بعد "بيروت طريق جديدة"، و"بيروت فوق الشجرة"، و"جوليا"، و"مجدرة حمرا"، و"الأشرفية المدفون"، يدخل يحيى جابر من جديد طريق الضاحية الجنوبية لبيروت. هناك، حيث تسكن الأكثرية "الشيعية"، في مسرحية جديدة بعنوان "شوها" بطولة حسين قاووق. مشاهد من يوميات مجتمع الضاحية الجنوبية لبيروت؛ الناس في صراعهم البيئي والعقائدي، وما فرضته العادات، والحروب، والنكسات، على ذاكرتهم في إطار مشهدي واقعي جداً، لم تلزم جابر ببناء ديكور مبهر ولا مؤثرات صوتية فائقة الجودة، ولا حتى إضاءة، أو الاستعانة بكومبارس. كل ما فعله كما كل مرة، استغلال موهبة حسين قاووق (28 عاماً) لتشخيص الحالة، قاووق قدم بعض الأعمال الفنية الخجولة، لكنه تحول إلى "ظاهرة" في ساعات قليلة نظراً لخفة أدائه، وانصهاره الواضح في آلية النص وتقنياته الصعبة.
في المضمون، لا يبتعد يحيى جابر عن بيئته، التي نشأ فيها، صور بين الماضي والحاضر. شبان "ضاحية بيروت الجنوبية" يقودون الدراجات النارية، وما ترمز إليه هذه الحالة تحديداً في لبنان، كهاجس يومي، الصراع بين سائق الدراجة وقوى الأمن اللبنانية، أحداث المواجهة بأداء مقبول، وصولاً إلى مطعم "قاووق" المتخصص بوجبات الفول، الكائن في منطقة الشياح، الضاحية الجنوبية، هنا الحكاية لعائلة حسين الذي حلم بأن يصبح ممثلاً معروفًا، لكن تخاصمه مع والده وإلزامه بدراسة الطب والهندسة أبعداه عن تحقيق حلم الطفولة، فجلس في الجامعة يدرس مهندساً وفشل، قرابة ثماني سنوات ليجبره نهايةَ الأمر والده، على العمل في مطعم الفول الذي يملكه.
يكلم قاووق نفسه، على المسرح يبدو واثقًا من بعض الشخصيات التي يختزلها في المواجهة الأولى المباشرة أمام الجمهور، مقاربة لا بد وأن يستذكرها المتفرج عند كل مسرحية لجابر بين ما يشاهده في موهبة قاووق، والمقارنة بزميلَيه، زياد عيتاني، "في بيروت طريق الجديدة" والممثلة أنجو ريحان الجنوبية في "جوليا" و"مجدرة حمرا". حالات متطابقة رغم اختلاف الطرح تسعى لغرض ترفيهي محكم، يجيب عن وابل من الأسئلة التي نطرحها جميعاً، وهنا السر في الإقناع والسخرية والضحك.
الدهشة ودقة الأسلوب البسيط للسيناريو، والجمل التعبيرية، رغم بعض الهفوات المفترض أن يتغلب عليها قاووق مع الوقت، كل هذه العوامل تحملنا على "الأحادية" التي لا تزال تسيطر على طائفة في مواجهة طائفة أخرى. رحلة الخوف، المسلم من المسيحي والعكس، سجل الحرب، القتل على الهوية، ذَبح عم حسين عام 1975 في مرفأ بيروت، قيام الحرب اللبنانية، كل هذا السواد، أمام صورة رب الأسرة المستبد بقراراته وتحليلاته "الخرافية" خوفًا على سمعته، أبو حسين أو "علي" الموسوس، والأم "حنان" التي تريد التفوق على شقيقتها المغتربة في ميشغن الأميركية. يوميات تلقي بثقلها على حسين الذي لا يكف والده على الدوام عن إحباطه وتوبيخه.
لا يوفر يحيى جابر من "النكز" السياسي للمسؤولين اللبنانيين، السخرية من هؤلاء ضرورية دون سقف، لحظات مشهدية معبرة، ووصف متهكم، على صورهم المنتشرة على الخط الساحلي في لبنان.
مرة أخرى، ينقل الكاتب والمسرحي يحيى جابر الشارع وتفاصيل دقيقة عن حياة فئة من اللبنانيين إلى خشبة المسرح، في ساعتين من الضحك المتواصل. هكذا يصف الجمهور العرض الأول للمسرحية، امتحان قاووق، تذلل من أمامه الصعوبات بعد دقائق قليلة من البداية ووقوفه راويًا الأحداث، بإيحاءات وخفة واضحة.
اقــرأ أيضاً
يربط جابر- قاووق، بين نبض الشارع اليومي، من دون تجميل، وبين السخرية والالتفاف على مكامن النشأة والنفوس الضعيفة. ليس جديداً على يحيى جابر هذا النمط تحديداً، "الحكواتي"على المسرح، قبل ست سنوات، قدم مجموعة أعمال مسرحية، ويبدو أنها لاقت الصدى الذي أراده.
رؤية جديدة، مدمغة بذاكرة يحيى جابر، واثقة بما عليها أن تقول، صمود الناس لمدة ساعتين دون ملل، يحسب لجابر اليوم، بعيداً عن كليشيهات المسرح التي بدأت تغزو ما يعرف بستاند أب كوميدي.
في المضمون، لا يبتعد يحيى جابر عن بيئته، التي نشأ فيها، صور بين الماضي والحاضر. شبان "ضاحية بيروت الجنوبية" يقودون الدراجات النارية، وما ترمز إليه هذه الحالة تحديداً في لبنان، كهاجس يومي، الصراع بين سائق الدراجة وقوى الأمن اللبنانية، أحداث المواجهة بأداء مقبول، وصولاً إلى مطعم "قاووق" المتخصص بوجبات الفول، الكائن في منطقة الشياح، الضاحية الجنوبية، هنا الحكاية لعائلة حسين الذي حلم بأن يصبح ممثلاً معروفًا، لكن تخاصمه مع والده وإلزامه بدراسة الطب والهندسة أبعداه عن تحقيق حلم الطفولة، فجلس في الجامعة يدرس مهندساً وفشل، قرابة ثماني سنوات ليجبره نهايةَ الأمر والده، على العمل في مطعم الفول الذي يملكه.
يكلم قاووق نفسه، على المسرح يبدو واثقًا من بعض الشخصيات التي يختزلها في المواجهة الأولى المباشرة أمام الجمهور، مقاربة لا بد وأن يستذكرها المتفرج عند كل مسرحية لجابر بين ما يشاهده في موهبة قاووق، والمقارنة بزميلَيه، زياد عيتاني، "في بيروت طريق الجديدة" والممثلة أنجو ريحان الجنوبية في "جوليا" و"مجدرة حمرا". حالات متطابقة رغم اختلاف الطرح تسعى لغرض ترفيهي محكم، يجيب عن وابل من الأسئلة التي نطرحها جميعاً، وهنا السر في الإقناع والسخرية والضحك.
الدهشة ودقة الأسلوب البسيط للسيناريو، والجمل التعبيرية، رغم بعض الهفوات المفترض أن يتغلب عليها قاووق مع الوقت، كل هذه العوامل تحملنا على "الأحادية" التي لا تزال تسيطر على طائفة في مواجهة طائفة أخرى. رحلة الخوف، المسلم من المسيحي والعكس، سجل الحرب، القتل على الهوية، ذَبح عم حسين عام 1975 في مرفأ بيروت، قيام الحرب اللبنانية، كل هذا السواد، أمام صورة رب الأسرة المستبد بقراراته وتحليلاته "الخرافية" خوفًا على سمعته، أبو حسين أو "علي" الموسوس، والأم "حنان" التي تريد التفوق على شقيقتها المغتربة في ميشغن الأميركية. يوميات تلقي بثقلها على حسين الذي لا يكف والده على الدوام عن إحباطه وتوبيخه.
لا يوفر يحيى جابر من "النكز" السياسي للمسؤولين اللبنانيين، السخرية من هؤلاء ضرورية دون سقف، لحظات مشهدية معبرة، ووصف متهكم، على صورهم المنتشرة على الخط الساحلي في لبنان.
مرة أخرى، ينقل الكاتب والمسرحي يحيى جابر الشارع وتفاصيل دقيقة عن حياة فئة من اللبنانيين إلى خشبة المسرح، في ساعتين من الضحك المتواصل. هكذا يصف الجمهور العرض الأول للمسرحية، امتحان قاووق، تذلل من أمامه الصعوبات بعد دقائق قليلة من البداية ووقوفه راويًا الأحداث، بإيحاءات وخفة واضحة.
يربط جابر- قاووق، بين نبض الشارع اليومي، من دون تجميل، وبين السخرية والالتفاف على مكامن النشأة والنفوس الضعيفة. ليس جديداً على يحيى جابر هذا النمط تحديداً، "الحكواتي"على المسرح، قبل ست سنوات، قدم مجموعة أعمال مسرحية، ويبدو أنها لاقت الصدى الذي أراده.
رؤية جديدة، مدمغة بذاكرة يحيى جابر، واثقة بما عليها أن تقول، صمود الناس لمدة ساعتين دون ملل، يحسب لجابر اليوم، بعيداً عن كليشيهات المسرح التي بدأت تغزو ما يعرف بستاند أب كوميدي.