* والله لا أعلم، هي تجربة تخص مرحلتها، تشرح كيف كنت وقتها، من حيث طريقة تناول المزيكا واكتشافها، وطبعاً هي مرحلة مميزة جداً، لأنها مرحلة تكسير العادي، تكسير كل الحاجات، كان يثيرني الفضول لكسر الموسيقى التي تشبه بعضها، أيضاً هي فترة تعليم للموسيقى كطالب مع خالد جبران، فهي فترة كانت أقرب إلى حقل تجارب.
ـ لماذا خرج الألبوم بهذا الشكل؟ لماذا كان البحث على شكل جديد، وعدم الاكتفاء بتقديم ألبوم عادي؟
• لا يوجد سبب محدد، كنت كلما ألحّن مقطع أشعر إنه يشبه غيره. كنت أبحث عن طريقة للخروج من النمط المعتاد، كانت مرحلة تكسير وتجريب، مرحلة الخروج، أو تحديداً مرحلة محاولة الخروج.
ـ رغم أن الألبوم صُنع وسط أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لكن لا توجد أغنية سياسية بأي شكل؟
* صحيح.. لأني كنت أعيش الحدث نفسه، كان الحدث أكبر من التحدث عنه، مثل ثورة يناير، كانت أكبر من أن يعبر عنها عبر الغناء؟ الحدث وحده كافي.
ـ الألبوم كان فيه شعراء مثل قيس بن الملوح وسلوى بن جراح.. دعنا نتحدث هنا عن أغنية الألبوم "مرآة"، واختيارك كلمات لحسين البرغوثي؟
* اختيار النص جاء بالصدفة، وأنا أبحث عن كلمات، رشح لي خالد جبران حسين البرغوثي، فهو يحبه. قابلت زوجته. كان حسين قد رحل، وأعطتني نصوصاً له مكتوبة على ورق. كان منهم مرآة، كانت جزءًا من قصيدة طويلة.
- شاركت في كتابة كلمات بعض أغاني الألبوم، وجاءت الأغاني بكلمات ربما غير مفهومة أو أقرب إلى السوريالية. هل كان ذلك جزءًا من مفهوم التجريب والتكسير؟
* القصة كلها، سواء في الكلمات أو الألحان، والذي كان يحدث بشكل حقيقي، هو أنني كنت أجرّب أشياء ثم لا تعجبني، فأجرب مرة ثانية فلا تعجبني أيضاً. وهكذا حتى توصلت إلى ما سمعه الناس. أغانٍ إذا سمعتها كمستمع ستُفرحني، أو أُثار، أو أجد شيئاً جديداً. كانت فترة تجريب الكتابة والتلحين والغناء. في النهاية، كنت أصل إلى أن قصيدة مثل "تخبّط" هي ما يعجبني، ربما لأنني كنت أشعر بالملل من الكلام العادي، دائما الكلام له معنى والمفردات مهمة، كنت أحب أن أقول وأحس أن المهم هو الحالة الكاملة للأغنية.
-"والله وسكرتيني ياليله جبتي البارود لأحمر وسكرتيني". كانت البداية هنا في أول ألبوم لك عام 2001. كان هناك اقتباس من التراث من الشاعر زين العابدين فؤاد وبعدها كان مقطوعة "حول يا غنام" في ألبوم "مرآة"، وبعدها كانت أغنية "حول يا غنام" مع "كذا مدى". ماذا اختلف في رؤيتك للتراث والفلكلور بين التجارب الثلاثة؟
* هو عموماً في أغاني من التراث وأغاني ليست تراثاً، لكن قديمة. كنت أستمع إليها وتعجبني جدا، خصوصاً أنها غير معروفة. وقتها، كنت أسست فرقة اسمها "جهار" مع هدى عصفور. كنا نقدم إعادة توزيع لأغان نحبها، لكن إعادة التوزيع كان ينتج عنهاأغنية جديدة، إلا أن التأثر في الأغنية الأصلية واضح. وتلك التجربة هي التي ظهرت من خلالها "حول يا غنام".
ـ ماذا اختلف في تامر ورؤيته للوطن، بعد سفرك إلى رام الله عام 1998؟
* كانت فلسطين، بالنسبة لي، فكرةً ونشيدًا وعلمًا واحتلالًا وقضية، إضافة إلى الاتجاه الشعبي مع المقاومة والنضال، وكان الموضوع، بالنسبة لي أيضا؛ إما سنقاوم، أو سنغني للمقاومة، وكانت سببًا بأن أتعرف إلى المزيكا وأتعلم العود وأعزف، وأغني مع كورال عباد الشمس في صغري. لكن عندما سافرت إلى فلسطين مرة أخرى، تغير الموضوع كلياً. بدأت أكتشف أن الأفكار والمواقف والأيديولوجيات منفصلة تماماً عن أرض الواقع.
ـ وبالنسبة للموسيقى ودراستك في معهد إدوارد سعيد بالتتلمذ على يد خالد جبران؟
• طبعاً كان له تأثير كبير في تغيير رؤيتي للموسيقى، كان خالد جبران هو السبب بأن أرى الأمور من زوايا عدة، من دون أن أبقى أسير في طريق واحد.
ـ تجربة ربيع بيروت، "يا أبانا"، ومع يعقوب أبو غوش في "كرزقة أنهار عمان"، وقبلهما "ثورة قلق" مع سلام يسري، كانت بمثابة تأكيد منك على موسيقى ألبوم "مرآة".. هل كان فشلًا في الخروج من الحالة الموسيقية لألبوم مرآة؟ أم استمتماع بالموسيقى والطريقة اللحنية الجديدة؟
• بخصوص "ثورة قلق"؛ فكان نفس وقت "مرآة". وعلى العكس، كانت تجربة ممتعة جداً. أيضاً، "ثورة قلق" كانت مسرحية، وكان التركيز أكثر على الدراما. أعتقد أنها كانت مساحة جديدة، وكاتب الكلمات ومخرج المسرحية سلام يسري، يهتم أكثر بمساحة الكلام من الموسيقى، عكس ما كان موجوداً في "مرآة"، لذلك كانت تجربة جديدة.
ـ مرآة كان ألبوم من دون قصيدة لمحمود درويش، رغم أنك لحنت في بداياتك. هل هذه محاولة للخروج عن المألوف والسائد؟
* محمود درويش أول تجربة لحنية، ولا أحد يختلف على مكانة وشعر درويش، لكن في "مرآة" كنت أرى أن هذا الشعر مثالي، ولا يحتاج للمزيكا، هو يكفي أن نسمعه من غير مزيكا.
ـ رجعت لدرويش مرة ثانية مع مريم في أغنية "القتيل رقم 18"، ومع درس من كاماسوترا، "انتظرها" مع فرقة "الألف"؟ هل ترى أنكم كنتم موفقين في اختيار قصيدة لدرويش هي من أشهر قصائده، بجانب أنها معروفة للناس بصوته وموسيقى الثلاثي جبران؟ هل كان تحدياً شخصيأ للفرقة وللموسيقى المرافقة للنص؟ أم جاءت بمثابة إعلان أن درويش ملك للكل وليس للثلاثي فقط؟
• لا هذا ولا ذاك. لم أكن قد سمعت تراك "انتظرها" من الثلاثي. طبعاً سمعت أعمالاً للإخوة جبران، لكن تراك "انتظرها" عرفته بعد ما قرأت التعليقات على الفيديو. وجود درويش في أ"الألف" أو مع مريم، الذي كنت أتحدث عنه في مرحلة سابقة، خف أثره؛ لذلك جاءت أغنية "القتيل رقم 18" جزءاً من القصيدة، ليست كلها. ومع "الألف"، كان المشروع مبنياً على الكلام الفصيح، القصائد الفصحى التي لها أثر معين. كانت مرحلة ثانية غير مرحلة "مرآة" أو ما قبلها.
- على ذكر "الألف"؛ التجارب متى تنتهي بالنسبة لك؟ لماذا يأخذ الفريق حقه، خصوصاً بعد إصدار ألبوم "أينما ارتمى"؟
• ينتهي المشروع عندما ينتهي الفضول المشترك. المشاريع المشتركة مبنية على الفضول الجماعي. كان ذلك أهم شيء في تجربة فرقة "الألف". كانت أعضاء الفريق يريدون أن يستمعوا بعض، ويتعلمون من بعضهم بعضاً. والميزة هي العيب أيضاً. لو استمرينا في "الألف" بسبب نجاح الألبوم، من دون أن يكون فيه نقاط مشتركة، سيكون الناتج سيئاً؛ فكان من الأفضل أن نوقف المشروع.
ـ هل نفس الكلام ينطبق على تجربة "كذا مدى"؟
• نفس الكلام طبعاً، لكن مع "كذا مدى" للأسف لم نسجل ألبوم، كل تجربة لما تخلص، ليها عوامل جماهيرية وتجارية، لكن أيضا يوجد عوامل شخصية، أنا لما أستمع للأغاني بعد إنتهاء التجربة، هكون شايف المنتج إزاي، لأن كل فترة بنتعلم أكثر، الموضوع لا يقاس بالنجاح والفشل، ولكن هو إعادة تقييم، إعادة تقييم للتجربة والمرة القادمة كيف ممكن تكون أحسن.
ـ لماذا يصعب تصنيف تامر أبو غزالة على أنه أندرغراوند، وفي الوقت نفسه، ليس تجارياً؟
• يبدو لي هذا الأمر جديداً. صعب دائماً أن تصنف نفسك في مكان معين. لكنه نقطة مهمة، سأفكر فيها.
ـ قدمت الأغاني السياسية المباشرة، مثل "خبر عاجل" و"الإخوان" و"البلاعات". هل نبرة السخرية في هذه الأغاني كانت شكلاً من أشكال تفهم الوضع والنضج السياسي.. بعد الغناء الحماسي في الطفولة، مثل "ما في خوف"؟
• لا. كان صعباً أن أتناول الموضوع نفسه بشكل جاد؛ لأن كل شيء كان عبثياً جداً. كل شيء بدا مضحكاً، ومن هنا جاءت السخرية على الأغنية السياسية نفسها.
- هل ستستمر تجربة "الإخفاء"، خصوصاً بعد نجاح الألبوم؟
* يخضع الأمر لفكرة الالتقاء نفسها، فإن استمر هذا التفاهم، سنعمل على شيء جديد. منذ أن صدر العمل، ونحن نريد أن نعمل على شيء جديد، لكن المشاكل تتعلق في الوقت. النية الآن موجودة، إلا أنه ما من قرار نهائي.
- ما هي أكثر تجربة تعقتد أنها لم تكن موفقة لك، حتى لو لاقت نجاحاً جماهيرياً؟
• (بعد تفكير لدقائق).. سؤال صعب جداً. أكثر ما ينطبق عليه هذا الأمر ربما هي أغنية "الخد". ربما لم يكن عليها أن تظهر بهذا الشكل.
ـ حسناً. بمناسبة إعادة تقديم الأغنية بشكل مختلف، كنت قد قدمت أغنية "حلم" مرة أخرى بعد أن أديتها مع "كذا مدى". وكذلك أغنية "حب"، قدمتها مرة أخرى في ألبوم "ثلث". هل إعادة تلحين الأغاني مرة أخرى يأتي من باب البحث عن الأفضل؟ أم أنه اعتراف بقصور اللحن الأول؟
• الموضوع متعلق أكثر بأن اللحن يظل عالقاً في ذهني أثناء عملي على قطع جديدة. حصل ذلك مع أغنية "حول يا غنام"، حين غنيتها مرة أخرى مع "كذا مدى". يحصل ذلك، أحياناً، حين أشعر أن اللحن لم يكتب بعد، وما زال هناك أشياء أخرى تخصه. هذا، مثلاً، حدث مع أغنية "حب"؛ فكانت النسخة الثانية في ألبوم "ثلث"، وما زال لحن "حب" لم يخرج من داخلي بشكل كامل، بمعنى آخر، لم أشبع من الأغنية واللحن حتى الآن.
ـ كان في ألبوم "ثلث" أغنيتان جديدتان فقط، والبقية كانت قد صدرت قبل ذلك. لماذا لم يكن هناك مشروع كامل، كما ألبوم "مرآة"؟
• الموضوع كان تجميعاً لكل الأغاني المنفردة التي صدرت على فترات، في شكل ليس كاملاً فنياً؛ فكان إصدارها تامّاً من ناحية التوزيع والآلات الموسيقية.
ـ كيف تحكم على أغنية وأنت تسمعها، إن كانت جميلة أو لا؟
• (يضحك)... سؤال صعب، كل فترة أجد له إجابة مختلفة. هذه الفترة، يمكنني القول إن الأغنية يجب أن تنقل لك شيئاً، أو إحساساً جديداً. المهم أنها تقدم ما هو جديد؛ حسياً ذهنياً بصرياً.
- هل هناك أغان تجارية تحبها؟
•(بعد تفكير).. نعم، أغاني سعد المجرد، وأغاني Anderson Paak، تحديدا أغنية "Come Down".
ـ لو سألنا عن الثلاثي القصبجى وزكريا أحمد والسنباطى. هل أن تقول جملة عن كل واحد منهم؟
• القصبجي هو الملحن المفضل لي في العصر الذهبي. أكثر شخص أشعر أن أعماله حقيقية ومحسوسة. ويعطيك جديداً، ليس جديداً على وقتها فقط، ولكن حتى الآن يعطيك جديداً، هو من القلائل الذي جميع أعماله في نفس المستوى والحالة. بالنسبة إلى زكريا أحمد، هو ملك الطرب، والجديد يقدمه في منقطة الطرب، حتى الآن تستمع لأغنية مثل "أنا في انتظارك"، وحتى الآن ورغم كل هذه السنوات، ما زال الطرب الأغنية مؤثراً. أما السنباطي؛ حيث الأصالة، دائماً يمتلك طرقاً أصيلة وتقليدية للأغنية، بمعنى أنه يجب الأغنية تصنع هكذا، وهذه ميزة وعيب في نفس الوقت. لكن طبعاً له ألحان كثيرة عظيمة جداً.
ـ ومحمد عبد الوهاب والست؟
• عبد الوهاب مثل القصبجي عندي. لكن المختلف أن عبد الوهاب كان له دور مهم في دخول آلات جديدة والتوزيع، بجانب أن ألحانه مميزة جداً وجميلة. طبعاً أحب الست، وبعيداً عن نبرة صوتها وأغانيها، لكن ذكاءها في اختيار الأغاني والأداء وتقديم جديد. طوال مسيرتها كانت تقدم جديداً، وهذا شيء في حد ذاته صعب ومبهر.
ـ هل ترى عبد الحليم مطرباً جيداً؟ أم مؤدّ ذكي؟
• عبد الحليم طبعاً مطرب جيد جداً. ومؤدّ ذكي أيضاً. أكثر ما يميزه، أنه يمثل حالة كانت فريدة وجديدة من نوعها؛ الحالة الرومانسية والدراما، والدمج بينهما.
- هل ممكن تقدم أغاني قديمة بشكل جديد، لعبد الوهاب أو أم كلثوم؟
• نعم، ممكن طبعاً. ما من خطة واضحة، لكن لا مانع. أدّيت أغاني لعبد الوهاب من قبل، مثل أغنية "سهرت"، ولكن بشكلها الطبيعي من دون إعادة توزيع.
ـ مين الصوت اللي تحب تقدم له لحن؟ حتى لو شخص قديم.
• كاميليا جبران
ـ استخدامك للألفاظ اللاذعة في "تسكر تبكي"، أو قبلها في أغنية "الإخوان".. هل هذا يمثل كسر حاجز جديد في الأغنية؟ أم ترى أنه أمر عادي، لكن الناس هم من يُصدمون؟
• "تسكر تبكي"، قصيدة ميدو زهير، ببساطة، نحن نحبها نصدقها، ونريد أن نغنيها وحابين. الفكرة كانت: إما أن نقدم القصيدة كما هي، إما أن نغض البصر عن الأغنية من الأساس. كان مهماً أن نكون حقيقيين مع أنفسنا، قبل مع الناس. كي تكون فناناً، يجب تكون حقيقياً في ما تقدمه. ولأسباب إنتاجية، قدمنا نسختين من "تسكر تبكي"، نسخة مشفرة، وأخرى من دون تشفير، وتركنا حرية الاختيار للمستمع نفسه. من ناحية أخرى، يتعلق بحالة السكيزوفرينيا التي تعاني مجتمعاتنا؛ أي أن تتصرف بشكل معين في الأوقات الرسمية، ومع اللحظات غير الرسمية ممكن أن تطلق الشتائم. تعبر الأغنية عن حالة كاملة بعيداً عن التعاملات الرسمية، والأغنية نجحت؛ لا بسبب وجود كلمات خارجة، بل بسبب الحالة نفسها.
ـ موسيقى المهرجانات كانت واضحة في "الإخفاء"، خصوصاً مع وجود موريس لوقا. ما رأيك في المهرجانات وموسيقاها؟ وما رأيك في هجوم كثير من الموسيقيين عليها؟
• أعتقد أن هذا مرتبط بفكرة السكيزوفرينيا التي تكلمنا عنها. الناس تريد أن تكنس، وتخفي القذارة تحت السجادة،. المشكلة أعتقد أننا معتادون على فكرة الأناقة، والتعبير عنها بشكل منمق. أما المهرجانات، فهي تعبير حقيقي من دون أي فلاتر. شباب أمسكت آلاتها وقالت ما لديها. هي عملية تجديد للمزيكا المصرية، سواء قبلتها أو رفضتها، هي موجودة. أعتقد أن الهجوم على المهرجانات هو هجوم أيديولوجي وطبقي.