رجاء بنّوت: الفن رافعة تطوير المجتمع السوري

الدوحة

أسامة سعد الدين

أسامة سعد الدين
أسامة سعد الدين
صحافي سوري، مراسل "العربي الجديد" في قطر.
30 سبتمبر 2018
7D0F88A3-41B9-4301-AFC0-5C06E814477F
+ الخط -

تؤمن الناشطة السورية رجاء بنّوت، مؤسِّسة ومديرة "ملتقى حنين الثقافي"، بأن الفن هو الرافعة الحقيقية لتغيير المجتمع وتطوره. ورغم أن دراستها الأكاديمية هي في الإدارة، إلا أنها اختارت الفن كبوابة لتطوير المجتمع، وإحداث التغيير المنشود، ونجحت بتشكيل 3 فرق للغناء الجماعي "كورال" من كبار السن، في 3 دول، هي سورية وتركيا وألمانيا. تقول لـ"العربي الجديد": "أنا لست فنانة، وهذا المجال بعيدٌ عن اختصاصي، حتى أني لست الشخص الذي يدرب (الكورال)، بل أتدرب كأي عضو فيه. ولكن الفن جزء من المنظومة الثقافية التي أعتقد أنها يجب أن تكون موجودة في الحياة".

وعن البدايات، تقول الستينية رجاء بنوت، في حديثها لـ"العربي الجديد": "تجدد اهتمامي بالقضايا المجتمعية. في عام 2000 انتشرَ إحساس لدى السوريين بإمكانية حدوث تغيير، على أساس الوعود المعسولة التي أطلقت حول إحداث تغيير وتطوير اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي في سورية. فتجددت المطالبات بالتطوير، وبدا أن ذلك مقبولٌ إلى حد ما. وبدأ نوع من الحراك المجتمعي. كنا في سورية دائماً نحتاج إلى فرصة للتعبيرعن حالنا وتقديم رؤيتنا. ولم أكن أمارس العمل السياسي، ولم أنتم إلى أي حزب سياسي، كنت دائما أفكر بعملٍ يكون مجتمعيّاً، ولصيقاً بالناس، وبشكل خاص التربية والأطفال والنساء".

وانطلاقاً من هذا المناخ العام نحو "التطوير والتحديث"، بدأت بنوت بشكل جدي السعي من أجل الحصول على ترخيص لجمعية اجتماعية رسمية، فتقدمت لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بطلب تلو الآخر لتأسيس هذه الجمعية المدنية الأهلية، "كانوا يقابلوني باستهزاء. كانوا يقولون لي: ماذا تفعلين، انظري إلى الرفوف التي تتكدس عليها آلاف الطلبات، فلماذا تبذلين جهودك سدى". وتضيف بنوت: "بقيت مستمرة بالمطالبة طيلة ست سنوات، وصل خلالها إلى حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ثلاثة وزراء. وفي عام 2006، تقلدت وزارة الشؤون الاجتماعية سيّدة متحمّسة ومتساهلة، ويبدو أنها كانت راغبة في إحداث تغيير بسيط. وبالتأكيد، وصلتها توصيات بأنني لستُ خطراً على الدولة وأمنها، فمنحتني ترخيصاً لجمعية فنية حملت اسم (جمعية النهضة الفنية)، والتي تسعى لإعطاء الفن دوره في النهوض بالإنسان والمجتمع".




نجحت الجمعية بتأسيس "كورال" لكبار السن رجالاً ونساء. كان من كوادره سيدة عمرها 83 سنة، ومهندس عمره 82 سنة. وبينما كان "الكورال" في فترة التحضير والتدريب لإقامة الحفلات الجماهيرية، انطلقت الثورة السوريَّة في مارس/ آذار 2011، واستمرت الجمعية حتى اليوم، لكن تقلَّص عملها كثيراً. أما رجاء، فغادرت وطنها.

عن رحلة الهجرة واللجوء، تقول بنوت: "في أواخر 2011، بدأت مرحلة الشتات القسري، وكانت دبي الوجهة الأولى لضرورات عمل زوجي". في محطتها الأولى، شكَّلت رجاء مجموعات ثقافية وفنية، جاعلة منزلها بمثابة الصالون الثقافي الذي ينظّم برنامج فعاليات شهريّة، بمشاركة سوريين يمتلكون توجّهاً لسورية مدنية ديمقراطية عبر الأساليب والطرق السلمية والثقافية التي تؤمن بأنّها رافعة التغيير.

تقول بنوت: "في دبي، لاحظت بأنَّ هنالك شيئا من الرفاهية، في الوقت الذي يسقط فيه الأبرياء في سورية، ويفرُّون إلى المخيمات كلاجئين. فلم أحتمل الوضع، لا سيما أن حجم ما أعمله بسيط جدًا، بالنسبة لحجم المشكلة السورية. تولّد لدي شعور بأنَّ عليّ أن أساهم أكثر، لأن المصيبة كبيرة، وليست قصة رفاهية والجلوس في صالونات للتنظير. فتوجهت إلى مدينة غازي عنتاب التركية، بمبادرة شخصية وبمساندة من زوجي، الذي تحمّل بأن يبقى بمفرده". وصلت رجاء إلى محطتها الثانية في رحلة الشتات، وهي تحمل أكثر من فكرة، واكتشَفت أنَّ الشعارات الحماسية استهلكت، ولم تعد تجدي نفعاً. فمثلاً، قلائل من يلبون الدعوة لتشكيل حزب سياسي، وكذلك قلائل الذين يلبون الدعوة إلى وقفة تضامنية. فمن أصل 200 ألف سوري، يلبي هذه الدعوات 50 شخصاً فقط. إذْ أصبحت هذه الطرق التقليدية مُكرّرة ومنفّرة أيضاً.

وتضيف: "أحييتُ فكرة الكورال التي حقَّقت نجاحاً، وغيَّرت حياة كثير من الناس نحو الأفضل في زمن السلم. ففي وقت الحرب الصعب، ربما يكون مردودها أكبر، فوجدت أن فئة كبار السن تعيش صعوبة مضاعفة في اللجوء. لأن هؤلاء الناس انقطعوا في الجزء الثاني من حياتهم، فهذه الفئة رميت في الهواء، وهي غير قادرة على أن تلم نفسها. وبالنسبة للسيدات المسنّات، كانت مصيبة حقيقية، فهن غير قادرات على التأقلم، ولديهن حزن غير عادي، وحالة مأساوية من الإحباط بشكل كبير. توقعت مرة ثانية أن يحدث (الكورال) تأثيراً ايجابياً، وعندما عرضت الفكرة على مجموعة من السيدات ضحكن واستهزأن: ماذا تطرحين في هذا الوقت؟ فكانت كلمتي التي رددنها بعد ذلك، لأننا نعيش الحرب يجب أن نغني، فقررنا أن نغني التراث السوري الذي يشمل كافة المحافظات من الشمال إلى الجنوب، وباللغات الموجودة في سورية حتى غير العربية كالكردية والتركمانية والآشورية والسريانية. وأسست في عنتاب (ملتقى حنين الثقافي)، وضم (كورال) من السيدات المسنات، وكانت أهداف (الكورال) والملتقى نفسية واجتماعية ومساعدة السيدات على الخروج من حالة الاكتئاب، ليعدن لرؤية حياتهن من منظور آخر. ويعتمد الملتقى بشكل أساسي على العلاقات والأصدقاء، لأنه تطوعي ولا يوجد أي تمويل. فكان الأصدقاء والمختصّون بمجالات مختلفة يشاركون في ورشات عمل متنوعة".



وتؤكَّد بنوت أن فعاليات وأنشطة الملتقى ساعدت على خروج السيدات من الإحباط والحزن والانخراط في المجتمع، فسبع سيدات من أصل 20 وجدْن عملاً بسبب خروجهن من المنزل، واحتكاكهن بالناس. وما زال الملتقى يواصل فعالياته في غازي عنتاب.



ومع استمرار محنة الشعب السوري الذي خذله المجتمع الدولي بوضع حد للمأساة الكبرى، وتحت الإحساس بعدم العودة القريبة للوطن، بدأت رجاء بالتفكير في مقر لأسرتها المشتتة بين 5 دول. وفي أواخرعام 2016، توجهت إلى ألمانيا وأصبحت "لاجئة" بصفة إنسانية وليس سياسية.

وتقول رجاء بنوت "بعد شهرين من وصولي إلى ألمانيا في أواخر عام 2016، كان هناك مجموعة سيدات عضوات في ملتقى حنين قدمن أيضاً من غازي عنتاب، فنظمنا أنفسنا وقدمنا عرضا صغيرا بمناسبة اليوم السوري في ضواحي بون، ثم استقريت في برلين وأسست النشاط الأساسي لملتقى حنين في برلين، و"كورال"أيضا للسيدات، ووضعنا ضمن اهتمامنا التبادل الثقافي والتعامل مع المجتمع الالماني كي نوصل رسالتنا إلى المجتمع الألماني، بالإضافة إلى خلق حالة ايجابية لدى السيدات السوريات والتضامن معاً في المناسبات الحياتية".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
المساهمون