلة، بموسيقى رومانسية، بين الشخصيتين (وبكيمياء شبة منعدمة بين النبوي ومنة شلبي)، من دون بناء أو خلفية شخصية أو حوارات مثيرة للانتباه، لا نعرف مثلاً لماذا قررت الفتاة الأيرلندية الجميلة أن تتعرف على الضابط المصري؟ ولماذا تطورت العلاقة بينهما سريعاً؟ ولماذا دعاها لزيارة منزله في القاهرة؟ ولماذا تزوجها في النهاية؟ حلقتان من بطء الإيقاع وشكلانية الصورة واللغة، والحوار المباشر عن الهزيمة أو عن فارق الأديان، لتكون النتيجة ضعفاً واضحاً ومنقطع الصلة عن أول حلقتين.
سطحية الأداء
الأمور لا تتحسن أبداً لاحقاً، يأخذنا المسلسل إلى الواحة قبل أن ينتقل إليها محمود وكاثرين نفساهما، محاولة للتعرف على التفاصيل والشخصيات الرئيسية التي ستلاقيهم لاحقاً في رحلتهم، مثل تقديم شخصية مليكة أو الشيخ يحيى أو الشاويش إبراهيم، ولكن التقديم أيضاً يفتقر لأبسط قدر من "حركة الحدث الدرامي"، لا شيء يحدث إلا الاهتمام والاستعراض للتفاصيل الشكلية للملابس والقرية وشكل الأفراح وحتى الاغتيالات التي تحدث للجنرالات الإنكليز الذين يأتون للواحة، بمشاهد طويلة جداً من كاملة أبو ذكري، ومونتاج بطيء فعلاً لكل اللحظات، ودون تورط أو ارتباط مع أي شخصية، لتكون النتيجة هي جودة واضحة في الإنتاج والملابس والديكور و"شكل" الصورة، مع ضعف حقيقي للناتج النهائي من المسلسل المبشر، لأن الأحداث ضعيفة والشخصيات لا تتطور بشكل منطقي أو قريب من المشاهد، والممثلون (خصوصاً الأردنية ركين أسعد التي تؤدي أشهر شخصيات الرواية، مليكة) يؤدون من السطح ودون عمق حقيقي.
ما زالت هناك فرصة للمسلسل أن يعود للمستوى الذي بدأ به، في حالِ ارتفع رتم الدراما مرة أخرى مع وصول محمود وكاثرين للواحة، والحركة الفعلية مع بداية أحداث رواية بهاء طاهر، والعلاقات المتداخلة في القوى والتفاصيل بين الشخصيات وعالم الواحة، وسيكون من الجيد حدوث ذلك بدلاً من إهدار فرصة رائعة لمسلسل مصري قوي وتاريخي.
يذكر أن مسلسل "واحة الغروب" من بطولة كل من الفنانين خالد النبوي ومنة شلبي وركين سعد، والممثلة اللبنانية كاورل الحاج في أول مشاركة لها في الدراما المصرية، والقصة من كتابة وحوار مريم ناعوم وهالة الزغندي، وإخراج كاملة أبو ذكرى، ويعرض على أكثر من قناة مصرية وعربية وهو من إنتاج العام 2017.
المساهمون
المزيد في منوعات