خصص الإعلامي اللبناني طوني خليفة إحدى حلقات برنامجه "طوني خليفة" الذي يعرض على تلفزيون "الجديد"، لمناقشة قضية حادثة القتل في منزل الفنانة نانسي عجرم التي تشغل الرأي العام، فاستضاف في برنامجه أفراداً من عائلة القتيل، محمد الموسى، في جلسة أشبه بالتحقيق.
الحلقة بدأت بتقرير ميداني أعدته قناة "الجديد" في منزل القتيل محمد الموسى، حيث دخلت الكاميرات إليه لترصد حالة الفقر المدقع التي تعيشها عائلة الفقيد، فركزت الكاميرات على حالة المنزل التي يرثى لها، قبل أن تخوض المراسلة في حوارات مع زوجة الفقيد وأبيه، الحاضرين في استديو البرنامج. وفي الحوارات التي جاءت بنبرة حادة تصل إلى حد الصراخ، حاولت المراسلة أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن سبل عيش العائلة، وتحركات القتيل ليلة الحادثة وعن المسدس الذي كان بحوزته. وبعد هذا التقرير، انتقلنا للاستديو الذي تمحور فيه الحوار حول سؤال رئيسي أثاره خليفة: "كيف ستدفعون أجور المحامين"؟ ليضع ضيوفه في خانة المتهمين بقضية ابتزاز الفنانة نانسي عجرم، ويسير الحوار في الطريق نحو تجريم العائلة بأسرها، واتهامها بالمتاجرة بالضجة الإعلامية التي صاحبت القضية وشهرة الفنانة نانسي عجرم للحصول على مكاسب مادية.
لم يترك خليفة مساحةً كافيةً لضيوفه للحديث عما يشغلهم من تساؤلات، ولم يتح لهم المجال لسرد روايتهم عن الواقعة، بحجة أنه سمع ما يقال على وسائل التواصل الاجتماعي، بل صب جل تركيزه على التحقيق معهم لتبيان الأسباب التي دفعتهم لفتح قضية ضد فادي الهاشم وزوجته نانسي عجرم والموارد المادية لذلك، وحاول أن يواجههم ببعض المفارقات التي وردت بأقوالهم والأمور التي اعتبرها غير منطقية، ولم يثنه عن مواصلة التحقيق تحفظ العائلة عن ذكر بعض التفاصيل والأدلة بالإشارة إلى أن القضية بيد القضاء اللبناني. وفي المقابل، عندما بدأ خال الفقيد بطرح بعض الأسئلة عن التناقضات التي وردت في رواية نانسي عجرم للحادثة، أوقف خليفة الحوار باستخدام الحجة ذاتها: القضية بيد القضاء اللبناني.
وبينما استباح خليفة لنفسه أن يحقق مع العائلة الفقيرة المهمشة وأن يدخل إلى منزل عائلة الضحية، بحجة البحث عن الحقيقة، فإننا لم نجد كاميرات "الجديد" قد دخلت إلى منزل نانسي عجرم الذي حدثت فيه الجريمة، والذي كان من الأجدى أن نبحث عن الحقيقة فيه، وكذلك لم يستضف فادي الهاشم، أو حتى محاميه، ليواجههم بالتناقضات التي تضمنتها روايتهم على "السوشيال ميديا". بل على العكس من ذلك، اختتم حواره بالاعتذار من النجمة نانسي عجرم التي لمّح إلى استيائها من استضافة عائلة الضحية، وتحويل القضية إلى قضية رأي عام، بدلاً من احترام خصوصية وحرمة منزل عائلة عجرم.
وهنا يجب أن نسأل: لماذا يستبيح الإعلام لنفسه عرض حياة المهمشين والفقراء على الشاشة ويفرض على نفسه احترام خصوصية المشاهير والأغنياء؟ علماً أن هذا المنهج الإعلامي القائم على التفرقة لا يتعلق بقضية نانسي عجرم وحدها، بل من الممكن ملاحظته بغالبية التقارير الميدانية التي تسمح لنفسها بأخذ لقطات "كلوز" للمتسولين والفقراء، وحتى في المسلسلات التي تسمح لنفسها بالدخول إلى الأحياء الفقيرة المعدمة أو مخيمات اللاجئين، وتحولها بتفاصيلها وسكانها إلى جزء من الديكور والفضاء العام؛ وهذه اللقطات نجدها بكثافة كبيرة في المسلسلات التي صورت في لبنان أخيراً، كما هو الحال في مسلسل "العميد"، الذي بدأ عرضه البارحة على منصة "شاهد". ويجب أن نسأل هنا: إلى متى ستسمح وسائل الإعلام لذاتها باستباحة حياة المهمشين؟
ويجب هنا أن نميز بين اللقطات التي تصور حياة المهمشين بهدف الحصول على تعاطف الجمهور أو بهدف استعراض أجواء الجهل والفقر في هذه الأحياء، سواء في التقارير الصحافية أو الأفلام التوثيقية أو الدراما؛ فالتجاوزات المهنية التي تتم بالصنف الأول (بحال لم يتم الحصول على موافقة الأشخاص الذين تم تصويرهم)، قد تبرره الأهداف الإنسانية، في حين أنه من غير الممكن تبريرها في الصنف الثاني، ولا سيما تلك التي ساهمت برسم صور نمطية عن اقتران الجريمة بالفقر.
اقــرأ أيضاً
الحلقة بدأت بتقرير ميداني أعدته قناة "الجديد" في منزل القتيل محمد الموسى، حيث دخلت الكاميرات إليه لترصد حالة الفقر المدقع التي تعيشها عائلة الفقيد، فركزت الكاميرات على حالة المنزل التي يرثى لها، قبل أن تخوض المراسلة في حوارات مع زوجة الفقيد وأبيه، الحاضرين في استديو البرنامج. وفي الحوارات التي جاءت بنبرة حادة تصل إلى حد الصراخ، حاولت المراسلة أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن سبل عيش العائلة، وتحركات القتيل ليلة الحادثة وعن المسدس الذي كان بحوزته. وبعد هذا التقرير، انتقلنا للاستديو الذي تمحور فيه الحوار حول سؤال رئيسي أثاره خليفة: "كيف ستدفعون أجور المحامين"؟ ليضع ضيوفه في خانة المتهمين بقضية ابتزاز الفنانة نانسي عجرم، ويسير الحوار في الطريق نحو تجريم العائلة بأسرها، واتهامها بالمتاجرة بالضجة الإعلامية التي صاحبت القضية وشهرة الفنانة نانسي عجرم للحصول على مكاسب مادية.
لم يترك خليفة مساحةً كافيةً لضيوفه للحديث عما يشغلهم من تساؤلات، ولم يتح لهم المجال لسرد روايتهم عن الواقعة، بحجة أنه سمع ما يقال على وسائل التواصل الاجتماعي، بل صب جل تركيزه على التحقيق معهم لتبيان الأسباب التي دفعتهم لفتح قضية ضد فادي الهاشم وزوجته نانسي عجرم والموارد المادية لذلك، وحاول أن يواجههم ببعض المفارقات التي وردت بأقوالهم والأمور التي اعتبرها غير منطقية، ولم يثنه عن مواصلة التحقيق تحفظ العائلة عن ذكر بعض التفاصيل والأدلة بالإشارة إلى أن القضية بيد القضاء اللبناني. وفي المقابل، عندما بدأ خال الفقيد بطرح بعض الأسئلة عن التناقضات التي وردت في رواية نانسي عجرم للحادثة، أوقف خليفة الحوار باستخدام الحجة ذاتها: القضية بيد القضاء اللبناني.
وبينما استباح خليفة لنفسه أن يحقق مع العائلة الفقيرة المهمشة وأن يدخل إلى منزل عائلة الضحية، بحجة البحث عن الحقيقة، فإننا لم نجد كاميرات "الجديد" قد دخلت إلى منزل نانسي عجرم الذي حدثت فيه الجريمة، والذي كان من الأجدى أن نبحث عن الحقيقة فيه، وكذلك لم يستضف فادي الهاشم، أو حتى محاميه، ليواجههم بالتناقضات التي تضمنتها روايتهم على "السوشيال ميديا". بل على العكس من ذلك، اختتم حواره بالاعتذار من النجمة نانسي عجرم التي لمّح إلى استيائها من استضافة عائلة الضحية، وتحويل القضية إلى قضية رأي عام، بدلاً من احترام خصوصية وحرمة منزل عائلة عجرم.
وهنا يجب أن نسأل: لماذا يستبيح الإعلام لنفسه عرض حياة المهمشين والفقراء على الشاشة ويفرض على نفسه احترام خصوصية المشاهير والأغنياء؟ علماً أن هذا المنهج الإعلامي القائم على التفرقة لا يتعلق بقضية نانسي عجرم وحدها، بل من الممكن ملاحظته بغالبية التقارير الميدانية التي تسمح لنفسها بأخذ لقطات "كلوز" للمتسولين والفقراء، وحتى في المسلسلات التي تسمح لنفسها بالدخول إلى الأحياء الفقيرة المعدمة أو مخيمات اللاجئين، وتحولها بتفاصيلها وسكانها إلى جزء من الديكور والفضاء العام؛ وهذه اللقطات نجدها بكثافة كبيرة في المسلسلات التي صورت في لبنان أخيراً، كما هو الحال في مسلسل "العميد"، الذي بدأ عرضه البارحة على منصة "شاهد". ويجب أن نسأل هنا: إلى متى ستسمح وسائل الإعلام لذاتها باستباحة حياة المهمشين؟
ويجب هنا أن نميز بين اللقطات التي تصور حياة المهمشين بهدف الحصول على تعاطف الجمهور أو بهدف استعراض أجواء الجهل والفقر في هذه الأحياء، سواء في التقارير الصحافية أو الأفلام التوثيقية أو الدراما؛ فالتجاوزات المهنية التي تتم بالصنف الأول (بحال لم يتم الحصول على موافقة الأشخاص الذين تم تصويرهم)، قد تبرره الأهداف الإنسانية، في حين أنه من غير الممكن تبريرها في الصنف الثاني، ولا سيما تلك التي ساهمت برسم صور نمطية عن اقتران الجريمة بالفقر.
وأما التقرير الذي تم تصويره بمنزل عائلة محمد الموسى، فهو فعلياً أسوأ من الصنفين السابقين، رغم موافقة العائلة على دخول الكاميرات إلى عقر دارها؛ وذلك لأنه قد تم استخدامه بسياق غير متفق عليه، كدليل إدانة لعائلة أمام الرأي العام، بالاستناد إلى الصورة النمطية التي ساهم الإعلام والدراما بنشرها، أن البيئات المهمشة والفقيرة حاضنة للجريمة؛ ولتكون الخلاصة أن توكيل عائلة الموسى الفقيرة التي تعيش بهذا المنزل المتواضع، مجموعة من المحامين للادعاء ضد الهاشم، هو دليل إدانتهم بقضية ابتزاز للفنانة نانسي عجرم، التي يراها البعض فوق الشبهات.