تقول الحكاية إن سيد حجاب كان قد التقى بعبد الرحمن الأبنودي في منتصف الستينيات، حجاب كان شاعراً شاباً يحاول إيجاد طريقه بعد الانتقال من بلدته في الدقهلية إلى القاهرة وبعد انتشار محدود لأول دواوينه "صياد وجنينة"، بينما كان الأبنودي (الذي يكبره بعامين فقط) قد أثبت نفسه إثر تجربته المختلفة مع الموسيقار بليغ حمدي والمطرب محمد رشدي وأعماله الغنائية الناجحة التي جعلت عبد الحليم حافظ نفسه يرغب في التعاون معه. وفي تلك المقابلة.. تحمس الأبنودي كثيراً لحجاب، أخذه من يده وذهب به إلى صلاح جاهين، الأستاذ والشاعر والمعلم الذي يذهب الجميع إليه، فسمع "شعره" طويلاً، ولأن جاهين كان يعرف الموهوبين فور أن يراهم، فقد نظر إلى الأبنودي حينها وقال له إن "شعراء العامية في مصر ازدادوا واحداً بسيد حجاب".
العقود اللاحقة كلها منذ تلك اللحظة أثبتت بُعد نظر جاهين، وأن حماسه، الذي جعله يرشح حجاب لاحقاً لأعمال إذاعية أو غنائية، كان تماماً في محله، صحيح أن موهبته الكبرى لم تتفجر سريعاً، لأن السبعينيات بشكل عام كانت مرحلة ركود في كل أشكال الفن المصري، سواء الموسيقى أو السينما، ولكن مع قدوم الثمانينيات، بكل موجات الاختلاف والمواهب التي تفتحت فجأة ووجدت لنفسها سبيلاً، كان سيد حجاب يتألق، قرر أن الشعر مكانه ليس فقط في الكتب أو جلسات المثقفين، ولكن من الممكن عن طريق الغناء أن تقول كل ما تريده من القصيدة، وتمنحها كل هواجسك ومخاوفك وأسئلتك الفلسفية، ولكن تجعلها في الوقت ذاته أقرب لألسنة وقلوب وعقول الناس، ولذلك فقد بدأ مشاريع غنائية للنجوم الصاعدين في تلك المرحلة، ليغني من كلماته علي الحجار ومحمد الحلو وعفاف راضي وسميرة سعيد والمغني النوبي الذي يبني تجربة مختلفة تماماً محمد منير، وهكذا أصبح حجاب مبكراً جزءاً حياً وأصيلاً من ذاكرة تلك الفترة الثقافية والغنائية.
ومع ذلك، فإن النقطة الأبرز والأهم في مسيرة سيد حجاب وحياته كلها كانت التلفزيون، فمنذ بداية الثمانينيات ازداد ارتباط المصريين بالمسلسلات التلفزيونية، مع وجود كم كبير من الفنانين الموهوبين جداً، على رأسهم بالطبع أسامة أنور عكاشة ومخرجوه مثل محمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ وجمال عبد الحميد، و"حجاب" تحول مع الوقت إلى الشخص القادر في "تتر وأغنية" مدتهما 4 دقائق على الأكثر أن يختصر كل شيء يريد صناع الدراما قوله عبر 15 أو 30 حلقة. ومع متابعة الناس للمسلسلات، وسماعهم اليومي لأغانيه في الشارة الافتتاحية والختامية، تحول الشعر – كما يحلم "حجاب" - إلى كلامٍ عادي على ألسنة البسطاء. كأن يسمع له الناس في تتر مسلسل "الشهد والدموع" وهو يقول – بصوت علي الحجار - "تحت نفس الشمس فوق نفس التراب/ كلنا بنجري ورا نفس السراب".
كجملة تختصر مأساة وأحداث العمل، أو تتحول قصيدة استثنائية الجمال إلى تتر مسلسل "ليالي الحلمية" ويتفاعل الجميع مع جمل صعبة حين تُقرأ مثل "من اختمار الحلم ييجي النهار/ يعود غريب النهار لأهل وسكن"، أو يكررون مخاوف "حجاب" المعتادة من ألاعيب الزمن حين يقول "متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا/ ومتنتهيش ده إحنا يدوب ابتدينا"، أو تتسرب جملة شعرية معقدة جداً مثل "وينسرق من بين إيدينا الزمان/ كأنه سحبة قوس في أوتار كمان" – يعبر فيها من جديد عن هاجس العمر والوقت الدائم عنده إلى قلوب الناس بعد سماعها لـ40 يوماً وهم ينتظرون حلقات مسلسل "أرابيسك".
ومع المخزون القوي من الشعر والكلمات والألاعيب اللغوية المعتادة، تحول سيد حجاب إلى رمز مهم في المسلسلات التلفزيونية لثلاثة عقود، والمعبر الأهم عن أحلام وهزائم أبطالها، وصار من المستحيل أن يتذكر الناس الأعمال الدرامية –وأغلبها ضمن الأكثر كلاسيكية في تاريخ التلفزيون – دون أن ترتبط في أذهانهم بكلمات أغانيها، حتى لو لم يعرفوا أن من كتب كل تلك الأعمال هو رجل واحد قرر ألا يكون الشعر فقط في الكتب وجعله على تترات المسلسلات.
اقــرأ أيضاً
العقود اللاحقة كلها منذ تلك اللحظة أثبتت بُعد نظر جاهين، وأن حماسه، الذي جعله يرشح حجاب لاحقاً لأعمال إذاعية أو غنائية، كان تماماً في محله، صحيح أن موهبته الكبرى لم تتفجر سريعاً، لأن السبعينيات بشكل عام كانت مرحلة ركود في كل أشكال الفن المصري، سواء الموسيقى أو السينما، ولكن مع قدوم الثمانينيات، بكل موجات الاختلاف والمواهب التي تفتحت فجأة ووجدت لنفسها سبيلاً، كان سيد حجاب يتألق، قرر أن الشعر مكانه ليس فقط في الكتب أو جلسات المثقفين، ولكن من الممكن عن طريق الغناء أن تقول كل ما تريده من القصيدة، وتمنحها كل هواجسك ومخاوفك وأسئلتك الفلسفية، ولكن تجعلها في الوقت ذاته أقرب لألسنة وقلوب وعقول الناس، ولذلك فقد بدأ مشاريع غنائية للنجوم الصاعدين في تلك المرحلة، ليغني من كلماته علي الحجار ومحمد الحلو وعفاف راضي وسميرة سعيد والمغني النوبي الذي يبني تجربة مختلفة تماماً محمد منير، وهكذا أصبح حجاب مبكراً جزءاً حياً وأصيلاً من ذاكرة تلك الفترة الثقافية والغنائية.
ومع ذلك، فإن النقطة الأبرز والأهم في مسيرة سيد حجاب وحياته كلها كانت التلفزيون، فمنذ بداية الثمانينيات ازداد ارتباط المصريين بالمسلسلات التلفزيونية، مع وجود كم كبير من الفنانين الموهوبين جداً، على رأسهم بالطبع أسامة أنور عكاشة ومخرجوه مثل محمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ وجمال عبد الحميد، و"حجاب" تحول مع الوقت إلى الشخص القادر في "تتر وأغنية" مدتهما 4 دقائق على الأكثر أن يختصر كل شيء يريد صناع الدراما قوله عبر 15 أو 30 حلقة. ومع متابعة الناس للمسلسلات، وسماعهم اليومي لأغانيه في الشارة الافتتاحية والختامية، تحول الشعر – كما يحلم "حجاب" - إلى كلامٍ عادي على ألسنة البسطاء. كأن يسمع له الناس في تتر مسلسل "الشهد والدموع" وهو يقول – بصوت علي الحجار - "تحت نفس الشمس فوق نفس التراب/ كلنا بنجري ورا نفس السراب".
كجملة تختصر مأساة وأحداث العمل، أو تتحول قصيدة استثنائية الجمال إلى تتر مسلسل "ليالي الحلمية" ويتفاعل الجميع مع جمل صعبة حين تُقرأ مثل "من اختمار الحلم ييجي النهار/ يعود غريب النهار لأهل وسكن"، أو يكررون مخاوف "حجاب" المعتادة من ألاعيب الزمن حين يقول "متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا/ ومتنتهيش ده إحنا يدوب ابتدينا"، أو تتسرب جملة شعرية معقدة جداً مثل "وينسرق من بين إيدينا الزمان/ كأنه سحبة قوس في أوتار كمان" – يعبر فيها من جديد عن هاجس العمر والوقت الدائم عنده إلى قلوب الناس بعد سماعها لـ40 يوماً وهم ينتظرون حلقات مسلسل "أرابيسك".
ومع المخزون القوي من الشعر والكلمات والألاعيب اللغوية المعتادة، تحول سيد حجاب إلى رمز مهم في المسلسلات التلفزيونية لثلاثة عقود، والمعبر الأهم عن أحلام وهزائم أبطالها، وصار من المستحيل أن يتذكر الناس الأعمال الدرامية –وأغلبها ضمن الأكثر كلاسيكية في تاريخ التلفزيون – دون أن ترتبط في أذهانهم بكلمات أغانيها، حتى لو لم يعرفوا أن من كتب كل تلك الأعمال هو رجل واحد قرر ألا يكون الشعر فقط في الكتب وجعله على تترات المسلسلات.