وعملَ حسّان على جمع هذه الأغاني وتحليل مضمونها والبحث فيما وراء أصحابها في كتاب أطلق عليه "هتاف المنسيين". يحمل الكتاب الصادر في 243 صفحة عن دار "بتانة" للنشر والتوزيع بالقاهرة العنوان الفرعي "أغاني المهرجانات.. من العشوائيات إلى أولاد الذوات".
بداية، يوضح المؤلف كيف جاءته فكرة الكتاب، بعدما حاصرته أغاني المهرجانات في المتاجر ووسائل النقل، ووصلت إلى عقر داره، واستولت على أذن ابنه الأصغر، فيقول: "كان هدفي أن أكتشف وأعرف وأحلل. لا أن أصدر أحكاماً من أي نوع".
ورغم أنه ليس باحثًا اجتماعياً، يحاول المؤلف تقصي جذور الظاهرة ومعرفة نشأتها التي أرجعها إلى ما قبل عام 2011، بعكس المتداول إعلامياً، إذْ ألصقها كثيرون بالانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل حسني مبارك، ضمن بعض مظاهر الفوضى آنذاك.
وقال عن نشأتها "لا أحد يملك تحديد الوقت أو المكان الذي ظهرت فيه أغاني المهرجانات بدقة أو صرامة، هناك من يقول إنها بدأت من المطرية، ومن يقول من مدينة السلام، بل ومن يقول إنها بدأت من الفيوم، وإن كنت أشك في حكاية الفيوم هذه وأعتبرها مجرد (إفيه). لكن المرجح أنها بدأت قبل ثورة يناير 2011، ربما بخمسة أعوام أو أكثر".
وقبل الخوض في أسباب ظهور أغاني المهرجان، يميز المؤلف بين أغاني المهرجانات والأغاني الشعبية، قائلاً إن الأولى هي ابنة المناطق العشوائية التي نشأت على أطراف المدن أو خارجها، والتي تختلف في تركيبتها السكانية وخصائصها عن المناطق الشعبية التقليدية.
ويلخص أسباب ظهور أغاني المهرجانات في تسع نقاط أبرزها "الرغبة في التمرد على كل ما هو رسمي أو راسخ أو محتفى به"، و"سهولة صناعة هذه الأغاني" دون استوديو أو حتى ملحن، و"الثورة التكنولوجية" المتمثلة في القدرة على نشر أي محتوى عبر موقع "يوتيوب".
ويحاول المؤلف تعريف ذلك النوع من الأغاني فيقول "المهرجانات ليست واحدة، يعني ليس لها (ستايل) واحد، بل إن الفرقة الواحدة لا تستطيع أن تمسك لها بخط ثابت يميزها عن غيرها".
وينقلُ على لسان أحد مؤدي هذه الأغاني السبب في تسميتها مهرجانات، إذ يقول "الموسيقى التي أغني على وقعها، تعبر بطبعها عن حالة المهرجان الغنائي، وأيضاً بسبب إمكانية مشاركة أكثر من مطرب في أغنية واحدة، يردون وينادون على بعضهم بـ(كوبليهات) مختلفة، بالإضافة لإمكانية دمج موسيقى الراب والشعبي في أغنية واحدة".
يتناول المؤلف بعض أسماء الفرق التي يبدو بعضها غريباً، مثل "الدخلاوية" و"المدفعجية" و"الصواريخ" و"شبيك لبيك"، ثم يتحدَّث عن أفرادها كاشفاً أن غالبيتهم لم يحصلوا على قدر جيد من التعليم، أو لم يتعلموا من الأساس. ويلقي الضوء على المهن البسيطة التي امتهنوها قبل الغناء، فمنهم من عمل جزاراً ومنهم السائق والحداد والحلاق والقهوجي.
ويفرد الجزء الأكبر من الكتاب لعرض مضمون أغاني المهرجانات التي يتناول بعضها بالتحليل والقراءة، علماً بأن المؤلف اختار النماذج الأقل خدشاً للحياء، إذْ تمتلئ هذه الأغاني بكلمات التحرش والإيحاءات الجنسية الفجة.
وكما يتصدى الكتاب لظاهرة خرجت من قلب العشوائيات، تأتي لغته تارة عربية سليمة وتارة أخرى عامية، كما جاء أسلوبه ساخراً، وهو ما قد يرجع في جزء منه لطبيعة شخصية المؤلف، وفي جزء آخر لطبيعة الموضوع ذاته ومحاولة تقريبه للقارئ.
عنوان "هتاف المنسيين" يستدعي تلقائياً اسم كتاب آخر لعالم الاجتماع سيد عويس بعنوان "هتاف الصامتين" صدر عام 2000، وتناول العبارات التي يدونها عادة السائقون على سيارات النقل والأجرة، وتحمل خلاصة تجاربهم في جمل ذات وزن وقافية.
لكن يسري حسان يوضح وصفه لأعضاء فرق المهرجانات بالمنسيين، قائلًا: "معظم صناع المهرجانات عانوا نفس المعاناة، لم يشعروا بأن هناك دولة تهتم بهم، فقرر كل واحد منهم إنه يعمل دولته الخاصة، وهذا سنلاحظه في معظم المهرجانات. كل فرقة وكل مطرب يتكلم عن جهته أو منطقته في المهرجان، ويعدد صفاتها وصفات ناسها، وكيف أنها أحسن من غيرها".
ويضيف "المهرجانات، على ما أظن، هي الدولة الموازية، كل واحد وله دولته التي يعبر عنها بطريقته الخاصة".
كتاب "هتاف المنسيين" هو الثالث ليسري حسان بعد "خلطة شبرا" و"مُشعل القناديل" عن الشاعر الراحل محسن الخياط، إضافة لعدد من الدواوين الشعرية والمقالات النقدية.