إنه عام الذكرى الـ10 لرحيلها. في 25 أغسطس/ آب 2008، أُعلن نبأ رحيلها، بعد وقتٍ مديدٍ من صراعٍ يومي مع مرضٍ سرطانيّ. عمرٌ قليل (مواليد طرابلس، شمال لبنان، 11 ديسمبر/ كانون الأول 1953)، لكنه خصبٌ بعناوين سينمائية مثيرة لجدلٍ يمزج بين الأسئلة المطروحة فيها، وأشكال التعبير عنها. أفلامٌ قليلة (5 عناوين روائية ووثائقية)، لكنها مُشبعة بشغف الصورة، وحماسة الاشتغال، ورغبة عارمة في إحداث صدمةٍ تلو أخرى، عبر انشغالات إنسانية، تتحوّل معها إلى أفعالٍ درامية وجمالية وسردية، تُصيب لبّ المسائل المختارة، وتحرّض على تفكيرٍ ونقاشٍ وتنقيبٍ، وعلى اكتشاف معاني البوحٍ، وبهاء التعبير.
في عام الذكرى الـ10 لرحيلها، يختار الياس خلاط ـ مؤسّس "مهرجان طرابلس للأفلام" ومديره ـ السينمائية اللبنانية الفرنسية رندة الشهّال لتكريم إرثها الفني، في الدورة الـ5 (19 ـ 26 إبريل/ نيسان 2018)، كإحدى أبرز العاملات والعاملين في ما يُعرف بـ"السينما اللبنانية البديلة"، المتمرّدة على بهتان الإنتاج المحليّ في ستينيات القرن الـ20، والساعي إلى إيجاد صيغة لبنانية (عربية، يسارية، قومية، إلخ.) لفعلٍ سينمائي محليّ مفتوح على أسئلة الصورة والتبدّلات العربية وأحوال فلسطين والفلسطينيين، ومآزق العيش اليومي للّبنانيين، عشية اندلاع حربهم الأهلية (1975 ـ 1990)، وفي أعوامها المريرة، بل في بداياتها الأصعب والأشقى والأقسى.
والتكريم، إذْ يستبق الذكرى الـ10 لرحيلها بأشهرٍ قليلة، يُنبِّه إلى فصولٍ بارزة من التاريخ الحديث لسينما لبنانية تزداد حضورًا وإنتاجًا وإثارةً لنقاشٍ نقدي متنوّع. فصولٌ موسومة باشتغالٍ، تُشكِّل رندة الشهّال جزءًا أساسيًا من صناعته، المحتاجة إلى أكثر من قراءة نقدية. فصولٌ يغلب عليها طابع النضال الإنساني من أجل قضايا ومسائل، من دون ابتعادٍ مطلق عن محاولاتٍ ـ دؤوبة وجدّية وعميقة وحقيقية ـ لإيجاد المُعادِل البصري السينمائي الملائم لتلك القضايا والمسائل.
المرحلة تلك، الممتدة بين مطلع سبعينيات القرن الـ20 ومنتصف ثمانينياته تقريبًا، تشهد تأسيسًا إضافيًا لسينما تعرف بدايات دائمة، وتأسيسًا دائمًا، منذ ولادتها "الرسمية" مع "مغامرات الياس مبروك" (1929) للإيطالي جوردانو بيدوتي.
مع رندة الشهّال ورفاق وأصدقاء (مارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب وغيرهم)، تُصبح "السينما البديلة" مُنطلقًا فعليًا لسينما محلية أكثر نُضجًا ووعيًا وتنبّهًا للتساوي الجمالي بين الشكل والمضمون. فهؤلاء يبتكرون نواة جوهرية لسينما تُريد من لغتها الفنية والجمالية والتقنية أن تحصِّن المعاينات البصرية لأحوال وحالات وتأمّلات، أو لمواجهات ومقاربات وتفكيك وتعرية، ستُبدع أفلامٌ لبنانية كثيرة في صناعتها.
أما الاحتفاء برندة الشهّال في مدينتها اللبنانية، فتذكيرٌ بفصلٍ من أجمل فصول صناعة سينما لبنانية، ودعوة إلى إعادة مُشاهدة بعض أبرز عناوين تلك المراحل المختلفة من تاريخ البلد.