حصل ذلك في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1978، وعُرفت بمجزرة جونستاون، لتكون أكبر حادثة وفاة مدنية متعمدة في التاريخ الأميركي. وبحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، كانت أيضاً صدمة ثقافية مدمرة.
في ما يلي نروي القصة الغريبة لـ"معبد الشعوب"، وهي الطائفة التي انتحر أتباعها سنة 1978:
هكذا بدأ "معبد الشعوب"
وُلد جيم جونز مؤسس هذه الجماعة، في عائلة فقيرة في ولاية إنديانا. وُوصف بأنه طفل ذكي وغريب، وكان ينجذب بشكل غريزي إلى الدين، وخاصة التقاليد المسيحية. كان يعظ الناس في الشارع، وكان على غير العادة، مؤيداً شغوفاً بالمساواة العرقية. انجذب المتحمسون إلى مزيج جونز الغريب بين المسيحية الإنجيلية وروحانية العصر الجديد والعدالة الاجتماعية المتطرفة. أسس طائفة خاصة، وأطلق على كنيسته المزدهرة اسم "معبد الشعوب".
(تويتر)
الوجه القبيح للطائفة
في عام 1965، عندما كان جونز في منتصف الثلاثينيات من عمره، أمر بنقل معبد الشعوب إلى كاليفورنيا. ابتعد عن التعاليم المسيحية التقليدية، وادعى بأنه كان نسخة حقيقية لشخصيات مثل المسيح وبوذا. كما زعم أن هدفه كان على الدوام الشيوعية، وكان الدين هو فقط طريقه لجعل الماركسية أكثر قبولاً.
بحلول السبعينيات من القرن العشرين، اكتسب معبد الشعوب، الذي صار يتخذ من سان فرانسيسكو مقراً له، نفوذاً سياسياً مهماً. وسرعان ما ظهر الجانب الشرير عندما صار التابعون لمعبد الشعوب يكرّسون أنفسهم بشكل كامل لمشروع الكنيسة الطوباوي: فقد قاموا بتسليم ثرواتهم الشخصية، وعملوا لساعات طويلة من غير أجور للكنيسة وكثيراً ما قطعوا الاتصال بعائلاتهم. كان من المتوقع أن يربوا أطفالهم داخل الجماعة. ولإظهار الالتزام، طُلب من أعضاء معبد الشعوب التوقيع على شهادات زائفة بأنهم قد تحرشوا بأطفالهم، والتي احتفظت بها الكنيسة لابتزاز محتمل، بحسب ما تنقل الصحيفة البريطانية.
الانتقال إلى غوايانا وبناء مجتمع "جونستاون"
بسبب اعتقاده بأن أميركا مهددة بخطر نووي، اختار جونز الانتقال إلى غوايانا، المستعمرة البريطانية السابقة في أميركا الجنوبية التي كان نظامها اشتراكياً. في عام 1977، نقل معبد الشعوب مقره إلى منطقة نائية من البرية. هناك أعلن جونز أن بالإمكان بناء مجتمع طوباوي من دون تدخل حكومي أو إعلامي. في مواجهة مناخ استوائي وموارد محدودة، بدأ سكان جونستاون بتحويل الغابة الكثيفة إلى مجتمع زراعي يُعرف باسم "جونستاون".
كانت الكنيسة تبث رسائلها عبر مكبر الصوت أثناء العمل، ويتم تنفيذ أوامر جونز من قبل حراس مسلحين يُدعون "اللواء الأحمر". كانت سلطات المنطقة متعاونة ومتساهلة مع طقوس المعبد الغريب. لكن مشكلة بدأت تظهر، وهي قلق أبناء هذه الطائفة الذين بقوا في أميركا، على أولادهم الذين سافروا ويعيشون في غوايانا، خصوصاً بعدما انقطع الاتصال بهم.
(تويتر)
من مجتمع ديني إلى معسكر مسلح
بعدما فازت أسرة في الولايات المتحدة بأمر حضانة طفل في جونستاون وأعادته من غوايانا، تصاعدت حالة البارانويا في مجتمع جونستاون، صار معسكراً مسلحاً يحيطه متطوعون ببنادق وسواطير، مهددين بمحاربة الغرباء حتى الموت.
بداية الكارثة
بناءً على طلب من أفراد أسر المعنيين في الولايات المتحدة، نظم عضو الكونغرس في الولايات المتحدة، ليو ريان، وفداً من الصحافيين وغيرهم للقيام بمهمة تقصّي الحقائق في جونستاون.
وصل الوفد إلى جونستاون في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1978، لكن هذه الزيارة تمت على عجل في 18 نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن حاول أحد أعضاء المعسكر طعن ليو ريان. وعاد الوفد إلى المطار، بصحبة 12 من سكان جونستاون الذين طلبوا مغادرة المعسكر.
وبينما كانوا يستقلون الطائرة، فتح عناصر من أتباع جونسون الرشاشات وأطلقوا النار، وقتلوا ريان وأربعة آخرين، من بينهم مصوران التقطا مشاهد من الهجوم قبل أن يموتا، فيما ركض الناجون الجرحى أو جرّوا أنفسهم، وهم ينزفون، إلى الغابة.
(تويتر)
الليلة البيضاء... حان وقت تنفيذ عملية الانتحار الكبرى
في وقت ما خلال هذه الفترة بدأت جونستاون تدريبات تُدعى "الليالي البيضاء"، إذ كان السكان يمارسون الانتحار الجماعي. بعد حادثة الطائرة، أعلن جونز أن الوقت قد حان للقيام بـ"الليلة البيضاء" النهائية.
وبين القبول والإجبار، تناول المئات من الأتباع السيانيد شرباً وحقناً. تم تسميم الأطفال، أكثر من 300 طفل، أولاً، وكان يمكن سماع البكاء والنحيب على الأشرطة الصوتية التي حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي.
عندما وصلت قوات غوايانا إلى جونستاون في صباح اليوم التالي، اكتشفت فجأة الصمت الذي عم المكان والجثث المتناثرة، مع عدد ضئيل من الناجين، معظمهم اختبأوا لحظة تناول السم. أما جونز، فقد عُثر على جثته وقد أطلق عليها الرصاص.