مرّتين، في الساعات الأخيرة، كرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تهديده بضرب مواقع ثقافية إيرانية، في حال ردّت طهران على عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني يوم الجمعة في بغداد. المرة الأولى كانت في تغريدة نشرها على حسابه على "تويتر" يوم الأحد الماضي، توعّد فيها باستهداف 52 موقعاً في إيران في حال ردت طهران على عملية الاغتيال. وأوضح أن المواقع الـ52 تمثل عدد الأميركيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران لأكثر من سنة أواخر العام 1979، محذراً من أن بعض هذه المواقع "على مستوى عال جدّاً وبالغة الأهمية بالنّسبة إلى إيران والثقافة الإيرانيّة".
Twitter Post
|
ثمّ كرّر تهديده متحدّثاً إلى صحافيين كانوا يرافقونه في الطائرة الرئاسية: "نسمح لهم بقتل مواطنينا. نسمح لهم بتعذيب وتشويه مواطنينا. نسمح لهم باستخدام قنابل لتفجير مواطنينا. ولا يحق لنا المسّ بمواقعهم الثقافية؟ الأمور لا تسير بهذا الشكل"، وفق ما نقلته وكالة "فرانس برس".
سريعاً بدأت تصدر البيانات والمواقف الرافضة تهديد ترامب لقصف هذه المواقع. ولعلّ الموقف الأبرز صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي أعلنت الأحد أن "تهديد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بمهاجمة المواقع الإيرانية الثقافية سيكون جريمة حرب في حال تمّ تنفيذه. يتعين على الحكومة الأميركية أن توضح إن كانت ستلتزم بقوانين الحرب".
ماذا يقول القانون؟
تحظر المادة 53 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف، أي عمل عدائي ضد المواقع والممتلكات الثقافية، بينما يتضمّن دليل قانون الحرب الأميركي الصادر عام 2016 بنوداً واضحةً تتعلق بحماية الممتلكات الثقافية. يضاف إلى ما سبق أن أميركا وقعت عام 1954 على اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حال نشوب صراع مسلح. وقد تمّت صياغة هذه الاتفاقية نتيجة تدمير مئات المواقع الثقافية خلال الحرب العالمية الثانية. بموجب قوانين الحرب العرفية، يرتكب الأفراد الذين يأمرون أو يشاركون في هجمات متعمدة على أهداف مدنية جرائم حرب. تنص المادة 85 من البروتوكول الأول على وجه التحديد على أن الهجمات على المواقع الثقافية تشكل انتهاكات جسيمة للاتفاقية. يتضمن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي لا تشكل الولايات المتحدة أو إيران طرفًا فيه ، جريمة حرب تعمد توجيه هجمات ضد مبانٍ مخصصة للدين أو التعليم أو الفن أو العلوم أو الأغراض الخيرية أو المعالم التاريخية غير العسكرية.
Twitter Post
|
ما هي المواقع الثقافية في إيران؟
وقّعت إيران على معاهدة مواقع التراث العالمي في 26 فبراير/شباط 1975، لتضمّ على أراضيها اليوم 24 موقعاً ثقافياً صنفتها منظمة الـ"يونيسكو"، في قائمتها. أول هذه المواقع، هو معبد جغازنبيل في محافظة خوزستان (انضم إلى القائمة عام 1979)، ويعود إلى الحضارة عيلام وقد بني عام 1250 قبل الميلاد. في العام نفسه، انضم ميدان نقش جهان الذي بني مطلع القرن السابع عشر في محافظة أصفهان، وهو ثاني أكبر ميادين العالم. كذلك سنة 1979، انضمّت عاصمة الإمبراطورية الأخمينية برسيبوليس (محافظة فارس اليوم) إلى لائحة المواقع التراثية العالمية التي تضعها الـ"يونيسكو".
أما بقية المواقع الـ21، فانضمت جميعها إلى القائمة بعد الألفية الجديدة. البداية كانت مع مدينة تخت سليمان الأثرية، التي تقع في محافظة أذربيجان الغربية، عام 2003. وفي عام 2004 انضمت بازارقادش، وهي العاصمة الملكية الأولى للإمبراطورية الأخيمينية التي أسسها في القرن السادس ق.م. قورش الثاني الكبير في قلب فارس، بحسب ما يوضحه موقع الـ"يونيسكو". في العام نفسه، اختارت المنظمة الأممية مدينة بام ومشهدها الثقافي المبني حسب تقنية محلية بواسطة طبقات من التربة. في السنتين التاليتين، انضمت تباعاً السلطانية (2005 ــ محافظة زنجان) عاصمة القبائل المغولية الخاندية، ثم بيستون (2006 ـ محافظة كرمانشاه) التي تضمّ آثارًا من حقبة ما قبل التاريخ وحتى الحقبات الميديّة، والأخيمينية، والساسانية، والإيلخانية.
أما مجموعة الأديرة الرهبانية الأرمنية في محافظة أذربيجان، ورغم المطالبات السابقة بضمها إلى لائحة التراث العالمي، فإنها لم تدخل القائمة إلا عام 2008. تلتها في 2009 منظومة شوشتار الهيدرولية التاريخية في محافظة خوزستان التي تضمّ جسوراً، وسدوداً، وقنوات، ومبانيَ، وطواحين ماء من قديم الزمان، ثمّ مجموعة البازار التاريخي في تبريز في 2010، وهو أكبر سوق مسقوف في العالم.
أما بقية المواقع التي تشملها قائمة التراث فهي مجموعة الخانقة وحرم الشيخ صفيّ الدين في أردبيل (2010)، والحدائق الفارسية التسع، الموزعة في محافظات فارس، ومازندان، وأصفهان، وكرمان، ويزد، وخراسان (2011)، ثمّ عام 2012 برج قنبد قابوس في محافظة غلستان. كذلك انضم في ذلك العام مسجد جامع أصفهان. وفي السنوات الست الأخيرة، انضم قصر غلستان (2013)، ثمّ مدينة شهر سوخته في بلوشستان عام 2014. بعدها في 2015 مدينة شوشان أو سوسة، وموقع ميمند الثقافي. كذلك لم تتأخر الـ"يونيسكو" بضمّ القناة الفارسية، وصحراء لوط عام 2016، ثمّ مدينة يزد في العام التالي. ليكون آخر معلمين انضما إلى القائمة هما المنظر الساساني الأثري في منطقة فارس (2018) والغابات الهيركانية (2019).