عرضت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان" الليلة الماضية الحلقة الأولى من مسلسل "مقاتل 566"، ويروي السيرة الذاتية للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي عمل في سورية مطلع ستينيات القرن الماضي، وأعدم في العام 1965.
ولعل أهم ما برز في هذه الحلقة وعلى ألسنة قيادات، وكبار ضباط الموساد الذين تحدثوا فيها، أن الاستخبارات الإسرائيلية اعتمدت بشكل رئيسي على الشباب اليهودي العربي، في تنفيذ معظم عمليات التجسس، والتخريب التي نفذها الموساد في قلب الدول العربية.
حسب المسلسل، فإن جميع أفراد خلية الموساد التي نفذت عمليات إرهابية في مصر مطلع خمسينيات القرن الماضي كانوا من شباب يهودي مصري، حيث نفذ أفراد الخلية عمليات استهدفت مؤسسات تابعة لدول أوروبية في أرجاء مصر، بهدف إثارة نزاع بين نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهذه الدول.
كما أن المسلسل يبرز حجم اعتماد الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى على اليهود العرب في تنفيذ عمليات تجسس وجمع المعلومات.
ويتضح من الحلقة أن أربعة من أصل خمسة جواسيس قرر الموساد زرعهم في مصر وسورية ولبنان بُعيد إعلان الوحدة بين مصر وسورية كانوا يهوداً من أصول عربية، وهم: شلوميت كوهين التي تم زرعها في بيروت، وباروخ مزراحي في حلب في سورية، ومسعود بوطون، في بيروت ودمشق، بالإضافة إلى إيلي كوهين المولود في الإسكندرية والذي طلب منه أن يخلف بوطون في دمشق.
ويقول المؤرخ العسكري يوسيف أرغمان، الذي تحدث في الحلقة إن جواسيس الموساد من أصول عربية كان لديهم دافع كبير للعمل والإنجاز، بعد أن شعروا بأن عدم مشاركتهم في حرب 1948، التي أفضت إلى الإعلان عن إسرائيل فرض عليهم الإسهام، مشيراً إلى أن هؤلاء الجواسيس نشطوا بشكل خاص في المدن والبلدات الفلسطينية داخل إسرائيل وفي الدول العربية.
ووصف أرغمان إنجازات هؤلاء الجواسيس بأنها كانت "جبارة وتفوق الخيال"، على حد تعبيره.
وتدحض شهادة أرغمان محاولة كوهين استعطاف قضاة المحكمة العسكرية الذين استجوبوه عندما برر عمله الجاسوسي، بالقول إن موافقته على هذه المهمة جاءت بسبب الغبن والتمييز اللذين يتعرض لهما اليهود الشرقيون، والذين يحرمون من الوظائف وفرص العمل، وأنه وافق على العمل جاسوساً فقط، لأنه كان عاطلاً عن العمل، في حين كانت زوجته الحامل تتولى تأمين متطلبات الحياة من خلال عملها ممرضة.
تفجيرات العراق
ويتفق ما جاء في الحلقة مع محاضر الجلسات التي عقدتها محكمة عراقية في بغداد أواخر العام 1950، والتي أدانت مجموعة من الشباب اليهودي العراقي بتنفيذ عمليات تفجيرية استهدفت مرافق يهودية في أرجاء العراق، بهدف دفع اليهود العراقيين للهجرة إلى إسرائيل؛ حيث حكمت المحكمة في حينه بإعدام كل من يوسف ابراهيم بصري، شالوم صالح شالوم، ويوسف خبازة.
أم هارون
ومن الواضح أن الحلقة الأولى من مسلسل "المقاتل 566" تبدد الانطباع الذي يحاول تكريسه مسلسل "أم هارون" المثير للجدل والذي تبثه قناة "ام بي سي" والذي يستهدف إبراز "مظلومية" يهود الدول العربية، بهدف الدفع نحو تآكل الصورة التي تكرست في الوعي العربي، حول جرائم الحركة الصهيونية وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
فعندما يقر مسلسل وثائقي إسرائيلي وعلى ألسنة قادة استخبارات إسرائيليين بالاعتماد على بعض الشباب اليهودي العربي في تنفيذ عملياتهم التجسسية والتخريبية، فإن هذا يفترض أن يأخذه مخرجو ومعدو مسلسل أم هارون بعين الاعتبار.
الجاسوس البشري
من ناحية ثانية، يتضح من المسلسل أنه حتى بعد تطور التقنيات المتقدمة، ومع تعاظم الدور الذي بات يلعبه السايبر في تنفيذ عمليات التجسس، فإن أفضل وأدق المعلومات الاستخبارية الحيوية هي تلك التي تجلبها المصادر البشرية ممثلة في الجواسيس اليهود، أو العملاء العرب الذين يزرعهم الموساد.
ويقول رئيس الموساد السابق باردو "عندما يتمكن جهاز استخباري من زرع جاسوس في قلب دائرة صنع القرار للعدو، فإن هذا أهم هدف يمكن تحقيقه. فالمعلومات الاستخبارية التي يمكن الحصول عليها من المصادر البشرية أهم بكثير من المعلومات التي يمكن الحصول عليها من وسائل التجسس الإلكتروني".
ويدعي باردو أن الموساد كرس "أسطورته" من خلال أفعال أشخاص على شاكلة كوهين، إذ أنه تمكن من الاقتراب من النخب الحاكمة، والوصول إلى دائرة صنع القرار في سورية.
موساد وسي آي إيه
وفي سياق آخر، تثير الحلقة الأولى من "المقاتل 566" تساؤلاً لم تقدم إجابة واضحة له حول التعاون المبكر بين الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية السي آي إيه، مع العلم أن علاقات التحالف الاستراتيجي لم تكن قد توطدت بين الولايات المتحدة وإسرائيل حتى ذلك الحين.
فحسب شهادة أبراهام، شقيق كوهين، فإن ماجد شيخ الأرض، السوري الذي كلفه الموساد بالمساعدة على إدخال كوهين إلى سورية، تبين لاحقاً أنه عميل لـ "سي آي إيه".
ويقول جدعون ميتشنيك، الذي رأس وحدة التأريخ في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" في الحلقة إن اللقاء بين شيخ الأرض وكوهين لم يكن عفوياً وأن أحداً ما قام بتنسيقه، مرجحاً أن يكون الأمر نتاج تعاون بين الموساد والسي آي إيه.
هذا ما ينفيه رئيس الموساد باردو، الذي يشدد على أن الموساد لا يمكنه أن يخبر أي جهاز استخبارات أجنبي بتفاصيل عن جاسوس ينوي زرعه في مكان ما.
ويتضح من الوثائقي عدم كفاءة الأجهزة الأمنية في سورية ومصر في إجراء التحقيقات وجلب المعلومات من الخاضعين للتحقيق لديها.
المخابرات المصرية
ويستدل من الوثائقي أن كوهين تمكن من إقناع المخابرات المصرية التي حققت معه مطلع خمسينيات القرن الماضي حول دوره في التنظيم الإرهابي اليهودي الذي عمل هناك بعدم لعبه أي دور بهذا التنظيم، مع أنه كان ناشطاً فيه.
في الوقت ذاته، فإن الموساد يؤكد أنه بالاستناد إلى إفادات كوهين أمام المحكمة السورية، فقد تبين أن أجهزة الأمن السورية لم تتمكن من دفعه لتقديم كل المعلومات المتعلقة بأنشطته التجسسية.