عُرضَ مسلسل "شبابيك" في نهاية العامِ الفائت على قناة "أو إس إن"، وكان عملاً منتظراً لدى الجمهور السوري الذي ترقب سامر برقاوي، المخرج ذائع الصيت في الدراما العربية، الخمس سنين الفائتة في أول عملٍ سوريٍ بعد قطيعة طويلة. لكنّ العمل لم يعرض على شاشات التلفاز العامة حتى رمضان الحالي. انقسمت الآراء بعد تلقي العمل، ما بين معجب ببساطة الحلقات، ومعترض على عدة إشكاليات تواجه المسلسل.
قصص مألوفة
يطرح العمل ثلاثين قصة منفصلة تربطها بعض العناصر المشتركة؛ فهي قصص عن علاقات زوجية، تتعرض إلى حدث يشكل منعطفاً في مسار العلاقة؛ منعطف لا ينتهي بقرار أمام المشاهد، ولكنه ينتهي بتساؤل على شكل نهاية مفتوحة. "هذه التوليفة الدرامية والخط العام المشترك كان من الممكن أن يفتحا المجال أمام طرح قضايا هامة ومحورية سواء إشكاليات نفسية أو إشكاليات متعلقة بالظروف المحيطة. وترك النهاية مفتوحة قادر على تقديم ما هو جديد للدراما السورية". هذا ما قاله أحد الكتاب الذين جربوا العمل في ورشة السيناريو لمسلسل شبابيك. إشكالية شبابيك الرئيسة تنبع بشكل جوهري من السيناريو؛ حبكات يشوبها الطول وتخلق الملل أحياناً، قصصٌ مكررة، وموضوعات لا تثير اهتمام المتابع اليوم.
القصص لم تكن مقنعة درامياً؛ فالمسلسل يطرح حكايات من الواقع ولكنها غير مصوغة بشكل متماسك؛ إذ لا يستطيع المتلقي معرفة دوافع أفعال شخصياتها أو قراراتها، ودخول الحدث الذي يكون غالباً بعامل الصدفة يغدو ضعيفاً وغير قادر على إحداث تغيير؛ فهو ليس من أولويات العلاقات اليوم، أو ليس مراعياً لخصوصية الوضع السوري وتكوين الشخصية السورية؛ فالقصص تشبه، إلى حد كبير، "قصص عبير"، التي راجت في التسعينيات. قصص الحب البسيطة الخالية من العقد، القصص السهلة التي تجعل قراءتها أو مشاهدتها استراحة للمتلقي.
كأنه عالم منعزل
أمّا عن الموضوعات والفكرة الرئيسية ضمن الحلقات فهي تبدو قديمة وغير مؤثرة؛ فقضايا كالزواج السري (الخطيفة) أو السعي إلى إنجاب ذكر، هي قضايا لا يعيشها المجتمع بالشكل الذي طرحت فيه، إنها قضايا موجودة بلا شك، ولكن ليس بالشكل البسيط المجرد الذي شاهدناه في المسلسل؛ إذ كان بالإمكان معالجتها بشكل حساس والتطرق إلى أسبابها وتقديم نقد للمجتمع، وليس الاكتفاء بطرح حبكة درامية وصراع مجرد وكأنه عالم منعزل عن الواقع.
العمل كتب ضمن ورشة سيناريو في شركة ساما، وترأس الورشة الكاتب بشار عباس. وفي حوار مع أحد الكتاب الذين جربوا العمل ضمن ورشة إعداد شبابيك وانسحب لاحقاً، وجه الكاتب نقداً شديداً لإدارة الورشة؛ فالأخيرة، حسب قوله، لم تحوِ معايير ورشة عمل، بل اكتفت باسم ورشة، ولكنها كانت عبارة عن تقديم كل كاتب لفكرته وتعديلها بما يتوافق مع رأي بشار عباس الدرامي: "لقد تقدم العديد من الكتاب للورشة، وكان كل من الذين التقيتهم يحمل فكرة قابلة للتطوير، ولكن الأغلبية انسحبت بعد أن حُولَت فكرته إلى فكرة ميتة درامياً".
انتقد الكاتب الرؤية الواحدة في العمل والروح الواحدة للكتابة: "لقد قدمت فكرتين وعملت على تطويرهما. أعتقد أنهما تمتلكان إلى حد ما مقومات كفيلة بتحقيق تماس أكبر مع شخصية الإنسان في سورية. وعملت على كل من الصراعين النفسي والصراع الناتج عن الحدث؛ ما جعل الأفكار تبدو مقنعة بالنسبة لي".
طُرحت ضمن العمل أفكار جيدة، وعرضت شخصيات متفاوتة على صعيد الطبقة أو الانتماء أو المستوى العلمي، ولكن افتقرت هذه الشخصيات وهذه المواقف إلى خصوصيتها؛ فغدت الشخصيات وحواراتها كأنها ذات واحدة من دون فروقات واضحة على صعيد لغة كل شخصية. أما المواقف فعولجت بشكل بسيط أحياناً، وغرائبي أحياناً أخرى، كالقصة التي جاءت حول كاتب يحلم أنه خان زوجته الطبيبة، فيروي لها ما رآه في نومه، ليتعقد الموقف عند ظهور الامرأة التي جاءت لحلم الزوج عند عتبة الباب، لتكون الجارة الجديدة. فقضية مثل قضية الحلم بين كاتب وبين طبيبة قادرة على المعالجة بأساليب أكثر حساسية وبعيدة عن الغرائبية.
العمل بشكل عام ابتعد عن تصوير الصراعات السورية؛ فهو اهتم بشكل رئيس وأساسي بموضوع العلاقة الزوجية، ولكنه اضطر إلى التطرق لها، أي الأزمة السورية، ولكن بقي الوضع العام غير متأثر، ما جعل الحالة منفصلة عن الواقع السوري لتبعد العمل عن المشاهد.
حظي العمل بإعجاب من قبل متابعي الدراما اليوم، الذين يلاحقون القصص القصيرة والسهلة؛ قصص الحب الفاشلة والعلاقات الشائكة. ومن الجدير بالذكر أن فكرة العمل الأساسية فكرة خلاقة قابلة للتطوير بإتاحة مساحة أكبر لحرية الكتابة والاقتراب من الواقع، فالعمل امتلك عناصر إخراجية وممثلين قديرين، لكن إشكالية النص خلقت قطيعة بينه وبين المتلقي المحترف.