منذ انطلاقة الثورة في الأرجاء السورية شهر مارس/آذار 2011، كانت رسالة السلطة للشعب واضحة؛ من معنا فأهلاً وسهلاً، ومن ليس معنا فليصمت أو يمت أو ليَرحل. كان للسلطة ما أرادت، فبعد ثماني سنوات، قُتلَ في سورية قرابة نصف المليون ورحل عنها أكثر من 12 مليوناً، وأما من آثر أو اضطرّ إلى البقاء؛ فلزم الصمت، وأجّل الانفجار إلى وقت الانتحار، أو إلى موسم ربيع قادم.
في المنفى، أوّل ما يسألونك حين يسألوك عن البلد: وهل ما زال في سورية من يعزف الموسيقى ؟ الجواب: نعم
مع بوادر أولى المظاهرات والاعتصامات في دمشق وحمص ودرعا، تداعياً لما جرى في تونس ومصر وليبيا، سرعان ما انقسم المجتمع السوري عمودياً بين معارضٍ للنظام وموالٍ له. تمترس كلّ شطرٍ خلف روايته متمسّكاً بقينيّتها، نافياً التي تُقابلها، ناقضاً لها؛ فنشأ واقعان منفصلان ومتوازيان، واحدٌ قائمٌ على إرثٍ مديد من المظلومية، وآخرُ على ولاءات مصالحية ثم عقائدية ومذهبية.
كان للثورة السورية في البدء طليعة من الإنتلجنسيا الشبابية، خصوصاً في المدن، التفّوا شباباً وصبايا حول سلمية الحراك ومدنيّته، تم سحقهم دونما رحمة بقبضة الأجهزة الأمنية، ليبدأ بذلك الانقسام الأفقي للمجتمع عندما انتقلت الاحتجاجات إلى الريف وأحزمة الفقر. هناك اتخذت، نتيجة عقود من غياب العدالة الاجتماعية، طابعاً طبقياً تداخل فيه السياسي بالمطلبي والطائفي.
ومع انزلاق المآل نحو الاحتراب، تجسّد الواقعان الموازيان على الأرض، وصار لكل خصم سورياه. خرجت المناطق المُنتفضة عن قبضة النظام، فيما تحوّلت المناطق الموالية إلى أشبه بأرخبيل أمني يذكّر بـ "صربيا الكبرى" التي حاول إنشاءها بالقوة العسكرية الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش. وبدعم من يا ترى؟ طبعاً روسيا، إبان انفراط عقد اتحاد جمهوريات يوغوسلافيا السابقة.
اقــرأ أيضاً
أمست سورية ثنائيةَ الحياة والموت، الحدود بينهما قد لا تتجاوز مرّاتٍ بِضع المئات من الأمتار. في محميّات النظام تزدحم المقاهي بالرواد وتُعقد الندوات الشعرية وتُنظم الحفلات الموسيقية والمنافسات الرياضية. فيما على مرمى قذيفة هاون، يُسمع هدير المروحيّات تُلقي بالبراميل وأسطوانات الغاز، والدبّابات من ثغور الأحياء الراقية تدكّ عشوائيات المُعدمين حتى ساعات الصباح الباكر.
في ظل هذا الفصام، استمر عزف الموسيقى في مناطق النظام، مُجمّع دار الأسد للثقافة والفنون، الذي ضمّ مبنى الأوبرا والمعهد العالي للموسيقى والفنون المسرحية، بحكم تموضعه العمراني في الوسط الأمني والسياسي للعاصمة السورية؛ حيث مبنى قيادة الأركان والتلفزيون وعلى بعد كيلومتر من القصور الرئاسية، استمر النشاط فيه بالرغم من انقطاع شبه تام للعروض الأجنبية.
المعهد العالي للموسيقى؛ أول مؤسّسة سوريّة تعليمية عُليا تُعنى بتدريب وتخريج العازفين والمؤلفين والمدرسين الموسيقيين بدرجة أكاديمية تابع نشاطه الفني والتعليمي في غياب كوادره الأساسية من خُبراء كان جُلّهم من الروس - والذين أُجْلوا باكراً - ومحليين هجروا البلد على مراحل وتفرّقوا في الشتات السوري حول العالم، لم يسلم المُجمّع من قصف المعارضة المسلحة المتكرر للمنطقة.
الفرقة الوطنية السيمفونية؛ الواجهة الثقافية للبلد منذ تأسيسها أواخر التسعينيات استمرت في التدريب وتقديم العروض على الرغم من ظروف الحرب المضنية من انقطاع الكهرباء وصعوبة التنقّل نتيجة تمزّق المدينة بالحواجز الأمنية، اعتمدت على المتوفّر من العازفين؛ فسدّ الباقون فراغاً تركه المهاجرون، لتحفظ الفرقة لهم بذلك لياقتهم الفنية والتقنيّة، وتصون لأسرهم مورد عيشها ورزقها.
صلحي الوادي لم يعد بيننا - وهو الأب المؤسس للحياة الموسيقية في سورية بعد الاستقلال - لنعرف صراحةً أو سراً ما سيكون رأيه بإزاء الحدث السوري. تاريخياً، كان الوادي مُقرّباً من الرئيس الأسبق حافظ الأسد ووزيرة الثقافة المُخضرمة نجاح العطار، فقد رأت القيادة حينها في شخصيته ومشروعه الموسيقي واجهةً دعائية تُؤكد المظهر العلماني والتحديثي لنظام البعث محلياً ودولياً.
اقــرأ أيضاً
استمرّت الحظوة بعد وفاة الأسد الأب ووراثة الأسد الابن. تجاوزت شكلها الحكومي العام إلى المالي الخاص مع ولادة الأوليغارشية السورية من جماعِ المال والسلطة، التي أخذت تُساهم في تمويل الحفلات الموسيقية والأنشطة الثقافية. خلافاً لإخوتها كالدراما التلفزيونية والفنون البصرية، بقيت الموسيقى عاجزة عن الربحية واقتصرت على منح الأثرياء الجدد مناسبات اجتماعية للتصوّر والتصدّر.
لم ينظر النظام في سورية، لا ماضياً ولا حاضراً، إلى الموسيقي كمثقف صاحب رأي أسوة بغيره من كتاب وتشكيليين ومشتغلين بالمسرح والسينما، فلم يرْتب منه، بل حَسِبَه مُشتغلاً في مجال الترفيه مُبتذلاً كان أم رفيعاً. من جهتهم لم يُعلِن الموسيقيون سوى نُدرة منفية هموماً فكرية وثقافية ووطنية، إلا ما توافق أو لم يتعارض مع خطاب السلطة. بذلك، عزفوا عن السياسة وانكبوا على العزف.
الموسيقى بالنسبة لأذن الرقيب لا صوت لها، ما دامت لا تحمل على متنها كلمات كالأغاني فتُقلقه، أو كان لصاحبها رأي مسموع أو مقروء يجهر به. تجريديتها المتناهية تريح السلطة وتزيل عنها عبء الرصد والمُتابعة، بخلاف وسائل التعبير الأخرى التي تجسد أفكاراً وتُفصح عن آراء وترسل رسائل فوقية وتحتية. الموسيقى قد تداعب الكون وتزلزله في آن من دون أن تمس عرش السلطان.
خلال فترة الهبّة الشعبية ثم الحرب الأهلية فالغلبة العسكرية على المعارضة المسلحة، قارب النظام المشهد الموسيقي في الداخل السوري دعائياً من خلال نهجين مرحليين، هما الإنكار والمفاضلة. فمع بدء الاحتجاجات، جهدت السلطة أولاً في إنكارها والتأكيد على طبيعية الوضع، خصوصاً في العاصمة ومُدن الساحل، فكان من مظاهر الطبيعية تلك استمرار الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية.
اقــرأ أيضاً
مع تعفّن الجرح السوري وانتشار الدمار والخراب ونموّ الجماعات الجهادية والتكفيرية ثم استيلاؤها- إعلامياً بالأخص - على تمثيل الجبهة المُعارضة في الميدان، دخل النشاط الفنّي عموماً والموسيقي بطبيعة الحال على سياسة النظام الدعائية من باب المُفاضلة؛ فإما الحياة بأشكالها وألوانها من فن وعزف وغناء في حِمى الدولة الأسدية، أو الموت والظلام في ظل الدولة الإسلامية.
مع البدء بإعادة تأهيل النظام دولياً بتأثيرٍ من أزمة اللاجئين واستغلال الشعبويين لها تلويحاً بخطر الإرهاب، نُظر إلى حُكم الأسد على أنه أهون الشرّين، فأخذت الأيادي تمتد نحو الداخل السوري من نافذة الثقافة. بدأت أطراف مستقلة وحكومية، تحديداً روسيّة وإيطالية - خصوصاً بعد ترؤس اليميني "سالفيني" الحكومة - بفكّ عزلة الموسيقى داخل سورية وتعزيز حضورها خارجها.
حاكى المشهد الموسيقي في المهجر نظيره في الداخل السوري، وإن بهامش أرحب من حرية. سرّاً، بدا الاستقطاب بذات الحدة، جهراً، آثر معظم الموسيقيين وخصوصاً عند انضوائهم مع زملائهم في فرق تجنّب المواقف المعلنة لأن لا تُفسد السياسة سيرورة العمل الجماعي، فضّلوا رفع شعارات إنسانية محضة تربطهم أمام الجمهور والإعلام الغربي سوريّاً من دون أن تورطهم سياسياً.
فيما انعكس تشرذم وسوء أداء المعارضة في الخارج، إضافة إلى صعود التيارات الإسلامويّة المحافظة فيها، بصورة غياب استثمار حقيقي من أجل بناء منصّة ثقافية ممأسسة وجامعة تُمثّل قوى الديمقراطية فنيّاً، فاقتصر الحضور المُعارض على عروض تدشينية لمؤتمرات وفعاليّات خيرية ومشاريع فردية مُتفرّقة شابتها الانتهازية واختلط فيها الشأن المادي والشخصي الخاص بالسوري العام.
السوري الفنان هو إنسان سوري أينما كان في المكان، سواء على أرض النظام أو أرض المنفى، فنّه عمله وباب رزقه مثلما هو دأبه وشغفه. وعليه، وجب أن تُتاح له الفرصة في ممارسة ما اشتغل به وتعب واستثمر من عمره سنوات طويلة. كل سوري لم يتورّط بالقتل جُرماً أو تحريضاً له نصيب من المأساة السورية. كل سوري باقٍ بلحمه ودمه وعقله بعد كل هذا الهول له حصة من سمة البطولة.
مع بوادر أولى المظاهرات والاعتصامات في دمشق وحمص ودرعا، تداعياً لما جرى في تونس ومصر وليبيا، سرعان ما انقسم المجتمع السوري عمودياً بين معارضٍ للنظام وموالٍ له. تمترس كلّ شطرٍ خلف روايته متمسّكاً بقينيّتها، نافياً التي تُقابلها، ناقضاً لها؛ فنشأ واقعان منفصلان ومتوازيان، واحدٌ قائمٌ على إرثٍ مديد من المظلومية، وآخرُ على ولاءات مصالحية ثم عقائدية ومذهبية.
كان للثورة السورية في البدء طليعة من الإنتلجنسيا الشبابية، خصوصاً في المدن، التفّوا شباباً وصبايا حول سلمية الحراك ومدنيّته، تم سحقهم دونما رحمة بقبضة الأجهزة الأمنية، ليبدأ بذلك الانقسام الأفقي للمجتمع عندما انتقلت الاحتجاجات إلى الريف وأحزمة الفقر. هناك اتخذت، نتيجة عقود من غياب العدالة الاجتماعية، طابعاً طبقياً تداخل فيه السياسي بالمطلبي والطائفي.
ومع انزلاق المآل نحو الاحتراب، تجسّد الواقعان الموازيان على الأرض، وصار لكل خصم سورياه. خرجت المناطق المُنتفضة عن قبضة النظام، فيما تحوّلت المناطق الموالية إلى أشبه بأرخبيل أمني يذكّر بـ "صربيا الكبرى" التي حاول إنشاءها بالقوة العسكرية الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش. وبدعم من يا ترى؟ طبعاً روسيا، إبان انفراط عقد اتحاد جمهوريات يوغوسلافيا السابقة.
أمست سورية ثنائيةَ الحياة والموت، الحدود بينهما قد لا تتجاوز مرّاتٍ بِضع المئات من الأمتار. في محميّات النظام تزدحم المقاهي بالرواد وتُعقد الندوات الشعرية وتُنظم الحفلات الموسيقية والمنافسات الرياضية. فيما على مرمى قذيفة هاون، يُسمع هدير المروحيّات تُلقي بالبراميل وأسطوانات الغاز، والدبّابات من ثغور الأحياء الراقية تدكّ عشوائيات المُعدمين حتى ساعات الصباح الباكر.
في ظل هذا الفصام، استمر عزف الموسيقى في مناطق النظام، مُجمّع دار الأسد للثقافة والفنون، الذي ضمّ مبنى الأوبرا والمعهد العالي للموسيقى والفنون المسرحية، بحكم تموضعه العمراني في الوسط الأمني والسياسي للعاصمة السورية؛ حيث مبنى قيادة الأركان والتلفزيون وعلى بعد كيلومتر من القصور الرئاسية، استمر النشاط فيه بالرغم من انقطاع شبه تام للعروض الأجنبية.
المعهد العالي للموسيقى؛ أول مؤسّسة سوريّة تعليمية عُليا تُعنى بتدريب وتخريج العازفين والمؤلفين والمدرسين الموسيقيين بدرجة أكاديمية تابع نشاطه الفني والتعليمي في غياب كوادره الأساسية من خُبراء كان جُلّهم من الروس - والذين أُجْلوا باكراً - ومحليين هجروا البلد على مراحل وتفرّقوا في الشتات السوري حول العالم، لم يسلم المُجمّع من قصف المعارضة المسلحة المتكرر للمنطقة.
الفرقة الوطنية السيمفونية؛ الواجهة الثقافية للبلد منذ تأسيسها أواخر التسعينيات استمرت في التدريب وتقديم العروض على الرغم من ظروف الحرب المضنية من انقطاع الكهرباء وصعوبة التنقّل نتيجة تمزّق المدينة بالحواجز الأمنية، اعتمدت على المتوفّر من العازفين؛ فسدّ الباقون فراغاً تركه المهاجرون، لتحفظ الفرقة لهم بذلك لياقتهم الفنية والتقنيّة، وتصون لأسرهم مورد عيشها ورزقها.
صلحي الوادي لم يعد بيننا - وهو الأب المؤسس للحياة الموسيقية في سورية بعد الاستقلال - لنعرف صراحةً أو سراً ما سيكون رأيه بإزاء الحدث السوري. تاريخياً، كان الوادي مُقرّباً من الرئيس الأسبق حافظ الأسد ووزيرة الثقافة المُخضرمة نجاح العطار، فقد رأت القيادة حينها في شخصيته ومشروعه الموسيقي واجهةً دعائية تُؤكد المظهر العلماني والتحديثي لنظام البعث محلياً ودولياً.
استمرّت الحظوة بعد وفاة الأسد الأب ووراثة الأسد الابن. تجاوزت شكلها الحكومي العام إلى المالي الخاص مع ولادة الأوليغارشية السورية من جماعِ المال والسلطة، التي أخذت تُساهم في تمويل الحفلات الموسيقية والأنشطة الثقافية. خلافاً لإخوتها كالدراما التلفزيونية والفنون البصرية، بقيت الموسيقى عاجزة عن الربحية واقتصرت على منح الأثرياء الجدد مناسبات اجتماعية للتصوّر والتصدّر.
لم ينظر النظام في سورية، لا ماضياً ولا حاضراً، إلى الموسيقي كمثقف صاحب رأي أسوة بغيره من كتاب وتشكيليين ومشتغلين بالمسرح والسينما، فلم يرْتب منه، بل حَسِبَه مُشتغلاً في مجال الترفيه مُبتذلاً كان أم رفيعاً. من جهتهم لم يُعلِن الموسيقيون سوى نُدرة منفية هموماً فكرية وثقافية ووطنية، إلا ما توافق أو لم يتعارض مع خطاب السلطة. بذلك، عزفوا عن السياسة وانكبوا على العزف.
الموسيقى بالنسبة لأذن الرقيب لا صوت لها، ما دامت لا تحمل على متنها كلمات كالأغاني فتُقلقه، أو كان لصاحبها رأي مسموع أو مقروء يجهر به. تجريديتها المتناهية تريح السلطة وتزيل عنها عبء الرصد والمُتابعة، بخلاف وسائل التعبير الأخرى التي تجسد أفكاراً وتُفصح عن آراء وترسل رسائل فوقية وتحتية. الموسيقى قد تداعب الكون وتزلزله في آن من دون أن تمس عرش السلطان.
خلال فترة الهبّة الشعبية ثم الحرب الأهلية فالغلبة العسكرية على المعارضة المسلحة، قارب النظام المشهد الموسيقي في الداخل السوري دعائياً من خلال نهجين مرحليين، هما الإنكار والمفاضلة. فمع بدء الاحتجاجات، جهدت السلطة أولاً في إنكارها والتأكيد على طبيعية الوضع، خصوصاً في العاصمة ومُدن الساحل، فكان من مظاهر الطبيعية تلك استمرار الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية.
مع تعفّن الجرح السوري وانتشار الدمار والخراب ونموّ الجماعات الجهادية والتكفيرية ثم استيلاؤها- إعلامياً بالأخص - على تمثيل الجبهة المُعارضة في الميدان، دخل النشاط الفنّي عموماً والموسيقي بطبيعة الحال على سياسة النظام الدعائية من باب المُفاضلة؛ فإما الحياة بأشكالها وألوانها من فن وعزف وغناء في حِمى الدولة الأسدية، أو الموت والظلام في ظل الدولة الإسلامية.
مع البدء بإعادة تأهيل النظام دولياً بتأثيرٍ من أزمة اللاجئين واستغلال الشعبويين لها تلويحاً بخطر الإرهاب، نُظر إلى حُكم الأسد على أنه أهون الشرّين، فأخذت الأيادي تمتد نحو الداخل السوري من نافذة الثقافة. بدأت أطراف مستقلة وحكومية، تحديداً روسيّة وإيطالية - خصوصاً بعد ترؤس اليميني "سالفيني" الحكومة - بفكّ عزلة الموسيقى داخل سورية وتعزيز حضورها خارجها.
حاكى المشهد الموسيقي في المهجر نظيره في الداخل السوري، وإن بهامش أرحب من حرية. سرّاً، بدا الاستقطاب بذات الحدة، جهراً، آثر معظم الموسيقيين وخصوصاً عند انضوائهم مع زملائهم في فرق تجنّب المواقف المعلنة لأن لا تُفسد السياسة سيرورة العمل الجماعي، فضّلوا رفع شعارات إنسانية محضة تربطهم أمام الجمهور والإعلام الغربي سوريّاً من دون أن تورطهم سياسياً.
فيما انعكس تشرذم وسوء أداء المعارضة في الخارج، إضافة إلى صعود التيارات الإسلامويّة المحافظة فيها، بصورة غياب استثمار حقيقي من أجل بناء منصّة ثقافية ممأسسة وجامعة تُمثّل قوى الديمقراطية فنيّاً، فاقتصر الحضور المُعارض على عروض تدشينية لمؤتمرات وفعاليّات خيرية ومشاريع فردية مُتفرّقة شابتها الانتهازية واختلط فيها الشأن المادي والشخصي الخاص بالسوري العام.
السوري الفنان هو إنسان سوري أينما كان في المكان، سواء على أرض النظام أو أرض المنفى، فنّه عمله وباب رزقه مثلما هو دأبه وشغفه. وعليه، وجب أن تُتاح له الفرصة في ممارسة ما اشتغل به وتعب واستثمر من عمره سنوات طويلة. كل سوري لم يتورّط بالقتل جُرماً أو تحريضاً له نصيب من المأساة السورية. كل سوري باقٍ بلحمه ودمه وعقله بعد كل هذا الهول له حصة من سمة البطولة.