منذ نهاية السبعينيات، ظلت الأغنية الهندية بتعبيراتها المختلفة، تُشكل جوهر مفهوم الصورة السينمائية في الفيلم الهندي، يتمُّ تطويعها عبر آلات موسيقية مختلفة مرفوقة برقصات متنوعة ضاربة في قدم الحضارة الهندية. لكن السمة البارزة في الأغاني الهندية، هي أنها تأخذ طابعاً دينياً محضاً، تكتسب قيمتها وقُوتها من قدرتها كوسيط ديني للتعبد.
اكتسحت الأغنية الهندية مُخيّلة العالم العربي في وقت تزامن مع انتشار مد الأغنية المصرية في كل من سورية ولبنان والمغرب وغيرها من الدول العربية الأخرى. إذْ ظلت تحت تأثير الأغنية المصرية، باستثناء بعض المدن الجزائرية المُحتفظة بسُلطة الراي وخصوصياته الجمالية داخل المشهد الفني الجزائري، خلافاً لبلد مثل المغرب، الذي بدا في ثمانينيات القرن الماضي وكأنه "ولاية هندية"، بحكم التفاعل القوي والحب الكبير الذي أظهره الجمهور المغربي للموسيقى الهندية. هكذا اصطف الناس لساعات طويلة لحجز تذاكرهم داخل صالات السينما الشعبية خاصة بمدينة الدار البيضاء، والتي ظلت تعرض أكثر من ثلاثة أفلام هندية في اليوم، يرافقها رقص وغناء وهتاف للنجوم، بمجرد ما يظهرون على شاشة السينما مثل شاروخان وأكشاي كومار وكاترينا كيف وسونيل شيني وأميتاب باتشاف ومدهوري ديكشن وأمير خان وباريانكا شوبرا فيما بعد وغيرهم. بل الأكثر من ذلك، هو مدى تأثير الموسيقى الهندية في المُتخيَّل الإعلامي الذي انصاع بشكل كلي إلى عرض الأفلام وتقديم فقرات موسيقية بشكل يومي كل مساء، وكتابة أخبار عن موسيقيين وممثلين وغيرهم من صناع الفرجة داخل المشهد الفني الهندي.
لكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأ وهج الموسيقى الهندية يخفت مع تصاعد الجيل الجديد والاكتساح الكبير الذي أظهرته موسيقى الراي والهيب هوب. فالأغنية الهندية لم تعد تستطيع سحر مخيلة هذا الجيل الجديد المُنهك من كثرة الخطاب السياسي والواقعية الفجة التي بدأت تحكم وتقيد عقله وهواجسه الإبداعية وذوقه الفني الموجه صوب الموسيقى الترفيهية.
الانتكاسة الحقيقية التي تشهدها الأغنية المغربية الترفيهية اليوم، جعلت أصحابها يفكرون في طرق أبواب أخرى أكثر شهرة، فهم يستغلون الموسيقى الإلكترونية والإيقاع الموسيقي الصاخب والمختلف الذي توفره لهم بعض البرامج الموسيقية الجاهزة لإخفاء نصوصهم الغنائية الهزيلة. كما أنهم غير قادرين على كتابة أغنية جيدة، تتميز بخصوصية جماليّة وبحس فني يجعلها ترقى إلى الإيقاع الموسيقي الهندي المختلف، والمتنوع للآلات الموسيقية التي تظهر غنى الهند الفني. بل كل ما يعملون عليه هو الجري وراء الإيقاع والتحايل على المواويل بكلمات أقرب إلى الإيقاع، دون العناية بأيّ خصوصية جوهرية للنص ومعجمه الفني. إنه الطريق الأفضل والأسهل لديهم في مواصلة "نجوميتهم" وحرصهم على تصيد نجوم بوليوود مستغلين مكانة الأغنية الهندية داخل العالم العربي، ووضع فيديوهاتهم داخل أغانيهم والظهور معهم في حفلات عبر صُور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي من خلالها يكتسبون شرعيتهم الفنية ويحشدون أتباعم ومريديهم.
ولأن الآخرين لا يهمهم إلا الترويج لبضاعتهم الفنية، أصبحوا يمنحونهم حقوق إنتاج النسخة المغربية، كما هو الشأن في أغاني عبد الفتاح الجريني "فان" و"ظالمة" لأفلام الممثل الهندي شاروخان. وهي أغانٍ تفتقر إلى جمالية الكلمات والصُورة، ولا تتميز بنفس الحركة والفرح والمُتعة التي قد نستلذ بها في أغنيتها الأصلية، بالرغم من النجاح المبهر الذي حققته. وحتى اللباس التقليدي المستخدم في الفيديو كليب، لم يُبرز جمالية المشهد ولا تعدد الألوان ولا المناظر الطبيعة، كما هي متحررة ومنسابة بجمالية الصحراء والسماء في مشهد فيلم zaalima.
اقــرأ أيضاً
اكتسحت الأغنية الهندية مُخيّلة العالم العربي في وقت تزامن مع انتشار مد الأغنية المصرية في كل من سورية ولبنان والمغرب وغيرها من الدول العربية الأخرى. إذْ ظلت تحت تأثير الأغنية المصرية، باستثناء بعض المدن الجزائرية المُحتفظة بسُلطة الراي وخصوصياته الجمالية داخل المشهد الفني الجزائري، خلافاً لبلد مثل المغرب، الذي بدا في ثمانينيات القرن الماضي وكأنه "ولاية هندية"، بحكم التفاعل القوي والحب الكبير الذي أظهره الجمهور المغربي للموسيقى الهندية. هكذا اصطف الناس لساعات طويلة لحجز تذاكرهم داخل صالات السينما الشعبية خاصة بمدينة الدار البيضاء، والتي ظلت تعرض أكثر من ثلاثة أفلام هندية في اليوم، يرافقها رقص وغناء وهتاف للنجوم، بمجرد ما يظهرون على شاشة السينما مثل شاروخان وأكشاي كومار وكاترينا كيف وسونيل شيني وأميتاب باتشاف ومدهوري ديكشن وأمير خان وباريانكا شوبرا فيما بعد وغيرهم. بل الأكثر من ذلك، هو مدى تأثير الموسيقى الهندية في المُتخيَّل الإعلامي الذي انصاع بشكل كلي إلى عرض الأفلام وتقديم فقرات موسيقية بشكل يومي كل مساء، وكتابة أخبار عن موسيقيين وممثلين وغيرهم من صناع الفرجة داخل المشهد الفني الهندي.
لكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأ وهج الموسيقى الهندية يخفت مع تصاعد الجيل الجديد والاكتساح الكبير الذي أظهرته موسيقى الراي والهيب هوب. فالأغنية الهندية لم تعد تستطيع سحر مخيلة هذا الجيل الجديد المُنهك من كثرة الخطاب السياسي والواقعية الفجة التي بدأت تحكم وتقيد عقله وهواجسه الإبداعية وذوقه الفني الموجه صوب الموسيقى الترفيهية.
الانتكاسة الحقيقية التي تشهدها الأغنية المغربية الترفيهية اليوم، جعلت أصحابها يفكرون في طرق أبواب أخرى أكثر شهرة، فهم يستغلون الموسيقى الإلكترونية والإيقاع الموسيقي الصاخب والمختلف الذي توفره لهم بعض البرامج الموسيقية الجاهزة لإخفاء نصوصهم الغنائية الهزيلة. كما أنهم غير قادرين على كتابة أغنية جيدة، تتميز بخصوصية جماليّة وبحس فني يجعلها ترقى إلى الإيقاع الموسيقي الهندي المختلف، والمتنوع للآلات الموسيقية التي تظهر غنى الهند الفني. بل كل ما يعملون عليه هو الجري وراء الإيقاع والتحايل على المواويل بكلمات أقرب إلى الإيقاع، دون العناية بأيّ خصوصية جوهرية للنص ومعجمه الفني. إنه الطريق الأفضل والأسهل لديهم في مواصلة "نجوميتهم" وحرصهم على تصيد نجوم بوليوود مستغلين مكانة الأغنية الهندية داخل العالم العربي، ووضع فيديوهاتهم داخل أغانيهم والظهور معهم في حفلات عبر صُور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي من خلالها يكتسبون شرعيتهم الفنية ويحشدون أتباعم ومريديهم.
ولأن الآخرين لا يهمهم إلا الترويج لبضاعتهم الفنية، أصبحوا يمنحونهم حقوق إنتاج النسخة المغربية، كما هو الشأن في أغاني عبد الفتاح الجريني "فان" و"ظالمة" لأفلام الممثل الهندي شاروخان. وهي أغانٍ تفتقر إلى جمالية الكلمات والصُورة، ولا تتميز بنفس الحركة والفرح والمُتعة التي قد نستلذ بها في أغنيتها الأصلية، بالرغم من النجاح المبهر الذي حققته. وحتى اللباس التقليدي المستخدم في الفيديو كليب، لم يُبرز جمالية المشهد ولا تعدد الألوان ولا المناظر الطبيعة، كما هي متحررة ومنسابة بجمالية الصحراء والسماء في مشهد فيلم zaalima.
وبالرغم من أن المغني المغربي، عبد الفتاح الجريني، حاول أن يعطي لبعض مشاهد الفيديوكليب خصوصية مغربية، إلَّا أنه لم ينجح في ذلك، وبالتالي ظلت صور المشاهد قاحلة ولا تنضح بأيّ جمالية تذكر، لأنه لم يستوعب جيداً خصوصيات مشاهد الفيديو كليبات الهندية وقدرتها على ممارسة السحر على المشاهد عن طريق المناظر الطبيعية واللباس المزركش والصورة الملونة والمؤثرات الخارجية التي قد تستعمل في بعض المشاهد الغنائية.