وعلى مدى 12 عاماً، تابع العلماء أبحاثهم عن المناطق الزرقاء، وتوصلوا إلى بعض الافتراضات التي قد تفسر أسباب طول عمر سكان هذه المناطق، ولخص دان بوتنر نتائج أبحاثه في كتاب صدر في عام 2008، كما يرد في تقرير شبكة "بي بي سي".
هناك خمس مناطق في العالم تجمعها صفات مشتركة، لجهة الصحة الجيدة، وطول الأعمار: نيكويا في كوستاريكا، وسردينيا في إيطاليا، وإيكاريا في اليونان، وأوكيناوا في اليابان، ولوما ليندا في كاليفورنيا.
غذاء معتدل
درس بوتنر أنماط حياة سكان المناطق الزرقاء، واكتشف أنها تتضمن سمات متشابهة، منها النظام الغذائي. ولاحظ أن معظمهم يأكلون باعتدال. ويتبع كبار السن في أوكيناوا على سبيل المثال قاعدة قديمة، مفادها أنهم لا يملؤون إلا 80 في المائة فقط من بطونهم. وأشارت دراسات إلى أنهم يستهلكون سعرات حرارية أقل بنسبة 10 في المائة، مقارنة بالمتوسط الموصى به للبالغين.
ومن الواضح أن هذه القاعدة تسهم في تأخير الشيخوخة، إذ أثبتت دراسة طويلة الأمد أجرتها روزالين أندرسون، بجامعة ويسكونسين، أن القرود التي كانت تتبع نظاماً غذائياً محدد السعرات الحرارية، كانت أقل عرضة للإصابة بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة، مثل داء السكري والسرطان وأمراض القلب، وكانت تبدو أصغر سناً من نظيرتها التي لم تتبع نفس النظام الغذائي، إذ تأخر ظهور الشعر الأبيض في فرائها على سبيل المثال.
إضافة إلى الاعتدال في الطعام، فإن معظم الأنظمة الغذائية التي يتبعها سكان المناطق الزرقاء غنية بالفاكهة والخضروات، وهذا يسهم في تحسين صحة القلب.
الجانب الروحاني
يعيش معظم سكان المناطق الزرقاء في مجتمعات مترابطة. وأثبت الكثير من الدراسات أن الترابط الاجتماعي يسهم في الحد من آثار الضغوط النفسية، بينما تشجع علاقات الصداقة على المواظبة على الأنشطة البدنية والاجتماعية.
شرب الشاي والقهوة
لكن هناك سمات أخرى ينفرد بها سكان بعض المناطق الزرقاء قد نستدل منها على أسرار طول العمر؛ إذ اشتهر سكان جزيرة إيكاريا، بالمواظبة على شرب بضعة أكواب من الشاي والقهوة يومياً، وربطت دراسة بين انخفاض معدلات الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية في المنطقة وبين عادات سكانها الغذائية، مثل شرب الشاي والقهوة.
وأشارت دراسة مطولة إلى أن المواظبة على شرب بضعة أكواب من القهوة والشاي يومياً، تقلل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وذلك لأن هذه المشروبات الساخنة تحتوي على الكثير من المغذيات الدقيقة، مثل المغنسيوم، والبوتاسيوم والنياسين وفيتامين هـ، التي تقوم بدور مضادات للأكسدة وتتخلص من الجذور الحرة السامة التي تسبب الكثير من الأمراض.
طعامان
أثارت الأعمار الطويلة لسكان أوكيناوا اليابانية اهتمام العلماء بمكونين أساسيين من مكونات نظامهم الغذائي، وهما البطاطا الحلوة، والبطيخ المر، أو القرع المر، لما لهما من خصائص قد تسهم في إطالة العمر.
إذ تعد البطاطا الحلوة المصدر الرئيسي للكربوهيدرات في أوكيناوا، وليس الأرز كما هو الحال في معظم أنحاء اليابان.
وعلى عكس الخبز، فإن البطاطا الحلوة لها مؤشر جلايسيمي منخفض، أي أنها تطلق الطاقة ببطء في مجرى الدم، فضلاً عن أنها غنية بالمغذيات مثل فيتامين أ وج وهـ، وكلها مضادات للأكسدة تساعد على التخلص من الجذور الحرة المضرة وتقلل الالتهابات.
ويستخدم سكان أوكيناوا البطيخ المر، الذي يشبه الخيار وله مذاق قريب من الشاي الأسود، في الكثير من الأطباق، من السلطات إلى العصائر.
ويحتوي البطيخ المر على مركبات قد تسهم في علاج متلازمة الأيض التي ترتبط بمقاومة الجسم للإنسولين.
مناظر طبيعية
قد تحمل المناظر الطبيعية الخلابة التي تنعم بها هذه المناطق الخمس بعض الأدلة، التي تسهم في الكشف عن سر الأعمار الطويلة لسكانها.
إذ يعيش معظم المعمرين في سردينيا الإيطالية في منطقة جبلية خلابة. ولاحظ بيس وبولين أن أكثرهم يعملون في الفلاحة، وهذا قادهم للاعتقاد بأن العيش وسط المنحدرات يزيد اللياقة البدنية، بسبب الأنشطة البدنية الشاقة التي يمارسها السكان في حياتهم اليومية لكسب قوتهم.
في حين تنقسم جزيرة إيكاريا اليونانية إلى قسمين جغرافيين، يتكون القسم الشرقي من صخور رسوبية، أما القسم الغربي فيقع على طبقة من الغرانيت التي يتسرب منها الرادون المشع إلى ينابيع المياه الشهيرة.
والعجيب أن أكثر المعمرين بالجزيرة يعيشون في المنطقة الغربية التي ترتفع فيها نسبياً مستويات الإشعاع، ويشاع بين سكان الجزيرة أن الينابيع تنتج مياه الخلود.
وخلص بحث أميركي إلى وجود علاقة بين المستويات المنخفضة من الإشعاعات الطبيعية وبين طول الأعمار.
والخلاصة أن طول الأعمار الاستثنائي بالمناطق الزرقاء مرده إلى توليفة من العوامل العديدة، بعضها يقتصر على منطقة واحدة وبعضها يوجد في مختلف المناطق.
لكن بشكل عام، فإن الأكل باعتدال والإكثار من تناول الفاكهة والخضروات والمواظبة على التمرينات الرياضية وشرب القهوة والشاي، وإيجاد مساحة لاستعادة الهدوء النفسي والسكينة سواء في الكنيسة أو بالمشي بين المرتفعات، كلها عادات يمكن أن تصبح جزءاً من حياتنا اليومية.
(الصور من Getty)