في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، مع مؤسسة المهرجان ومبرمجته، رفيا العريدي، حول التظاهرة، تقول: "بدأت الفكرة تتشكل منذ أربع سنوات من ملاحظات لمهرجانات أفلام فلسطينية حول العالم تنتشر بشكل لافت. وكوني أعمل في الإنتاج وعلى تواصل دائم مع المهرجانات السينمائية والسينمائيين وكذلك من خلال حضوري ومتابعتي لبعض المهرجانات السينمائية، تعرفت أكثر إلى العمليات التشغيلية لمثل هكذا مشاريع وشعرت بأن الفكرة ممكنة، وحين عرضتها على صديقتي كلثم (المديرة الفنية)، فقالت: يا الله!".
تضيف: "بدأنا البحث والعمل على كتابة عرض تفصيلي للمشروع نتواصل به مع المؤسسات والشركات المحلية للدعم والرعاية، وتقدمنا به لجهات عديدة وشرحنا أكثر ما نسعى له ونطمح لإنجازه. لم نلقَ تفاعلاً مبشرًا وتبين لنا أن الطريق طويل، ومن نية أولى في عقد المهرجان في موسم الربيع لتسليم للواقع وعقد للمهرجان في الخريف، لكن الأمر كان يستحق الانتظار دون أدنى شك، فحظينا بجهة ممولة غطت لنا نصف الميزانية -المحدودة جدًا- ومؤسسات ثقافية قدمت لنا الدعم اللوجستي الذي بدوره اختصر الكثير من كلفة التشغيل، وها نحن كلثم السويدي، نور حسين عريدي (منسقة ومصممة) وأنا (مُبرمجة أفلام) نستعد لإطلاق الطبعة الأولى بجهود تطوعية فردية وبصحبة فريق متفانٍ من الصبايا والشباب انضمّ للمساعدة في التنظيم، مواطنين ومقيمين، مؤمنين بمستقبل مبشّر لمشروعنا الوليد".
يشارك في المهرجان 24 فيلماً، تتراوح بين ما هو وثائقي، وروائي، وتحريك (أنيميشن). عادةً تعتمد المهرجانات فئتين على الأكثر من الأفلام. ما الفكرة من اعتماد كل هذه الفئات في مهرجان واحد؟ سألنا العريدي، لتجيب: "كون المهرجان يحدث في قطر، ارتأينا أن تكون الأفلام من فلسطين وقطر على اختلاف النوع والجانر السينمائي والمدة، كون الجمهور في الدوحة متعدد الثقافات وبالتالي متنوع الاهتمامات، ناهيك عن أن الغاية الكبرى من المهرجان هي الاحتفاء بهذا الزخم الجميل من الإنتاج السينمائي في كلا البلدين على اختلاف عمر التجربة السينمائية، فهي تستحق الإشادة والتمعن".
عند النظر إلى برنامج المهرجان وفعالياته، يبدو أنه يتخفّف من فكرة الجوائز، التي يجد كثيرون أنّها أثرت سلبًا على صناعة السينما. حول هذه النقطة، تقول العريدي: "ما نسعى له بالأساس هو أن يحضر الناس سينما، أفلاماً، قصصاً لأناس مثلنا يعيشون في حيّز جغرافي ليس ببعيد، لكنه معزول نوعًا ما. ما يعرفه غالبية الناس عن فلسطين هو ما يرونه في الأخبار، وهنا تكمن المشكلة، فهم لا يرون إلا حربًا وبؤسًا وألمًا، بينما الحياة في فلسطين تنبض بالكثير ككل البلاد والثقافات، فنحن نحب الحياة ونتغنّى بها ليلاً نهارًا، لكننا نعيش واقع احتلال، ينال من عزائمنا أحيانًا، وفي أحيان أخرى يزيدنا عندًا وعنفوانًا ورفضًا للخضوع لمصيرٍ لا يليق بنا وبتاريخنا".
تضيف: "نحن نجمع الناس لنحكي لهم القصص بشكل مرئي بصيغة فيلم، أقرب للقلب والوجدان من خبرٍ عابر في محطة ما يكتبه مُعدّ أخبار وتقرأه مذيعة لم تطأ أرجلهم فلسطين، على الأغلب". توضح: "أما الجوائز، فهي للمهرجانات والملتقيات المعدّة للسينمائيين، بهدف التعارف والتشبيك والدعم والتطوير والتمويل وما إلى ذلك، هي حوافز مهمة من دون شك، لكنها تستهدف جمهورًا مختلفًا، بينما جمهورنا الذي نستهدفه هو أناس يشبهوننا جميعًا، ويحبون القصص".
تحت عنوان "مسرّات قطر"، سيكون الجمهور على موعد مع ليلتين مخصصتين للأفلام القصيرة التي أنجزها مخرجون قطريون، وعرب مقيمون في قطر. هل ثمة رابط يجمع بين الأفلام الفلسطينية، والأفلام القصيرة التي ستُعرض في "مسرّات قطر"؟ تُجيب العريدي: "كما ذكرت سابقًا، تتباين الخبرة السينمائية وعمر التجربة إجمالاً بين المشهدين السينمائيين في فلسطين وقطر بشكل كبير، لكن برأينا أن العامل المشترك يبقى شغف الصورة وفن الحكاية، فهي النواة الأساسية لكل الأفلام التي يسعى الكتاب والكاتبات والمخرجات والمخرجون لمشاركتها مع الناس، الصورة والحكاية".
وحول هذه الأفلام، تقول: "ما لفتنا في هذه الأفلام هو جودتها العالية رغم كونها أعمالًا أولى، والحماس الذي نراه في أعين صانعاتها وصنّاعها للتجربة الشيقة التي مرّوا بها منذ بداية تطوير المشاريع مرورًا بالإنتاج وما بعد، إلى أن تصل أعمالهم لشاشات سينمائية عملاقة لجمهور متذوق للسينما من كل أقطاب الأرض".
اللافت هنا، أن أفلام برنامج "مسرّات قطر"، ستُعرض في فلسطين قريبًا. تحدثنا العريدي عن هذا الأمر: "على مدى أعوام مضت، نظمت بصحبة كلثم مع مجموعة الصبايا والشباب القطريين والفلسطينيين، وبتمويل شخصيّ بحت، سلسلة من فعاليات فنية وثقافية استضفنا لأجلها فنانين من فلسطين ومن الشتات، فكان أن استضفنا معرضًا للمصوّر محمد بدارنة الفلسطيني المقيم في برلين، وجلسة موسيقية للفنانة والرسامة أمل كعوش من صيدا في لبنان، وندوات للباحث والمؤرشف فادي عاصلة، وهو من أراضي 48 ويقيم في القدس، والتقى جميعهم بنظراء لهم في قطر وتعارفوا وأصبحوا أصدقاء على تواصل دائم".
تضيف: "ما لفتنا هو النقلة النوعية التي طرأت، هنا في الدوحة، على الصورة النمطية لكلا الطرفين عن الطرف الآخر، رأينا الحواجز والحدود تتلاشى في حضرة السعادة التي عمّت الأجواء في أعقاب اللقاء والحديث وتبادل الأفكار وتمازج الخبرات، وأذكر أن نظرت إليّ كلثم في إحدى تلك الأيام وقالت: يجب أن نستمر. وكان أنْ عزمنا على إنجاز مشاريع فنية وثقافية تجمع بين فناني ومثقفي البلدين، وها نحن نقطف الثمار الأولى بهذا الجمع في مهرجان سينما فلسطين-الدوحة وكلنا أمل أن يكون بداية لمستقبل مليء بمشاريع لا تنتهي".
تتابع العريدي حديثها: "نجحنا حتى الآن بإنجاز شراكات في القدس، حيفا، رام الله، بيت لحم وغزة نعلن تفاصيلها في الأيام القادمة (أو قريبًا)، وفرحنا لحماس وسعادة صناع الأفلام هنا في الدوحة حول جولة عروض فلسطين وكذلك من المؤسسات الثقافية الشريكة في فلسطين التي رحبت بالفكرة كثيرًا ولم تتردد للحظة في استعدادها للتعاون وعرض الأفلام للجمهور في البلاد".
عن الأفلام المشاركة والمخرجين الذين عملوا عليها، تقول: "تواصلنا بشكل مباشر مع المخرجات والمخرجين في فلسطين وفي بلاد الاغتراب ووجدنا كل الترحيب والاهتمام بالمشاركة في هذه المبادرة التي تسعى بصدق إلى خلق مجتمع خاص لمتذوقي السينما، توجد فيه أرضية مشتركة للحوار بين ثقافات متعددة ونساهم من خلاله في تعزيز ثقافة السينما في قطر. اختيار الأفلام اعتمد على التنوع في القصص والأنواع، فمنها التاريخي والاجتماعي والأرشيفي والتحريكي والكوميدي، ما يلبّي الكثير من الأذواق والاهتمامات".
كثير ما تبدأ، في العالم العربي، مهرجانات من هذا النوع، لكنها لا تستطيع الاستمرار لأسباب عديدة. لكن، بالنسبة إلى العريدي، فالمسألة مختلفة. تقول: "نتصوّر مهرجانًا يجمع الناس ويعبر الحدود (والحواجز!) ببساطة ودون تكلّف. الثقافة، المجتمع، التعليم والترفيه هي المبادئ الأربعة التي تشكل الجوهر الرئيسي لمشروع مهرجان سينما فلسطين-الدوحة، وبينما تتركز طبعتنا الأولى على عروض للأفلام ونقاشات بين الحضور ومع صنّاعها -متى أمكن- نطمح لأن نسيّر مستقبلاً مجموعة من البرامج السينمائية التعليمية من ورش عمل وندوات، نتباحث فيها كسينمائيين حول ما يواجهنا من تحديات وعقبات ونطرح الأفكار للحلول والإمكانيات المتاحة، كما نطمح لتنظيم فعاليات فنية مصاحبة من عروض موسيقية حيّة وما شابه ذلك".
في هذا السياق، تواصل: "جل ما نتمناه من الناس هو أن يؤمنوا بقوة السينما وتأثيرها كلغة عالمية تجمع الشعوب أكثر من ما تفرقها، ومن المؤسسات والشركات الاهتمام بالسينما المستقلة كوجه حضاري للبلاد والسعي لتمكينها وتقديم الدعم الملائم، لا سيما السينما العربية التي باتت تجوب العالم وتلقى اهتمامًا واسعًا في المحافل السينمائية الدولية منذ عقدٍ مضى وحتى يومنا هذا".